ما بين وسط القاهرة وهضبة الجلالة بالسويس ساعة ونصف تقريباً، لكن الفارق بين الاثنين أكبر من المسافة بكثير، فالمسافة تستطيع قطعها بأى وسيلة لكى تصل للمكان الذى تريده، لكن المهم أن تصل إلى الهدف الأكبر، وأقصد به هنا بناء الدولة، وهو ما تستطيع أن تراه بعينك فى هضبة الجلالة، فعلى هذه الهضبة المرتفعة على سطح البحر بقرابة المائة متر رجال صنعوا المعجزة، أو بمعنى أدق "ناس شقيانة علشان البلد".
فارق كبير بين من لا يفكر سوى فى التظاهر بسبب وبدون سبب، وبين من يعمل لصالح البلد بسبب أيضاً وبدون سبب، لأنه فقط يحب هذه البلد.. على هضبة الجلالة مصريين بجد، زادتهم حرارة الشمس إصرارا على العمل حتى وإن لم لا يشعر بهم أحد، وهم لا يسعون لذلك، فمعنوياتهم فى السماء لإدراكهم أنهم يسطرون تاريخاً جديداً لمصر، فالكاميرات لا تستهويهم والإعلام ليس حلماً بالنسبة لهم، كل ما يريدونه أن ينتهوا من المهمة المكلفين بها فى أقصر وقت ممكن، لأن مصر تحتاج للمشروعات التى يسهرون على تنفيذها .
كثير قد يقال فى حق الأيادى المصرية الشريفة الطاهرة التى تفجر صخور جبل الجلالة لتشق طريق ومدينة الجلالة، وهو مشروع جديد يضاف إلى قائمة المشاريع القومية العملاقة والتى بدأها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه المسئولية، والذى أطلق عليه "مشروع تعمير منطقة جبل الجلالة"، وهو مشروع ضخم تشرف على تنفيذه " الهيئة الهندسية للقوات المسلحة" بمعاونة شركات مدنية، ويشمل مدينة الجلالة العالمية وجامعة الملك عبد الله ومنتجعًا سياحيًا يطل على خليج السويس، بالإضافة إلى طريق "العين السخنة- الزعفرانة"، الذى يشق جبل الجلالة بمسافة 82 كيلو متر .
المشروع تم تدشينه فى إطار خطط شاملة مدروسة لدعم قدرات الدولة على النهوض وتطوير الاقتصاد، ورفع معدلات النمو، وتوفير ملايين فرص العمل للشباب المصرى، وفتح المجال أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، بعد توفير البنية التحتية المناسبة، وشق الطرق والمحاور الاستراتيجية التى تربط كل محافظات الجمهورية، بل وتربط مصر بدول أفريقيا .
أمس الجمعة، كانت فرصة لى ولكثير من الشباب والإعلاميين والصحفيين أن نعيش 6 ساعات وسط الرجال الذى ينحتون فى الصخور لتنفيذ المشروع، وكانت فرصة أيضاً لكى نستمع للرئيس عبد الفتاح السيسى وهو يتحدث لنا من قلب المشروع، ومن أعلى نقطة فيه، وفى الهواء الطلق، فعلى مدار ساعتين دار حوار ساخن بين الرئيس والشباب والصحفيين والإعلاميين، ربما زادت سخونته عن سخونة درجة حرارة الجو التى وصلت وقت هذه الجلسة التى بدأت فى الواحدة ظهراً إلى 40 درجة تقريبا، فالنقاش لم يترك شئ إلا وتناوله، بداية من المشاكل والأزمات التى تتعرض لها الدولة سواء فى الصحة والتعليم والسياحة، وكذلك مطالبة البعض للرئيس بأن يكون له ظهير سياسى، بل لم تخلو الجلسة من انتقادات للرئيس الذى تقبل كل ما قيل بصدر رحب، بل إنه تجاوب مع المطروح، وأكد للجميع أن كل ما دار من نقاش مدون لديه وسيتم بحثه والنظر فيه سريعتاً سواء لتنفيذ المقترحات أو لمعالجة الأخطاء.
بعيداً عن الأخبار التى احتواها هذا اللقاء إلا أن هناك مجموعة من النقاط الهامة التى لا يجب إغفالها أو ندعها تمر مرور الكرام، أو مجموعة من الرسائل التى خرجت من فم الرئيس وتحتاج منا إلى إعادة تقييمها مرة اخرى لنعرف كيف يفكر من يتولى حكمنا .
الرسالة الأولى أن الرئيس السيسى، خلال اللقاء، ركز على دولة القيم والأخلاق التى يريد التأسيس لها، ودولة المحافظة على القانون، ورغم أن البعض يعتبر هذا الأمر تزيداً لكنها استراتيجية أساسية يبنى عليها الرئيس آمالا كثيرة، لأنها ستصل بنا إلى الدولة القوية التى نتمناها، فبدون القيم والأخلاق لن يكون هناك عمل وسيظل الفساد مستشرياً فى كافة قطاعات الدولة .
