منذ قيام ثورة 23 يوليو، لم ينجح أى من أبناء الرؤساء فى الصعود السياسى، والقيام بدور بارز، خاصة بعد انتهاء مدة ولاية والده الرئيس، باستثناء جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، الذى حلم بوراثة مقعد والده، لكن ذلك لم يرض الشارع أيضا، حيث اعتمد على نفوذ والده، فى الصعود بقوة الصاروخ، بدلا من الاعتماد على قدرته على التدرج الطبيعى فى عالم السياسة.
أما باقى أبناء الرؤساء، وأقاربهم، فقد تأثر صعودهم السياسى بعدة عوامل، أبرزها محاولة كل رئيس، الحد من نفوذ من سبقوه، عن طريق مخالفة ما جرى فى عهده، وتحجيم رموز عصره من سياسيين وإعلاميين، وهو ما ظهر واضحا فى عصر كل من جمال عبد الناصر، السادات، وكذلك عقب قيام ثورة الـ25 من يناير، التى أطاحت بالعصر المباركى.
فى التقرير التالى، نعرض تجارب أبناء الرؤساء، وعزوف أغلبهم عن الانغماس فى الحياة السياسية، بدءا من الأمير أحمد فؤاد، ولى عهد الملك فاروق، آخر ملوك مصر، مرورا بخالد وعبد الحكيم، نجلى الزعيم جمال عبد الناصر، وأيضا أبناء الرئيس الراحل محمد أنور السادات، من زوجتيه السيدة جيهان والسيدة فضيلة، إلى جمال وعلاء نجلى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وعمر نجل الرئيس المعزول محمد مرسى.
ورغم استمرار حكم الأسرة العلوية طوال ما يزيد على 148 عاما، فإنه عقب قيام ثورة 23 يوليو، اختفت العائلة بشكل كامل من المشهد السياسى، بعد أن غادر الملك فاروق، على ظهر الباخرة المحروسة، متجها إلى منفاه فى إيطاليا، بصحبة أسرته، وولى عهده الطفل الأمير أحمد فؤاد، الذى لم تكتب له معاصرة الحياة الملكية، وما بها من ترف، إذ كان حينها لم يتعد عامه الأول بعد.
وقد رفض الأمير الاشتغال بالسياسة، رغم حصوله على درجة علمية فى العلوم السياسية من جامعة جنيف، وظل ولى العهد مقلا فى ظهوره الإعلامى، جنبا إلى جنب مع باقى أفراد العائلة المالكة، ورغم ظهور عدد من المنابر الخاصة بالعائلة المالكية، على شبكات التواصل الاجتماعى، فإن التواصل مع أفرادها ليس سهلا، كما لم يقم أى منهم بمحاولة الاشتباك فى الحياة السياسية.
عائلة عبدالناصر تجتنب الشبهات
رغم الشعبية الكبيرة التى حظى بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، التى تجاوزت مصر لسائر الدول العربية، ودول العالم الثالث، إلا أن أيا من أبناء الزعيم الراحل، لم يدخل معترك السياسة، كما لم يتولى أى منهم منصبا حكوميا، فلم نجد منهم وزيرا أو سفيرا، أو برلمانيا أو حتى رئيس تحرير لإحدى الصحف القومية، وذلك رغم العلاقة الجيدة التى كانت تربط بين الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعائلة ناصر، والصداقة القديمة التى تربط بين الرجلين، واشتراكهما معا فى تكوين حركة الضباط الأحرار، قبل سنوات من قيام ثورة يوليو.
أنجب جمال عبد الناصر أربعة أولاد، هم هدى وخالد ومنى وعبد الحكيم، وقد برز جميعهم فى مجالات شتى، لكن لم يحاول أى منهم تصدر المشهد السياسى، والاستفادة من «كاريزما» والدهم الراحل، حتى إنهم دائما ما ابتعدوا عن قيادات الحزب الناصرى، وعن صراعات السلطة بوجه عام، وإن لم يسلموا من مطاردات السلطة لهم.
ففى الثمانينيات من القرن الماضى، اضطر خالد جمال عبد الناصر إلى السفر لثلاث سنوات خارج مصر، بعد اتهامه بتأسيس تنظيم ثورة مصر، الذى أسسه محمود نور الدين، ضابط المخابرات السابق، وهدفت إلى تهديد مصالح الكيان الصهيونى فى القاهرة، ورغم براءة نجل عبد الناصر من الاتهام السابق، فإن الرأى العام فى مصر وقتها، كان يرى فى أعضاء التنظيم السابق ذكرى أبطاله.
بعد ذلك لم يظهر خالد على الساحة السياسية، حتى قيام ثورة الـ25 من يناير، التى أطاحت بالنظام المباركى، فظهر تيار يدعو خالد عبد الناصر، لترشيح نفسه للرئاسة، مستعينا بسيرة عائلة ناصر، التى لم تتورط فى فساد مالى، أو سياسى، إلا أن الموت لم يمهل الابن الأكبر للزعيم، فتوفى بعد بضعة أشهر من قيام الثورة المصرية.
