"جولة خليجية مرتقبة يقوم بها دوق كامبريدج، الأمير وليام، تشمل كلا من الكويت وعمان، بناء على طلب من وزارة الخارجية البريطانية".. هكذا أعلن القصر الملكى البريطانى، فى بيان له، أمس الثلاثاء، فى إطار الجولات التى يقوم بها أفراد الأسرة المالكة فى بريطانيا، إلى العديد من دول العالم، حيث يسعون من خلالها الترويج لمبادرات عالمية، وأنشطة، تحمل طابعا اجتماعيا، أكثر منه سياسيا، باعتبارها وسيلة لتوطيد العلاقات السياسية بين الدول، بشكل غير مباشر، إلا أن الزيارة المرتقبة ربما تحمل طابعا مختلفا عن غيرها من الزيارات فى ظل التطورات الكبيرة التى تشهدها لندن فى المرحلة الراهنة، وعلى رأسها اقتراب دخول "بريكست" حيز النفاذ.
ولعل صيغة البيان، الذى صدر عن قصر "كينجستون" الملكى، تضفى انطباعا صريحا حول الطبيعة السياسية لزيارة الأمير وليام المرتقبة إلى دولتين خليجيتين، حيث ورد فيه أنها تأتى بناء على طلب من وزارة الخارجية البريطانية، وهو ما يقدم انعكاسا لأبعاد دبلوماسية تبدو غير معهودة، على الأقل على المستوى الرسمى، فى مثل هذه الزيارات، حيث أن الأسرة البريطانية المالكة اعتادت عدم الانغماس فى السياسة، إلا أنه طبيعة المرحلة الراهنة، على مختلف الأصعدة ربما تتطلب "دبلوماسية" جديدة، بعيدا عن الأساليب التقليدية التى اعتادت مؤسسة الحكم فى لندن انتهاجها لعقود طويلة من الزمن، فى ظل الصراع الراهن بين الحكومة من جانب، والمؤسسات الأخرى فى الداخل البريطانى، وعلى رأسها البرلمان، من جانب أخر، على خلفية مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى.
ليست المرة الأولى.. جونسون يحاول إغراق القصر الملكى فى بحر السياسة
يبدو أن لجوء الحكومة البريطانية للأسرة المالكة ليس بالأمر الجديد تماما، حيث سبق لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، وأن حاول إغراق الملكة إليزابيث فى بحور السياسة، عبر استصدار قرار منها بإغلاق البرلمان لمدة 45 يوما، فى سبتمبر الماضى، حتى يتمكن من تمرير "بريكست" بدون اتفاق، وهو القرار الذى فشل فى تطبيقه، بعد حكم قضائى ببطلانه من قبل المحكمة العليا البريطانية، فى خطوة ربما لا تمثل فقط صفعة للحكومة خلال أيامها الأولى فى السلطة، ولكن أيضا إحراجا للملكة التى اعتادت أن تنأى بنفسها بعيدا عن السياسة لسنوات طويلة.
إلا أن رؤية جونسون ربما تقوم على محاولة استغلال المكانة الكبيرة التى تحظى بها الملكة، وغيرها من أفراد الأسرة الحاكمة، بين المؤسسات البريطانية، وبالتالى فهو يسعى إلى استقطابهم، ليكونوا داعمين له فى المرحلة الراهنة، مع تزايد الاحتمالات بصدامات جديدة، ربما لن تقتصر على البرلمان، والذى قد ينجح رئيس الوزراء فى تنحيته جانبا إذا ما حصل على الأغلبية فى الانتخابات المبكرة، المقررة فى ديسمبر المقبل، ولكن أيضا مع أجهزة أخرى، وعلى رأسها جهاز الاستخبارات، خاصة بعد الحديث الأخير عن احتمالات تدخل روسيا فى الاستفتاء حول "بريكست"، والذى عقد فى عام 2016، والذى صوت فيه البريطانيون لصالح الانفصال عن القارة العجوز، وهو الأمر الذى رفض رئيس الوزراء التحقيق فيه، مما أثار انتقادات معارضيه فى البرلمان مؤخرا، فى محاولة للنيل منه قبل الانتخابات المقبلة.
استلهاما لتجربة ماى.. الخليج بوابة عودة بريطانيا للعالم
نفوذ الأسرة الحاكمة فى بريطانيا لا يقتصر على الداخل البريطانى، وإنما يمتد إلى العديد من دول العالم، وعلى رأسها فى منطقة الخليج، وبالتالى فتبقى هناك حاجة ملحة لاستغلاله، فى المرحلة المقبلة، من أجل استعادة التأثير البريطانى فى العديد من مناطق العالم، وهو الأمر الذى بدأته رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، والتى حرصت على حضور قمة مجلس التعاون الخليجى التى عقدت فى البحرين، فى ديسمبر 2016، حيث كانت ترى أن الخليج يمثل البوابة لعودة بريطانيا إلى الساحة الدولية، خاصة مع توتر العلاقات آنذاك بين الدول الرئيسية فى منطقة الخليج، والإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، على خلفية الاتفاق النووى الإيرانى، وبالتالى سعت ماى إلى ملء الفراغ الناجم عن غياب الدور الأمريكى.
ولكن المفارقة الملفتة للانتباه أن ماى لم تعتمد فقط على أدواتها الدبلوماسية التقليدية لتوطيد علاقتها بالخليج، حيث استبق ولى العهد البريطانى، الأمير تشارلز زيارتها المذكورة، بزيارة إلى البحرين، لتدشين قاعدة عسكرية بحرية بريطانية في ميناء سلمان التابع لقوة الدفاع البحرينية، فى انعكاس صريح للنفوذ الكبير الذى تحظى به الأسرة المالكة فى العديد من مناطق العالم.
بديل أوروبا.. لندن تسعى لشركاء جدد
يبدو أن حكومة جونسون استلهمت نهج الحكومة السابقة، عبر التقارب مع منطقة الخليج، باعتبارها فرصة ليس فقط لاستعادة الدور الدولى لبريطانيا على المستوى الدولى، ولكن أيضا سعيا وراء الحصول توسيع نطاق الاتفاقات التجارية فى المرحلة المقبلة، خاصة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى، والمقرر تطبيقة فى يناير المقبل، حيث تسعى لندن لعقد المزيد من الاتفاقات التجارية فى المرحلة المقبلة، مع دول أخرى بعيدا عن محيطها الأوروبى، وهو ما يمثل تعويضا عن الخسائر التى قد تنجم عن "بريكست"، فى ظل توقعات بفرض قيود على التجارة القادمة بريطانيا إلى دول القارة العجوز.
التحرك البريطانى الأخير يمثل امتدادا صريحا لدور يبدو أكبر فى المرحلة المقبلة لأفراد الأسرة المالكة، سواء فى الداخل البريطانى أو فى الخارج، فى ظل العديد من التحديات، بينما يمثل كذلك فرصة جيدة لجونسون، لتلميع صورته أمام المواطنين قبل انطلاق الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتى سوف تنطلق فى ديسمبر المقبل، والتى يسعى من خلالها تحقيق العديد من المكاسب، وأهمها إعادة هيكلة البرلمان، ليدور فى فلك الحكومة، بالإضافة إلى السيطرة المطلقة على حزب المحافظين، بعدما ضربه الانقسام طيلة الأشهر الماضية بسبب الخلاف بين أعضاءه حول الكيفية التى يمكن تطبيق "بريكست" بها.