مما لا شك فيه أن مسرح الجريمة هو المكان الفعلى والحقيقى الذى اقتحمه فاعل الجريمة، وبالتالى فهو المكان الذى مكث فيه الفاعل أو الفاعلون واستغرق فترة معينة من الوقت مكنهم من ارتكاب الجريمة، مخلفين وراءهم أثاراً تدل عليهم، ومن النادر أن يتمكن الجناة من إخفاء كل أثر لهم بمسرح الجريمة.
ويخضع مكان أو مسرح الجريمة والأماكن الأخرى التى مكث فيها الجناة قبل ارتكاب الجرم أو بعدها لمعاينة دقيقة هدفها تحديد الآثار المتخلفة عن الجناة، والتى يمكن أن تدل عليهم من خلال معاينة مسرح الجريمة يمكن تحديد ما إذا كانت الجريمة لم تقع أصلاً ، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن إثبات وقوع جريمة من العناصر القانونية التى يجب إثباتها فى محضر التحقيق والمعاينة تثبت صحة البلاغ الجنائى أو عدمه من خلال فحص مسرح الجريمة والتعرف على أسلوب اقتحام الجانى له ومظاهر العنف وما يتخلف عنها.
ما هى القرينة القضائية؟
فإذا استخدم الجانى العنف من الداخل وإذا شوهدت الآثار بالخارج دل ذلك على أن الجريمة مفتعلة وأن المبلغ حطم المنفذ للإيهام بأن جريمته قد وقعت وإن مسرح الجريمة يحتوى على الأدلة المادية التى خلفها الجناة فترة تواجدهم بها، وتعد تلك الآثار من أقوى القرائن التى يمكن بها أسناد جريمة معينة لشخص محدد وقد عرف رجال القانون القرينة القضائية بأنها استنتاج لواقعه مجهولة من واقعة معلومة وأهمها بصمات الاصابع وبصمات الأقدام العادية وأثار الدماء للجانى أو الجناة أو أى انسجة بشرية لأى منهم.
هل هناك جريمة كاملة أم لا؟
فى التقرير التالي، يلقى "انفراد" الضوء على إشكالية مسرح الجريمة ودوره فى كشف الجناة، وذلك بعد أن تقدم العلم فى السنوات الأخيرة، بحيث يمكن إسناد أى أثر من تلك الآثار لشخص معين على سبيل القطع وليس الترجيح، كما كان عليه العمل الماضي، وأطلق على تلك الاختبارات "البصمة الجينية" – بحسب رئيس المحكمة السابق والمستشار أحمد عبد الرحمن الصادق.
يقول المستشار أحمد عبد الرحمن الصادقإن مسرح الجريمة يعتبر المرآة الحقيقية التى شهدت وقائع الجريمة ومراحل ارتكابها بشكل يساعد المحقق الجنائى على إمكان تحديد شخصية الجناة والاوصول إليهم، ولعل ذلك يفضى على مسرح الجريمة ذلك القدر من الأمية التى تزداد يوماً بعد يوم خصوصاً مع تزايد قدر الكشف العلمي، وتوظيف العديد من الوسائل العلمية التى يمكن أن يستفيد منها المحقق الجنائى فى ذلك المسرح لكشف ما فيه من حقائق وآثار قد تتيسر رؤيتها بالعين المجردة.
أهمية مسرح الجريمة فى الكشف عن الجناة
وأكد المستشار أحمد عبد الرحمن الصادق، أن مسرح الجريمة هو الشعاع الذى يضىء للباحث الجنائى الطريق للوصول إلى الجناة وكشف غموض الحوادث من خلال التعامل مع أدوات المسرح المتخلفة عند ارتكاب الحادث، وتقترب المساحة أو تبعد فى تحديد الجناة وضبطهم فى ضوء التعامل الباحث الجنائى تعاملاً علمياً وفنياً مع الآثار الموجودة بمسرح الجريمة، ويُقصد به – فى إشارة لمسرح الجريمة - المكان أو مجموعة الأماكن التى تشهد مراحل تنفيذ الجريمة ويحتوى على الآثار المتخلفة عند ارتكابها، ويعتبر ملحقاً لمسرح الجريمة كل مكان شهد مرحلة من مراحلها المختلفة، ومن الأقوال المتعارفة فى البحث الجنائى "مسرح الجريمة هو مستودع سرها"، وهو قول على بساطته بالغ الدلالة والصحة – وفقا لـ"الصادق".
8 فوائد لمسرح الجريمة
وأشار الصادق إلى أن مسرح الجريمة هو المكان الذى يحتوى على الآثار المتخلفة عند ارتكابها، تبرز الأهمية القصوى لمعاينة هذا المسرح كحجز زاوية ينطلق منها مخطط البحث فى إى جريمة، إذ أنها أفضل الطرق للوصول إلى إثبات أو نفى وقوع الفعل الإجرامى وكيفية وقوعه ومدى علاقة المتهم بالجريمة وظروفها، ويدل على تلك الأهمية ما درج عليه العمل فى المباحث الجنائية فى الدول المتطورة من وجود ضابط المباحث المكلف بالتحرى وكشف غموض الحادث.