ويعد عبد الحكيم عبد الناصر، الأقرب إلى الظهور الإعلامى، بالمقارنة بأشقائه الأربعة، حيث ظل دائما الأب الروحى للتيار الناصرى، الذى ضم الحزب الناصرى، وحزب الكرامة، وأخيرا التيار الشعبى، إضافة إلى الناصريين والقوميين غير المتحزبين، وظل عبد الحكيم كشقيقه الأكبر، نظيف اليد، ولم ينسب إليه أى من قضايا الفساد السياسى أو المالى.
وقد كان لتأييد عبد الحكيم عبد الناصر، لثورتى 25 يناير و30 يوليو، بالغ الأثر، حيث طالب عبد الحكيم الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك بالتنحى فورا، كما فعل والده إبان هزيمة 67، ورغم محاولات قوى التيار الناصرى، جذب عبد الحكيم إلى الحياة السياسية عقب الثورة المصرية، فإنه رفض خوض المعارك السياسية، حتى إنه ساهم فى الدعاية لحمدين صباحى، خلال حملتيه الانتخابيتين عامى 2012 و2014.
أما هدى جمال عبد الناصر، فقد تفرغت لتحقيق تراث والدها من خطب وتصريحات، وعملت بمركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، وقد وصفها المقربون منها، بأنها ابنة أبيها، لقرب صفاتها من صفات الزعيم الراحل، ويعرف كل من حاول التواصل معها، أنها شديدة التواضع، والترحاب، والتحفظ أيضا، فلم يسبق أن صدر عنها أى من التصريحات الانفعالية.
عائلة السادات.. جمال يتحفظ و«رقية» تثير الجدل
ست بنات، وولد واحد، هم إجمالى أبناء الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى تزوج مرتين فى حياته، المرة الأولى من السيدة إقبال عفيفى، قريبة الخديوى عباس، والتى أنجبت له ثلاث بنات، هن رقية وكاميليا وراوية، أما المرة الثانية فكان زواجه من السيدة جيهان صفوت، التى أنجبت للرئيس الراحل ثلاث بنات وولد، هو جمال، الذى سمى بالاسم تيمنا بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
جمال محمد أنور السادات ابتعد عن السياسة، ورفض الظهور الإعلامى تماما، واكتفى برئاسته لأحد أكبر شركات الاتصالات فى مصر، حيث أكد فى حديث سابق له، أنه كان يخشى أن تتم المقارنة بينه وبين جمال مبارك، مضيفا أنه يفضل العيش «فى حاله»، تنفيذا لنصائح زوجته ووالدته، السيدة جيهان السادات.
فيما ظلت العلاقة بينه وبين عائلة الرئيس المعزول محمد حسنى مبارك، علاقة «بروتوكولية»، فى حدود حضور المناسبات الخاصة، كاحتفالات أكتوبر، فيما سرت أنباء، عن أن العلاقة بين جمال السادات وجمال مبارك، ربما تكون أعمق من ذلك، لكن ابن السادات الوحيد، نفى الأمر كذلك.
وخلال الأحاديث القليلة التى أدلى بها جمال السادات، أكد دائما علاقة أسرته الجيدة بالرئيس جمال عبد الناصر، وصداقة الطفولة التى ربطته بنجله، عبد الحكيم، وكان دبلوماسيا جدا فيما يختص بالعلاقات بين العائلتين، ويبدو أن الرجل قد ورث صفاته تلك عن السيدة جيهان السادات، التى حرصت على عدم التورط فى الجدل السياسى حول علاقة زوجها بالزعيم الراحل، جمال عبد الناصر.
وتعتبر رقية، إحدى بنات الرئيس الراحل من السيدة فضيلة، الأكثر إثارة للجدل، بالمقارنة بشقيقاتها الأخريات، وإن لم تشتبك هى أيضا فى الحياة السياسية، فقد دافعت باستماتة عن مواقف والدها، الرئيس الراحل، وكانت تهاجم منتقديه بشراسة، كما اتهمت الرئيس المعزول حسنى مبارك، بالضلوع فى اغتيال والدها، فيما عرف بحادثة المنصة، عام 1981، فيما نفى جمال السادات الأمر برمته.
كما قامت «رقية» بمقاضاة «هدى جمال عبد الناصر»، ابنة الرئيس الراحل، بعد اتهام هدى للرئيس السادات، بالضلوع فى مقتل والدها، لكن القضية انتهت بتصالح الطرفين، أما شقيقتها كاميليا، فقد كان لها هى الأخرى نصيبها من المواقف المثيرة للجدل، حيث أكدت أن رقية السادات لا تملك مقطع فيديو، يثبت قتل مبارك للسادات، لكنها تراجعت عن تصريحها، رغم ظهور مقطع صوتى يؤكد اتهامها لرقية بافتعال الأمر.
السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل، كان لها حضورها المميز، سواء خلال اللقاءات الإعلامية، أو الاحتفالات السنوية، خاصة نصر أكتوبر، وقد كان لها عدد من التصريحات المثيرة للجدل، رغم تحفظها الظاهر، كما نسب إليها تصريحات كثيرة غير حقيقية، أشهرها تصريح نسب إليها عقب قيام ثورة يناير، إذ نسب إليها قول إن اختيار السادات للرئيس المخلوع حسنى مبارك نائبا له، كان خطأً كبيرا»، وقد نفت السيدة جيهان الأمر تماما، وأكدت أن ما قالته كان عكس ذلك.
جمال... من التوريث إلى السجن
كان الحديث عن وجود مشروع لدى النظام المباركى، لتوريث الحكم إلى نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك، من الأسباب المباشرة لقيام ثورة 25 من يناير، حيث بدا المشهد فى نهاية حكم المخلوع، وكأن الأوراق يتم ترتيبها بشكل كامل، لصالح إعطاء مساحة أكثر لجمال، للبروز على الساحة السياسية.
شغل جمال مبارك منصب الأمين العام المساعد وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، التى تولت رسم سياسات الحكومة، ومراجعة القوانين المقترحة من قبلها، قبل عرضها على مجلس الشعب، كما كون «جمال» جمعية جيل المستقبل، حيث كان مقرها داخل حرم جامعة القاهرة، مما أثار الكثير من الجدل وقتها، وتم استبعادها من داخل الحرم الجامعى، بعد شهر واحد من إسقاط نظام مبارك عام 2011، ورغم محاولات الجهاز الإعلامى للدولة، للمساهمة فى زيادة شعبية جمال مبارك، عن طريق عدد من الحوارات واللقاءات المتكررة، وطرحه كوجه شبابى، فإنه ظل بعيدا عن الشارع، بسبب عدم تمتعه بالكاريزما اللازمة، وقد تزامن ذلك مع حالة من الغضب، التى بدأت تسود الشارع المصرى، بسبب تردى الأحوال الاقتصادية والسياسية، وزيادة الحديث عن مشروع التوريث.
أما علاء مبارك، الابن الثانى للرئيس المخلوع، فقد ظل بعيدا عن الإعلام، واهتم بإدارة أعماله، وقد أدى ذلك الابتعاد، إضافة إلى غموض طبيعة الأعمال التى يديرها، إلى إثارة الشائعات حوله، وكان أشهر تلك الشائعات، شائعة أشارت إلى أن عمرو خالد، الداعية الشهير، تعرض للاضطهاد من قبل نظام مبارك، بسبب تأثيره على علاء مبارك، غير أن خبر وفاة ابنه محمد، حفيد الرئيس المخلوع، لم يهتم الإعلام بتغطية الأخبار الخاصة بالنجل الأكبر للرئيس.
عقب قيام ثورة يناير، تعرض نجلا الرئيس المخلوع للسجن، بسبب اتهامات بالفساد المالى والسياسى، وقد قضى خلع والدهما من الحكم، على عودة أى منهما إلى الحياة السياسية، خاصة بعد النفور الذى يلقاه أى من رموز النظام السابق، فى حالة المحاولة للعودة للحياة السياسية بأى صورة كانت.
وبعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، أدى حظر جماعة الإخوان، بعد ممارسات وصفت بالعنيفة، من قبل أنصار الجماعة، للمطالبة بعودة مرسى إلى الحكم، ذلك إضافة إلى تعرض نجله الأوسط عمر إلى الملاحقة القانونية، بسبب الدعاية التحريضية التى أطلقها عبر وسائل الاتصال الاجتماعى، للمطالبة بعودة والده.
وفى بداية حكم الرئيس المعزول، أثار تعيين «عمر» نفسه فى وظيفة مرموقة بإحدى الشركات المملوكة للدولة، جدلا واسعا، فى ظل انتشار الفقر والبطالة بين الآلاف غيره من الشباب، ورغم تصريحات مسؤولى النظام وقتها، حول أن تعيين «عمر محمد مرسى» حديث التخرج، فى تلك الوظيفة المرموقة كانت على أساس الكفاءة فقط، فإن الأمر بدا وكأنه لا يخلو من الواسطة والمحسوبية، التى لا تليق بمصر ما بعد الثورة.
أستمر نجل الرئيس يثير الجدل، خاصة خلال الفترة الأخيرة من حكم والده، ففى حين كان الشارع المصرى فى حالة غليان ضد الرئيس محمد مرسى وقتها، كان عمر مرسى يتخذ من وسائل التواصل الاجتماعى، منبرا له، للتعبير عن استهانته بالرغبة الشعبية، كما لم يتوقف عمر مرسى حتى عقب إسقاط النظام، إذ استمر فى إطلاق تصريحاته الاستفزازية، عقب إسقاط نظام والده، حيث كان يؤيد الضربات الإرهابية ضد سيناء، عبر صفحته على تويتر، فى حين ذكر نصا أن «ما يحدث من عمليات للمجاهدين فى سيناء، لن يتوقف إلا إذا عادت الأمور إلى نصابها، وعاد الحق إلى أصحابه»، فى إشارة إلى عودة نظام والده إلى الحكم، مقابل توقف الإرهاب عن ضرب سيناء.