«ياريتها جت على الرنجة».. كما كانت تطلب شادية من زوجها رشدى أباظة فى فيلم «الزوجة الـ13»، سيبك من الرنجة والفسيخ والطرشى والملوحة والبطيخ، فهناك قائمة طويلة عريضة لوحم السيدة الحامل، فما لا يعرفه البعض، أن هناك حوامل يتوحمن دون مبالغة على أشياء «ما يعلم بيها إلا ربنا»، لا يمكنك أن تفكر حتى فى تناولها، بل تنفر حتى من رائحتها.
فهل هناك سبب وتفسير علمى للوحم، أم أنه مجرد دلع وإيحاء نفسى، وما أغرب أنواعه، وكيف يتم التعامل مع أعراضه الغريبة؟
صابون.. طباشير.. بنزين.. القايمة طويلة
الصابون أشهر عناصر تلك القائمة العجيبة، وأشدها غرابة الوحم على النفتالين، والتراب، وصابون المواعين، والغراء، وحتى طباشير المدارس، والمشكلة تكمن فى أن أغلب الحوامل لا يتحكمن مطلقًا فى الرغبة لتناول مثل هذه المواد.
سيدة: اتوحمت على صابون بالليمون.. وكلت منه حتتين.. وأخرى: نزلت جوزى الفجر يجيبلى صابون مواعين
رغم تأكيدات الأطباء بأن الوحم لا وجود له وأنه مجرد نقص فى بعض عناصر جسم السيدة، فإن الحوامل «ميفرقش معاهم الكلام ده».
تصف أحلام، 27 عامًا، الوحم على أنه أشد من الوسواس، فهى لا تشعر بالراحة- كما تقول- حتى تنال مرادها، وإن كان تناول قطعة من الطباشير الجيرى! فهى كالمدمن الذى لن يتحكم فى نفسه أمام مخدره المفضل
وتقول سناء: فى طفلى الأول كان وحمى عاديًا، شعرت برغبة قاتلة فى شم صابون المواعين القطع- الذى انقرض حاليًا- الساعة الثانية فجرًا، وجلست أبكى وأنا أشعر بحالة من الهيستيريا، حتى أنقذنى زوجى ونزل ليلًا يبحث عنه فى المحلات حتى أتانى بعلبة ظللت أشمها وأنا سعيدة.
وعن الوحم الغريب، تقول حسناء: أنا حامل فى شهرى الثامن، وتوحمت فى بداية حملى على صابون برائحة الليمون، وحاولت التحكم بنفسى مرارًا فى بداية الحمل، لكننى فى النهاية تناولت قضمتين منه على مرتين.
الدكاترة ياما شافوا.. والسر فى الحالة النفسية
نصائح طبية: لو نفسك فى التراب.. كلى حاجة حادقة أو مسكرة يمكن تنسى.. وخلى بالك الحاجات الغريبة ممكن تسبب تشوهات
وأمام هذه الرغبات الغريبة، لا تتعجب، فالأطباء أنفسهم «ياما شافوا»، فيقول الدكتور جورج يواقيم، استشارى أمراض النساء والتوليد والعقم، إن الوحم حتى الآن من الظواهر التى اختلفت حولها الآراء، والكثير من الدراسات أجريت لتأكيد أنه ليس له سبب حقيقى أو علمى يجعل المرأة ترغب فى تناول شىء أو طعام معين سوى التغيرات الطبيعية الهائلة هرمونيًا ونفسيًا التى تحدث لها فى أثناء تلك الفترة المهمة من حياتها.
أما عن الوحم الشاذ أو الغريب، فحذر من عدم تحكم المرأة فى رغبتها أمام مواد غير قابلة للأكل، كالبنزين والصابون والنفتالين وغيرها، مؤكدًا على ضرره الشديد، خاصة فى الأشهور الثلاثة الأولى، وأنه قد يؤدى إلى تشوهات للجنين، أما أبسط الضرر فيكون إصابة الحامل بنزلات معوية، وحساسية، وأزمات ربوية، وإسهال.
ولمواجهة هذا الشعور، نصح استشارى النساء والتوليد أولًا باستشارة الطبيب المعالج، والتحدث معه عن هذه الرغبات الغريبة، مع التجديد فى أسلوب الحياة خلال الحمل لعدم الشعور بالملل، والترفيه النفسى بالتنزه وغيره، كذلك يمكن للسيدة الحامل تجربة أطعمة «مسكرة» أو «حادقة» حسب الرغبة، لعلها تنسيها رغباتها الأخرى، ولعل السبب الأبرز الذى اتفق عليه معظم الأطباء، هو الدافع النفسى الناتج عن تغيرات نفسية تمر بها الحامل، ليترجم إلى طلبات غريبة معقدة، والدليل الأبرز هو طلبها فواكه أو أطعمة فى غير مواسمها.