الرسالة الثانية، أن الرئيس لديه تخوف شديد من تسرب اليأس للمصريين، وهو ما أطلق عليه "الانتحار الجماعى"، وهو المصطلح الذى استخدمه فى لقاء "الأسرة المصرية" الاربعاء الماضى بقصر الرئاسة وأعاد تكراره مرة أخرى أمامنا، إنه الهاجس الذى يسيطر على عقل الرئيس، خاصة أن حجم ما يتوافر أمامه من معلومات دفعه للخروج إلى العلن ويحذر المصريين من هذه المخططات، رغم اعترافه شخصياً بأنه ماكان ينبغى ان يقول ذلك علناً، لكن حجم ما يخطط لنا فى الداخل والخارج أخرج الرئيس عن حذره الشديد، لدرجة أنه قال فى اللقاء "أنا بحذركم إن اللى بيتعمل ضدنا هو محاولة لتدمير كل معنويات الدولة، خلوا بالكم من ده كويس، لأنهم بيقولوا هنهدم إرادتكم، لكن هم مش عارفين إننا شعب مقاتل.. الحكاية محاولة لكسر نسيج المصريين، علشان الأب والابن يبقوا متخانقين والمجتمع يبقى متقطع، وده على فكرة علم كبير اسمه إزاى يحطموا الدول ويجعلوا العلاقة بين المجتمع ضعيفة، لكن الحمد لله كل المصريين بخير وشباب مصر بخير، لأنهم ولاد أُسر محترمة وشقيانة".
الرسالة الثالثة التى يمكن فهمها من سياق حديث الرئيس، أن التعليم والصحة يحتلان أولوية لديه، وهو يركز على أمرين وهما توفير البنية الاساسية، وحياة كريمة للمدرس والطبيب، وهذا لن يحدث الا برفع موازنة القطاعين الهامين، فالتعليم يحتاج إلى 300 مليار جنيه سنوياً، اما الصحة التى تراجعت بسبب ضآلة الاعتماد المالى المخصص لهذا القطاع الحيوى، فأن أى محاولة لتحسينها تحتاج إلى ثمانية تريليونات جنيه، ورغم أن هذه المبالغ غير متوافرة الأن، إلا أن هناك عمل وجهد تقوم به الدولة وفقاً للإمكانيات المتاحة.
الرسالة الرابعة أن الصعيد ليس خارج الأولويات بل هو فى القلب منها، وظهر ذلك من خلال تأكيد الرئيس على أن إعادة ترسيم الحدود فى المحافظات يعطى قيمة مضافة كبيرة جدا لكل محافظة خاصة فى الصعيد، وكذلك مشروع مليون ونصف المليون فدان يتم تنفيذ نسبة كبيرة منه فى الظهير الصحراوى لمحافظات الصعيد، بالإضافة إلى مشروعات تنموية يجرى تنفيذها الآن فى صعيد مصر لم يرد الرئيس الكشف عنها فى الوقت الراهن، مفضلاً الحديث عنها بعد انتهائها .
الرسالة الخامسة التى أراد السيسى توجيهها للشباب المصرى أن فرص العمل لا تكون فى الوظائف الحكومية فقط، ولكن أيضاً فى المشروعات القومية التى تنفذها الدولة حالياً، وربما كان تواجد الشباب وسط العاملين فى مشروع هضبة الجلالة رسالة قوية للجميع بأن مصر بها مشروعات كثيرة تحتاج للأيادى المصرية الشريفة الباحثة عن "اللقمة الحلال".
ملف المحليات والشباب كان الرسالة السادسة للرئيس فى اللقاء حينما أكد على أن انتخابات المحليات ستتم نهاية هذا العام، داعياً الشباب للمشاركة فيها بقوة والاستعداد لخوضها بأفضل ما لديهم، لأن المحليات تعد هى الأزمة الكبرى التى تواجه الدولة المصرية، ووجود الشباب فى المحليات سيغير من البيروقراطية التى سيطرت على العمل بها .
الرسالة السابعة، كانت أن الهدف الاساسى من المشروعات القومية التى يجرى تنفيذها على طول مصر وعرضها ليس فقط تحقيق الرفاهية وإنما تحقيق القيمة المضافة وزيادة موارد خزينة الدولة المصرية، من خلال توفير البنية التحتية والأساسية لمناطق مختلفة وطرحها على المستثمرين بما يعود على الدولة باستثمارات جديدة وفرص عمل للشباب، فضلاً عن ضخ حصيلة هذه الاستثمارات فى الخزينة المصرية.
هناك بالطبع رسائل أخرى كثيرة لكن بقيت نقطتان فى غاية الأهمية، خرجت بهما من هذا اللقاء، الأولى أن الرئيس ليس وحده الذى لديه غصة من التناول الاعلامى لبعض القضايا، وعدم شرح ما تم من مشروعات للمصريين، فكثير من الشباب الذين حضروا اللقاء ألقوا باللوم على الإعلام، سواء فى مسئوليته عن تغيب الوعى القومى لدى الشباب المصريين، او عدم الأهتمام بالجانب الأخلاقى، ورغم ذلك فإن "السيسى" كان حاسماً حينما أكد عدم وجود لديه نية للحد من الحرية الاعلامية، وأن الدولة مستمرة فى تجربتها ولن تتراجع عنها، وأن نصح وسائل الإعلام بالتحدث بشكل موضوعى مبنى على معلومات صحيحة وليس وفقا لأى توجهات.
النقطة الثانية أن شباب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، هم مدعاة للفخر، فلديهم ثقافة واسعة جداً خاصة فى قضايا الأمن القومى والمخاطر التى تهدد مصر بل ولديهم حلول ومقترحات، ويؤكدون أن الاستثمار فى الشباب هو مستقبل مصر، وأن هذا البرنامج يضاف للرصيد الإيجابى للرئيس السيسى الذى أراد الاستفادة من الطاقة الكامنة فى شباب مصر .