ـ بفطرته قال فى ذروة الصعود السياسى للجماعة الإرهابية: «أنا فلول ومش هاغنى لمرسى أو الإخوان»
ـ قال عنه سمير غانم: «الوحيد الذى يضحكنى»..
حين ظهر قال عنه الكثيرون، إنه مجرد ظاهرة سرعان ما ستختفى وانهالت عليه الاتهامات بأنه يهبط بمستوى الفن والغناء الشعبى، ولكنه بقى واستمر وأصبح له الكثير من المحبين الذين رأوا فى بساطته تعبيرًا عنهم، حتى رحل عن عالمنا، أمس، ليبقى شعبان عبدالرحيم وفنه وما يحمله من صفات ظاهرة تستحق الدراسة.
لفت الأنظار إليه ببدلته المزركشة ذات الألوان الفاقعة التى تتناسب مع «لون الأنتريه»، كما كان يقول فى أول ظهور له، وببساطته ومظهره الذى اختاره لنفسه، استطاع أن يصل إلى قلوب الكثيرين وأن يستمر ويتصاعد نجمه لتتحدث عنه أشهر الصحف الأجنبية، خاصة بعد أن غنى أغنيته الشهيرة «أنا باكره إسرائيل» لتتهمه الجماعات الصهيونية بالحض على كراهية إسرائيل.
طوال حياته وبعد شهرته لم ينكر المطرب الشعبى الراحل شعبان عبد الرحيم، الشهير «بشعبولا» أصله، وظل يؤكد على فخره بأن مهنته الأصلية «مكوجى»، ورغم ما يبدو عليه من سذاجة إلا أنه كان يخفى وراءها ذكاءً فطريًا استطاع من خلاله استغلال هذه السذاجة الظاهرة فى كسب المزيد من الشعبية، وأن يعبر ببساطته عن قطاع كبير من الشعب المصرى ويتحدث بلسانهم، بل وأن يشارك بفنه الذى أثار الجدل فى العديد من الأحداث السياسية.
ربما ساهم فى شعبية الفنان الراحل أن الكثيرين رأوا فيه الحلم الذى يمكن أن يأتى يومًا ليغير حياة الإنسان البسيط فيصبح مشهورًا يومًا ما، وربما رأوه معبرًا عن حياتهم وبساطتهم التى يتأفف منها أبناء الطبقات الراقية، ولعلهم رأوا فيه هذا الشخص البسيط الذى لم تغيره الشهرة والأموال فظل يفخر بأنه يشترى ملابسه من «وكالة البلح».
مزج شعبان عبدالرحيم بين الذكاء والسذاجة وخفة الظل وأصبح له خلطة خاصة مميزة يستخدمها فى الفن والحياة، يتحدث بها فى السياسة ومشاكل المجتمع، ويقابل بها كل من يلقاه، فحظى بمحبة الكثيرين من فئات مختلفة، مثقفين وبسطاء.
لعبت الصدفة دورها فى فتح أبواب الشهرة للفنان البسيط، «قاسم» المولود فى 15 مارس 1957 بحى الشرابية، والذى عمل «مكوجى»، وإلى جانب عمله كان يقوم بإحياء بعض الأفراح الشعبية، حتى استمع له وأعجب به الحاج «عبداللطيف سوبر» بائع الصحف بحى بولاق الدكرور، وقرر من أجله ترك مهنته فى بيع الصحف والاتجاه لإنتاج الكاسيت، فاختار لنفسه اسم «شعبان» ليكون اسمه الفنى نسبة إلى ولادته فى شهر شعبان، وكانت باكورة تعاونهما أغنية «أحمد حلمى اتجوز عايدة»، والتى حققت انتشارا كبيرا، وبعدها قرر شعبولا اعتزال عمله «مكوجى» والتركيز على الغناء، وكان من أشهر أغانيه «هابطل السجاير واكون إنسان جديد».
أحدث ظهور شعبان عبدالرحيم ضجة فى الوسط الفنى، وشكل ظاهرة وحالة مختلفة، بمظهره وطريقته الموحدة فى الأغانى التى اعتمدت على عبارة «إيييييييه»، انتقده الكثيرون، وفى نفس الوقت لفت انتباه وإعجاب الكثيرين، ومنهم الفنان الكوميدى الكبير سمير غانم الذى استعان به فى عدد من مسرحياته، وقال إنه الفنان الوحيد الذى يستطيع إضحاكه.
وشارك شعبان عبدالرحيم فى عدد من الأفلام السينمائية، حيث اختاره المخرج الكبير داوود عبد السيد، لبطولة فيلم «مواطن ومخبر وحرامى»، وبعدها شارك فيما يقرب من 10 أفلام، فضلًا عن عدد من المسلسلات والمسرحيات.