اضطرابات نفسية وهرمونية.. والحل: دلعها وخرجها
يقدم الدكتور عطية أبوالنجا، أستاذ النساء والتوليد والعقم، وجهة نظر أخرى تتمثل فى أن الوحم فى تفسيره العلمى خلال فترة الحمل ما هو إلا رغبة نفسية ملحة فى تناول أو لمس أو شم أشياء غريبة، من بينها الجير والنفتالين والبنزين والغراء، بل الطباشير وصابون التنظيف والتراب وغيرها، تصاحبها حالة من التغير المزاجى، واضطرابات معوية وقىء، حسب الحالة.
ويفسر «أبوالنجا» ما سبق فى أن أغلب الحوامل فى فترة الحمل تشعرن بهذه الرغبة الملحة، إلا أن القليل منهن ترغب فى أشياء غريبة لا تؤكل، ولأن الحامل بطبيعة الحال تعانى اضطرابات بالجهاز الهضمى مما يغير شهيتها من نوع طعام لآخر، ورغبات متغيرة، فيساعدها ذلك على طلب أشياء غريبة.
وحذر الدكتور «أبوالنجا» بشدة من شم النفتالين أو الغراء أو البنزين للحامل، فهذه المواد تحتوى على مكونات خطيرة وسامة تؤذيها وجنينها، وتؤثر بالسلب على حركية الجهاز الهضمى لديها، كما تسبب الانتفاخات وزيادة حدة التقيؤ، وأكد أن التعامل النفسى الجيد وبحنان مع الحامل يشعرها بعدم حاجتها لمثل هذه الأشياء.
حتى الرجالة بتتوحم
ويشير الدكتور «أبوالنجا» إلى أن الشواهد تؤكد أن الوحم معدٍ، ويرجع ذلك لأنه حالة نفسية، حيث أجريت دراسة إنجليزية عن الوحم تؤكد إمكانية انتشاره بين من هم حول الحامل، ولعل الزوج أقربهم، مما يجعل بعض الأزواج راغبين رغبة ملحة فى تناول الأطعمة التى تطلبها الحامل، واشتهاء بعض أنواع الفواكه خلال فترة حمل الزوجات.
«نفسى أشم بنزين».. أساليب للوحم عجز الطب عن تفسيرها
يعتاد الرجال فى الأشهر الأولى من حمل الزوجة على تنفيذ طلباتهن الغريبة، فواحدة تشتهى فواكه فى غير موسمها، وأخرى تطلب الرنجة والفسيخ، وقد تظهر هذه الرغبة شديدة فى أوقات ما بعد منتصف الليل، وقد يتحول الموقف إلى موقف ساخر ومضحك أو خناقة تنتهى بغضب الزوجة فى حال عدم تنفيذ رغبتها.
والعجيب أن التراث والمعتقد الشعبى المصرى رسخ فى أذهان كل الفتيات أنه إذا لم تأكل المرأة ما اشتهته خلال فترة الوحم ستظهر «شامة» على هيئة ما اختارته الأم على جلد الطفل، ويطلق عليها اسم «وحمة» مثل الفراولة، والخوخ، والبطيخ، والرنجة، وغيرها من طلبات الحمل الكثيرة.
ومع التقدم التكنولوجى، والإنصات للغة الطب والعلماء، أصبحت التساؤلات كثيرة حول حقيقة الوحم، وهل يمكن أن يؤثر على صحة الأم الحامل أم لا، وهل هو دليل على إصابة الأم الحامل بمرض ما، وغيرها من الأسئلة
ليس له أساس علمى.. ولكنه يحدث بالفعل
يقول الدكتور أيمن هانى، مدرس أمراض النساء والتوليد بقصر العينى: «الوحم من علامات الحمل الموجودة وبقوة، ولكن ليس له أساس علمى، ومع كثرة الحديث عنه قام بعض الباحثين بإجراء أبحاث تم إثبات فيها أن ما يزيد على 50% من السيدات الحوامل لديهن الشعور بالوحم خلال الأشهر الأولى للحمل، وقد يستمر قليلًا لفترات تقترب من موعد الولادة لدى بعض النساء، ويطلق على الوحم فى أوروبا اسم «الشهوة تجاه مذاق لطعام محدد»، وعدم تناول الأم الحامل لما تشتهى إليه لا يؤثر على صحتها، ولكن يمكن تعويضه بشىء آخر هى تفضله، مثل التنزه أو بكلمات رومانسية من زوجها تشعرها بأنوثتها.
ويتابع: هناك بعض من حالات «الوحم» لها أسباب طبية، والبعض الآخر يرجع إلى الجانب النفسى والاعتقاد الموروث لدى السيدات، ومن التفسيرات الطبية التى يمكن أن نبرر بها حالة «الوحم» التى تعانى منها نصف السيدات الحوامل، هى..
1 - الاضطرابات الهرمونية التى تحدث للمرأة الحامل، مما يجعلها تفكر فى أكلات معينة وترفض أكلات أخرى.
2 - يحدث عادة فى أشهر الحمل الأولى اضطراب فى الجهاز الهضمى، فلا تشعر بمذاق الأطعمة بشكل جيد، وهو ما يجعلها تميل إلى الأطعمة المالحة كالرنجة والملوحة والجبن القديمة، خاصة مع إضافة التوابل الحارة «الشطة» عليها، وهو ما يترجمها البعض بجملة «أنا بتوحم على رنجة».
