عقد اتحاد كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، اجتماعا طارئا بعد منتصف الليل، واتخذوا قرارا بتنظيم مسيرة احتجاج سلمية يوم23 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1968، وفقا للدكتور أحمد عبد الله فى كتابه «الطلبة والسياسة فى مصر»، ترجمة: إكرام يوسف، مؤكدًا أن الاجتماع انعقد بعد أن عاد الطالبان بالهندسة «محمد ناجى أبو المعاطى، ومحمد خيرت الشاطر» من المنصورة، ونقل لزملائهما أخبار المظاهرات الطلابية منذ يوم 20 نوفمبر اعتراضًا على القانون الجديد للتعليم الذى يلغى السماح لطلاب المدارس الثانوية بدخول الامتحانات لأى عدد من المرات، كما يلغى النجاح العام للطالب بالرغم من رسوبه فى مادتين«غالبا الرياضيات واللغات الأجنبية»، ويرفع القانون الجديد درجة النجاح الصغرى فى عدد من المواد بالمرحلة الثانوية، وينهى الانتقال الآلى من صف دراسى إلى آخر فى المرحلة الابتدائية، ويضع حدًا أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية.
خرج طلاب المدارس الثانوية فى المنصورة، خاصة طلاب المدارس الخاصة فى مظاهرات يوم 20 نوفمبر لرفض القانون، وتوسعت المظاهرات فى اليوم التالى بعد أن انضم إليها طلبة المعهد الدينى الأزهرى، وشرح الطالبان «أبوالمعاطى»، و«الشاطر» لزملائهما فى هندسة الإسكندرية مشاهداتهما للأوضاع فى المنصورة، فاجتمع اتحاد الكلية وقرر التضامن بالتظاهر، ومنذ الصباح الباكر ليوم 23 نوفمبر بدأ الطلاب فى التجمع بكلية الهندسة، ووقف «أبوالمعاطى والشاطر» يشرحان الموقف هناك، ومع تزايد عدد الطلاب، انطلقت الهتافات ضد وزير الداخلية شعراوى جمعة، وهتف الطالب تيمور الملوانى: «يا شعراوى ياسفاح.. دم الطلبة غير مباح»، وبعد ساعتين من النقاش الحاد انتهى الاجتماع بفوضى شديدة، وخرج الطلاب إلى الشوارع، وقاد المظاهرات عاطف الشاطر رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة رافعًا علم الكلية، وحدث الصدام الحتمى مع قوات الشرطة أمام كلية الزراعة، حيث أصيب ثلاثة وخمسون من رجال الشرطة وثلاثون من الطلاب، وفى أثناء المظاهرات ألقى القبض على «عاطف الشاطر» وثلاثة من زملائه كانوا يتفاوضون مع البوليس، ونقلوا إلى مديرية الأمن بالإسكندرية فتفرقت المظاهرات وعاد الطلبة للتجمع فى كلية الهندسة.
اختار محافظ الإسكندرية أحمد كامل أن يواجه الطلاب بنفسه وأن يقنعهم بعدم تصعيد التوتر، غير أنه وفور وصوله حاصره الطلاب واحتجزوه فى حجرة الحرس التى كانت تحت سيطرة الطلاب الذين قطعوا أسلاك التليفون، ولم يسمح للمحافظ بالخروج فى آخر الأمر، إلا بعد أن أمر بإطلاق سراح الطلاب الأربعة، وعندما وصلوا إلى كلية الهندسة عقد مؤتمرا طلابيا وسمح للمحافظ بالحديث فيه، إلا أنه لم يحقق نجاحا يذكر فى مواجهة الصخب الذى قوبلت به كلماته، ولكنه وافق على مقابلة وفد من الطلاب فى مكتبه مساء نفس اليوم.
يتذكر أحمد كامل على صفحات مجلة المصور، يوم 20 إبريل 1990: «ذهبت إلى الجامعة، كانت تحت حصار بوليس مكثف، لم أكن بعد وجها مألوفا كمحافظ، ولذلك وجدت إلى جوارى ضابط شرطة يطلق بندقية رش فى اتجاه الطلاب المعتصمين، خطفت البندقية من يده، وكادت تنشب معركة جانبية لولا أن رآنى سيد فهمى مدير مباحث الإسكندرية آنذاك ووزير الداخلية بعد ذلك، قلت له «أخرج هذا الضابط بعيدا من هنا، وأحضر عاطف الشاطر من السجن فورا»، جاءنى سيد فهمى بعاطف الشاطر وهو فى نوبة بكاء حادة، قال: ضربونى يا أفندم، قلت له: «كن رجلا، ادخل إلى الجامعة الآن واجمع زملاءك فى القاعة الكبيرة وسوف أدخل وراءك لنجلس ونتناقش جميعا، جلست فى مواجهة الطلاب الغاضبين، وقد أحضروا طالبا ينزف من طلقات بندقيته، ثم قال أحدهم بصوت محرض وهو يشير إلى زميله: «انظر ماذا تفعلون؟.. أى تفاهم يمكن أن يكون بيننا؟.. قلت: أنا لا أعرف شيئا، ووزير الداخلية هو الذى أعطى تعليماته لمسؤولى الأمن بهذا الخصوص، وهو قرار خاطئ تماما، واستمر الحوار المنفعل بينما مسؤولو الأمن خارج حرم الجامعة فى حالة ترقب وقلق، وهكذا اتصلوا بوزير الداخلية، وبمكتب الرئيس وقالوا: المحافظ دخل مبنى الجامعة، ونخشى أن يفتك به الطلاب الغاضبون، ماذا نفعل؟.. هل نقتحم الجامعة لإنقاذه؟.. ونقل سامى شرف على الفور الموقف إلى الرئيس عبد الناصر وكان رده: «لا اقتحام، اتركوه يتصرف وحده».. يؤكد كامل: «لم يعد ممكنا أن تجرى المناقشة مع آلاف الحناجر الغاضبة، ولذلك اقترحت عليهم أن يشكلوا لجنة للحوار».
عقد الاجتماع المقترح مع المحافظ، فحضره حوالى 20 طالبا يمثلون اتحاد الطلاب، ويمثلون مئات بدأوا بالفعل اعتصاما فى كلية الهندسة، وانتهى الاجتماع إلى طريق مسدود، وعزز الطلاب المشاركون فى الاعتصام موقفهم بأن استولوا على ماكينة طباعة الرونيو الخاصة بالكلية، وبدأوا فى كتابة سلسلة من البيانات، وأعلنوا كلية الهندسة مقرا دائما للاعتصام، وشكلوا لجنة «الرصد والاستطلاع» ولجنة «متابعة المطالب» التى أسندت إلى الدكتور عصمت زين الدين رئيس قسم الفيزياء النووية بالكلية، وكان عمره 43 عاما، ويؤيد الطلاب، كما تشكلت لجنة من أربعة طلاب لإذاعة البيانات عبر مكبر للصوت علق على سور الكلية.