وأضاف أنه يمكن توضيح الأهمية القصوى للمسرح فى النقاط التالية:
1-يكشف وقوع الفعل الإجرامى مادياً أو عدم وقوعه، وكونه جنائياً أو غير جنائى وكونه عمدياً أو غير عمدي.
2-يلقى الضوء على الأماكن الواجب تفتيشها والأشياء اللازم البحث عنها وضبطها ونوعية الخبراء المطلوب الاستعانة بهم والشهود الواجب سماعهم.
3-توضيح ظروف الجريمة ومدى علاقة المتهم بها وبواعث ارتكابها وتاريخ وقوعها والوصف القانونى لها.
4- يحدد كيفية ارتكاب الحادث والأسلوب الإجرامى المستخدم والآلات والأدوات المستعملة فى ارتكابه وطريقة دخول وخروج الجانى وموقعه من المجنى عليه.
5-يوضح إلى حد بعيد عدد الجناة ودور كل منهم ومعرفتهم لمكان الحادث ومدى معرفة الجانى للمجنى عليه، ومعرفة شيء من صفات الجانى وعاداته وصناعته وجنسه وطوله والآثار المحتمل وجودها به أو بالمجنى عليه وعلاقته بالجريمة.
6-يمكن من خلال معاينة المسرح العثور على الآثار التى تعتبر الأدلة المادية القاطعة كأثار البصمات والأقدام وبقع الدم والآلات واثار الشعر الى غير ذلك الظاهر فيها والخفي.
7-تنقل هذه المعاينة للقاضى صورة لمسرح الجريمة وكيفية ارتكابها فيتيسر له بذلك تصور وقوعها ومتابعة إجراءات المحكمة عن اقتناع.
8-إثبات معاينة المسرح يبقى للقضية حيويتها مهما مر الزمن دون كشف غموضها أو تغيير فريق البحث العامل فيها.
ووتابع المستشار أحمد عبد الرحمن الصادق : "إذا كانت تلك بعض النقاط التى تبرز أهمية مسرح الجريمة، فإن استخلاص الآثار منها ورفعها وفحصها واستخلاص النتائج منها هى أبرز تلك النقاط، ويتضمن ذلك فى طياته الرد على سؤال مهم، هل هناك جريمة كاملة أم لا؟ وقبل أن نشرع فى الرد على هذا السؤال نرى أن نتعرض فى إيجاز لنظرية مهمة من نظريات البحث الجنائي..نظريات تبادل المواد:
ويمكن تبسيط مفهومها فى أنه عند احتكاك اى جسمين صلبين ببعضهما فإنه ينشأ عند الاحتكاك تبادل للمواد أو بعضها المكونة من هذين الجسمين مع الآخر وبسهولة يمكن تطبيق ذلك فى إطار البحث الجنائى على مسرح الجريمة بالقول: "إن الجانى عقب مغادرته لمسرح الجريمة أصبح يحمل أثار من هذا المسرح لم يكن يحملها قبل دخوله المسرح"، وإن مسرح الجريمة أصبح يحتوى على آثار عقب مغادرته الجانى له لم تكن موجودة قبل وصوله، وهذا المفهوم يمكن تطبيقه وتعميمه دون استثناء – الكلام لـ"الصادق".
الإيمان بنظرية الجريمة الكاملة
والجريمة الكاملة هى التى أحكم تخطيطها وتدبيرها وتنفيذها على نحو لا يترك للباحث الجنائى إى فرصة لكشف غموضها مهما طال الزمن البحث فيها، ويؤمن أصحاب هذه النظرية بأن هنالك العديد من الجرائم الكاملة التى تم ارتكابها فى أنحاء متعددة فى العالم، ويدللون على صحة نظريتهم بأن مثل تلك الجرائم لم يتم كشف غموضها حتى الآن، وهناك العديد من جرائم القتل البشعة على مستوى العالم لم يتم اكتشافها حتى كتابة تلك السطور مثل : "روث كوبر وستيفن هاركينز، وديانا روبرتسون ومايك ريمر، والطبيب تيف لوسيف، والطفلة ليتيسيا هيرنانديز، وكيث وارن، روبرت هامريك" وغيرها من الجرائم.
رأى آخر لا يؤمن بالجريمة الكاملة
ولكن هنالك فريق آخر يقول بأنه لا وجود للجريمة الكاملة ويستند أصحاب هذا الرأى على تطبيقات نظرية تبادل المواد، فلا بد لمسرح الجريمة أى مسرح جريمة من أن يوجد به الآثار التى تساعد على كشف هذا غموض الجريمة كما يوجد على الجانى مجموعة أخرى من الآثار التى تساهم غفى كشف هذا الغموض، ومع التسليم بأنه قد وقعت جرائم كثيرة محكمة التخطيط والتنفيذ إلا أنه لابد من وجود خطاً ما هنا أو هنالك يكون بداية الخيط لكشف غموض الحادث.
أما الجرائم التى يكشف النقاب عن غموضها فإن ذلك ليس بدليل كاف على كونها جرائم كاملة بل إشارة الى أن هناك خطاً أو قصور من الباحث أو الباحثين الجنائيين، أدى إلى عجزهم عن رؤية الأثر المطلوب فى مسرح الجريمة، أو عدم استخلاص المدلول السليم له أو قصور ما فى وضع خطة البحث أو إجراءات تنفيذها.