3 - يعانى جسم المرأة خلال الحمل من بعض التغييرات، أهمها نقص بعض المعادن، مثل الحديد والماغنسيوم، وامتصاص الجنين لهذه المعادن بشكل كبير هو ما يجعل الجسم يشعر باحتياجه لهذه المعادن، ولسد هذا الاحتياج تقوم المرأة باختيار الخضروات والفواكه التى تحتوى على هذه المعادن لتأكلها، وتعوض النقص الذى يشعر به جسمها.
لو بتتوحمى على فاكهة وخضار يبقى نقص معادن
ويشير الدكتور أيمن هانى إلى أن التحاليل الأولى التى تقوم بها الأم الحامل فى بداية فترة الحمل من صورة الدم الكاملة، والسكر بنوعيه، والكالسيوم، ووظائف الكلى والكبد والزنك وفيتامين A تظهر نسبة كل المعادن فى الجسم، حتى تقوم الأم بتعويض جسمها من النقص الذى يحدث بتناول الأطعمة التى تساعدها على هذا التعويض، مثل الفواكه والخضروات، وكلما زادت ألوان طبق الخضر والفاكهة الذى تتناوله الأم الحامل، استطاعت مد جسمها بهذه المعادن، بالإضافة إلى بعض الأقراص الدوائية المكملة، ويفضل أن يتم تكرار هذه التحاليل فى الشهر الرابع ومع اقتراب الثامن، لأن النسب تتغير، وعلى الأم تعويض أى خلل يحدث فى هذه النسب سريعًا حتى لا يؤثر على صحتها.
اكتئاب الحمل يجعل الحامل «تتوحم» على حاجات غريبة
وعن الجانب النفسى، ومشاركته فى عملية الوحم، يقول الدكتور أيمن هانى: «تصاب معظم النساء فى فترة الحمل بحالة من الاكتئاب النفسى، نظرًا لاعتبارات كثيرة، منها تغير شكلها، فلا تستطيع ارتداء ما كانت تحبه من قبل، وعدم إقبالها على الكثير من الأطعمة التى كانت تعد من القوائم المفضلة لديها، وخوفها من يوم الولادة، وخوفها الداخلى من شكل حياتها مع العضو الجديد داخل الأسرة، وكيف ستعود لعملها وتنظم حياتها، بعض الكلمات والتصرفات التى قد يقولها الزوج الجمل الزوج ليشعر الزوجة بتقصيرها فى حق بيتها، وحقه الشخصى دون اعتبارات لحالتها الصحية خلال أشهر الحمل.
ويقول الدكتور أيمن هانى: «يتولد داخل الأم الحامل صراع نفسى كبير، ولا تستطيع غالبيتهن التعبير عنه، وتأتى الترجمة الفورية لهذا الاكتئاب والصراع الداخلى بشكل نفسى، ويظهر فى صورة الوحم لتقيس به الزوجة مدى اهتمام وحب زوجها لها، وهنا تطلب الزوجة أطعمة غريبة قد لا تتوفر فى وقت طلبها، ولكن على الزوج الخضوع لرغباتها، والبحث عن طلباتها، حتى وإن كانت أنواعًا من الفواكه والخضروات غير المتوفرة فى الموسم الخاص بها، فيمكن الذهاب لبعض الأماكن التى تحفظ هذه الأنواع النادرة من الفواكه لشرائها وتقديمها للزوجة».
البكاء والهرش أعراض وهمية لجذب نظر الزوج لزوجته
ويضيف: هناك بعض السيدات يلجأن إلى أسلوب الجذب فى أثناء فترة الحمل، خاصة عندما يكون الزوج غير مهتم بطلباتها، وتبدأ الزوجة فى افتعال أشياء لجذب الانتباه، مثل الهرش الكثيف، أو البكاء أحيانًا أخرى، حتى يخاف الزوج على ابنه ويقوم بتلبية طلبها، وهذا الأسلوب ليس له تفسير إلا اقتراب هذه السيدة من مرحلة اكتئاب الحمل، ويمكن أن تتحول هذه الافتعالات إلى حقيقة، وعليه يجب أن ينتبه الزوج وتكون هذه الأشياء جرس إنذار للزوج حتى يعالج هذه المشكلة سريعًا.
وينصح الدكتور أيمن هانى الأزواج بأهمية تلبية طلب «الوحم» الذى تطلبه الزوجة، ويضيف: «التلبية ليست فقط بإحضار ما تطلبه الزوجة، ولكن بالتعرف على حالتها النفسية، وأنها تمر فى فترة الحمل بضغط نفسى كبير، وإظهار اهتمام الزوج بها، والتعاون معها لتخفيف الآلام التى تشعر بها فى بعض الأحيان، كل ذلك يجعلها لا تصل إلى مرحلة الاكتئاب الشديدة أثناء فترة الحمل، وهو ما يعرضها للولادة المبكرة، وقد يؤثر على صحة الجنين وصحتها بالسلب».