يعيش سكان منطقة "تل العقارب" بحى السيدة زينب فى معاناة حقيقية، بعدما بدأت أجهزة محافظة القاهرة التنفيذية فى إزالة منازلهم استعدادًا لإعادة تأهيل وتطوير المنطقة بالتعاون مع وزارة الإسكان، وعلى الرغم من إعلان محافظة القاهرة شروط عملية حصر أهالى وسكان المنطقة للحصول على وحداتهم السكنية بعد التطوير، إلا أن أجهزة حى السيدة زينب لم تلتزم بمعايير الحصر والمتمثلة في وجود إثبات يؤكد تواجدهم بالمنطقة كبطاقة تعريف شخصية أو شهادات ميلاد أو عقود ملكية للمنازل .
"سمك.. لبن.. تمر هندى"، مثل شعبى انتهجته أجهزة حى السيدة زينب خلال حصر المنازل وقاطنيها، حيث اتبع الحى ومباحث قسم السيدة زينب أسلوبًا جديدًا فى الحصر، اعتمدوا فيه على روايات الأهالى عن ملكية أصحاب المنازل بتل العقارب لمنازل أخرى خارج المنطقة، دون الاعتماد على التحريات التى أكد عليها الدكتور جلال السعيد المحافظ السابق للقاهرة خلال البيانات الصادرة من مكتبه بشأن تطوير المنطقة.
وشكا سكان وأهالى منطقة تل العقارب المُستبعدون من قوائم الحصر، من سوء تقييم حى السيدة زينب لحالاتهم وضعف التحريات التى جاءت متناقضة مع حالاتهم، وتحدث "انفراد" مع عدد من الأهالى المتضررين من عملية الحصر، والذين قدموا الأوراق التى تؤكد سكنهم بالمنطقة منذ عشرات السنوات وضعف حالتهم المادية.
خديجة عباس سيد، أرملة منذ 20 عامًا، وتسكن فى 1 زقاق الحدادى بمنطقة تل العقارب، وتعمل عاملة نظافة بمستشفى قصر العينى، وقالت خديجة: "راتبى الشهرى لا يتعدى الـ450 جنيهًا، وزوجى كان يعمل نجارًا بالأجر بالورش، توفى منذ 20 عامًا دون أن يملك جنيهًا واحدًا، وتقدمت عام 2011 بطلب للحصول على شقة من وزارة الاسكان بدلاً من غرفتى المتواضعة وحتى الآن لم يأت ردًا على طلبى، ولا أملك المال الذى يُمكننى من شراء أو تأجير شقة أو حتى غرفة".
واستكملت خديجة حديثها: "عندما جاء الحى لحصر الأهالى، أكد لى أحد العاملين بالحى أننى ضمن الذين سيحصلون على شقق مؤقتة بمدينة السادس من أكتوبر، وبعد مرور شهرين وعندما بدأ الحى فى هدم المنازل المجاورة لى قال رئيس الحى إننى خارج قوائم الحصر وليس من حقى الحصول على شقة أو قيمة إيجارية لتأجير الشقة، وعندما سألته عن سبب استبعادى، قال لى إننى امتلك شقة بمنطقة الإمام الشافعى وهذا بالتأكيد غير صحيح، وإن استطاع إثبات ذلك فلم أجرؤ على المطالبة بشقة".
وتحكى الحاجة عطا عبد المنعم إبراهيم إحدى ساكنات المنطقة واحدة من أغرب مواقف الحصر تعرضت لها بشكل شخصى وتسببت فى استبعادها من القائمة، فتقول: "عندما بدأ الحصر طلب منى رجال المباحث دخول غرفتى لمعاينة وضعها بعد أن تأكدوا من سلامة أوراق ملكيتى للمنزل ومن الأوراق التى تثبت سكنى بالمنطقة منذ عشرات السنين، وفور دخوله وجد جهاز كمبيوتر بجوار الباب، وتعجب من تواجد الكمبيوتر، ثم تركنى وانصرف وعندما ناديته لم يهتم بندائى له وذهب".