استطاع الفنان البسيط إزعاج إسرائيل عندما غنى بوضوح وصراحة «أنا بكره إسرائيل» بعد أحداث الانتفاضة الفلسطينية فأثارت ردود فعل كبيرة محليًا وعالميًا، واتهمته شبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية بالتحريض على مناهضة التطبيع مع إسرائيل، وعبرت هذه الأغنية التى حظيت بشهرة وشعبية واسعة عن نبض الشارع المصرى والعربى ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن كينيث باندلر المتحدث باسم اللجنة اليهودية الأمريكية قوله «إن شعبان عبدالرحيم راع للكراهية».
كان الراحل حريصًا على المشاركة فى معظم الأحداث السياسية، فغنى لتشجيع المصريين على المشاركة فى الاستفتاء، وغنى «بحب السيسى، وماتخافش من الحكومة، ومبروك علينا الحرية»، وهاجم قناة الجزيرة، فى أغنية «شيطان على هيئة شاشة» وغيرها من أغنيات عبرت عن صوت المواطن البسيط.
ورغم ما كان يبدو عليه من سذاجة إلا أن الفنان الراحل كان يمتلك بصيرة الفنان البسيط، حيث أبدى كراهيته للإخوان مبكرًا فى ذروة صعودهم السياسى وتوليهم السلطة، حيث سبق وأجرينا معه حوارًا بعد ثورة يناير قال فيه: «أنا فلول ومش هاغنى لمرسى أو الإخوان»، وتحدث فيه بفخر عن فقره وعن اعتزامه عمل برنامج أو كتاب يتحدث فيه عن رحلة كفاحه.
ظل شعبان عبدالرحيم حتى آخر حياته مرتبطا بالبسطاء، ويجلس معهم دائمًا أمام «مقلة التسالى»، الخاصة به فى شارع كعابيش بمنطقة فيصل بالجيزة يحبه الجميع ويلتقطون معه الصور التذكارية ويتبادلون معه الضحك والقفشات، حتى أصيب مؤخرًا بإصابات بالغة فى ساقه أقعدته على كرسى متحرك ظهر به أثناء مشاركته فى موسم الرياض فى آخر ظهور له قبل وفاته.
وعن هذه الإصابة، قال الدكتور نبيل رزق، المدير الإقليمى للأمم المتحدة للفنون بالشرق الأوسط، الذى تربطه علاقة صداقة بالفنان شعبان عبدالرحيم، إن الفنان الراحل ذهب قبل عيد الأضحى لشراء «عجل» من أحد أشهر الأماكن للأضحية، وأن صاحب المطعم الذى كانت تربطه علاقة طيبة بالفنان أراد مجاملته فأعطاه العجل بنصف ثمنه وحصل منه على مبلغ 15 ألف جنيه، بدلًا من 30 ألف جنيه، ومنحه مع العجل «خروف» هدية منه.
وتابع رزق أنه كان فى زيارة للفنان الراحل بعد عيد الأضحى مع عدد من أبناء فنانى الزمن الجميل بعدما علموا بإصابته بكسور فى المستشفى وحكى الفنان عن ملابسات إصابته، قائلا: «إنه فى أحد المرات ذهب ليطعم الخروف وبعد أن قدم له الطعام وأعطاه ظهره جرى وراءه وأسقطه على الأرض سقطة قوية تسببت فى إصابته بكسور شديدة دخل على أثرها المستشفى وقام بإجراء جراحة لتركيب شرائح ومسامير بالساق».
وأضاف أن الفنان الراحل كان يحكى هذه القصة بطريقته الفكاهية، وكان يتصور أنه سوف يستطيع الحركة بمجرد أن يخرج من المستشفى ولكن الإصابة تسببت فى تقاعده لفترة وعدم قدرته على الحركة إلا بكرسى متحرك حتى وفاته، مؤكدًا أن الفنان الراحل كان يعانى من مشكلات كبيرة فى الرئة خلال الفترة الأخيرة، لدرجة أنه كان يشترط عدم تدخين فى أى من حفلاته.
قضى الفنان البسيط أيامه الأخيرة على كرسى متحرك ولم يستطع أن يعيش كما عاش واعتاد بين البسطاء، فلم يتحمل كثيرا وأصيب بأزمة قلبية حادة أنهت حياته، فحزن عليه الجميع، وبكاه البسطاء الذين عبر عنهم وعاش معهم، ولم يشمت فى موته سوى الصهاينة الذين أغضبتهم أغنيته التى أعلن فيها صراحة كراهيته لهم، فانطلقت التعليقات المسمومة الشامتة فى وفاة مطرب الغلابة والبسطاء الذى سيبقى بعد رحيله ظاهرة فريدة وخلطة خاصة تحمل اسم شعبان عبدالرحيم الذى عبر عن ملايين البسطاء وتحدث بطريقته فوصل إلى قلوبهم حتى وإن أثار الجدل حول فنه.