وأضافت الحاجة عطا: "مات ابنى الوحيد وزوجته فى حادث سير من 9سنوات، وتركا لى ابنهما لأربيه وأصبحت حياته كلها ملكًا له، وكأى طفل طلب منى جهاز كمبيوتر يلعب عليه الألعاب التى يراها فى المحلات المتخصصة فى ذلك، فاقترضت 600 جنيه من إحدى جيرانى، واشتريته له حتى لا أحرمه من شىء، خاصة أننى لا أملك غير مصدر رزق وحيد وهو كشك بدائى أسفل منزلى أصرف من خلاله على نفسى وعلى محمد حفيدى، وعلمت بعد ذلك من رئيس الحى أنه تم استبعادى من الحصر دون ابداء أسباب".
سماح محمد نور محمد، فتاة لم تُكمل ربيعها الـ16 من سكان المنطقة، مات أبوها وهى رضيعة، وتركتها أمها وسافرت إلى الصعيد لأهلها، لا تملك فى الحياة شيئًا سوى الغرفة التى تسكن فيها مع جدتها البالغة من العمر 80 عامًا، لا تقوى على السير وحدها، تعمل داخل مصنع ملابس لتتمكن من أن تُنفق على جدتها المريضة، فاجأها رئيس الحى بأنها خارج الحصر دون توضيح الأسباب وراء استبعادها، فلم تجد ملجأ لها ولجدتها التى هددوها بالانتقال إلى دار مسنين سوى الشارع.
انهارت سماح من البكاء حينما ألقينا عليها سؤالا عن وضعها بالحصر، ولم تجد تعبيرًا يعبر عما بداخلها سوى اللجوء إلى الله فقط دون أن تطلب من عباده شيئًا، فتقول سماح وهى تبكى: "حسبى الله ونعم الوكيل، هو وحده من يمكنه إنقاذى وجدتى من تلك المحنة التى حلت بنا، راضين بقضاء الله وقادرين على الصبر، ولكن إلى متى الصبر؟، فقد تحملت أعباء وأزمات أكبر من سنى وانتظر من رب العباد أن يقضى فى أمرى".
مشاكل قوائم الحصر لم تنتهى، فبعد استبعاد بعض سكان تلك المنطقة من القوائم، فوجئ العشرات من الأسر بخروجها من الحصر ولكن وضع هذه الأسر يختلف هذه المرة، فكل منزل بتلك المنطقة يجمع مجموعة من الأسر، ومن هذا المنطلق قرر الحى إعطاء صاحب المنزل فقط شقة وتجميع باقى الأسر التى تسكن المنزل الواحد فى شقة أخرى فقط، وهو ما يعد أحد أكبر أخطاء الحصر بهذه المنطقة.
ويقول محمد أمين زكى، يعمل حدادًا بإحدى ورش التل: "عندما تحدثنا إلى الدكتور جلال السعيد المحافظ السابق، أكد لنا أن من يسكن فى شقة سيحصل على مثيلتها بعد التطوير، ومن يسكن فى غرفة سيستلمها شقة كاملة المرافق، وعلى الرغم من ذلك استبعدنى الحى من الحصر على الرغم من أننى من مواليد تل العقارب، ومعى شهادة ميلادى وشهادات ميلاد أبنائى وزوجتى التى تؤكد كلامى، ولا أستطيع أن اشترى أو استأجر شقة خارج المنطقة، فأنا عامل بسيط ولدى 4 أولاد أحدهم يساعدنى فى عملى، وأحمد الله أننى أستطيع إطعامهم كل يوم".
ومن جانبه قال حسام رأفت رئيس حى السيدة زينب، إنه تم تشكيل لجنة كبيرة تضم بحوث الإسكان وإدارة التسكين بالحى ومباحث المرافق ومباحث قسم شرطة السيدة زينب وإدارة الأملاك، يعدون قوائم الحصر بحرص شديد، مشيرًا إلى أن هناك فارقًا كبيرًا، أن يكون المواطن مقيم إقامة عادية فى المنطقة أو مقيم إقامة فعلية بالمنطقة، مشيرًا إلى أنه تم رصد عدد من سكان المنطقة ينقلون أغراضهم إلى تل العقارب من أجل إثبات تواجدهم بالمنطقة.
وأضاف رئيس حى السيدة زينب، أنه تم التشكيك فى بعض موظفى الحى المتواجدين فى الحصر ورجال المباحث، وتساءل: من أين نأتى بموظفين يتولون أمر الحصر؟، مؤكدًا أن الأسر هى التى يتم وضعها فى قوائم الحصر وليس غير المتزوجين، فالدولة ستتكفل بجميع المتضررين من الحصر بالكامل وستوفر لهم سكن بـ"إسكان بلا مأوى" وبدون شروط أو أوراق.