"ترامب عُزل" بهذا العنوان خرجت أغلب مانشيتات الصحف الأمريكية الصادرة اليوم، الخميس، بشكل يشبه الاحتفاء بقرار الاتهام الصادر من مجلس النواب بحق الرئيس الأمريكى والذى شمل بندين؛ إساءة استخدام السلطة وعرقلة الكونجرس فيما يتعلق بقضية أوكرانيا. وسردت أغلب التغطيات الوجه التاريخى للحدث باعتبار ترامب ثالث رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة يتم عزله من قبل مجلس النواب، والأول الذى يعزل فى فترته الرئاسية الاولى.
لكن أغلب التغطيات لم تأت على ذكر وجه تاريخى أخر من المتوقع أن يحدث أيضا فى المرحلة التالية من سيناريو العزل، وهو تبرئة الرئيس فى محاكمة مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه أغلبية جمهورية، وهو الأمر الذى يبدو شبه مؤكدا، وذكره الرئيس والجمهوريون صراحة أكثر من مرة. لذلك، فإن الصراع السياسى الأكبر فى المرحلة الراهنة من التاريخ الأمريكى سينصب على محاكمة مجلس الشيوخ. فالديمقراطيون من جانبهم يعرفون أن ترامب بالظروف الحالية وفى ظل دعم الجمهوريون له ووقوفهم خلف، سينتصر فى النهاية، لذلك، فإنهم يحاولون تبديد أو على الأقل تأجيل زهو الانتصار. وتتبلور استراتيجيتهم للفترة القادمة حول مواصلة الضغط القوى لكسب مزيد من الوقت فى العام الذى يسبق إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وإطالة أمد المحاكمة بالشكل الذى يؤثر على فرص ترامب الانتخابية.
وقد اتضح هذا فى أول تصريحات تدلى بها رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى بعد تصويت العزل، حيث قالت إنها لا تستطيع تسمية مديرين لتولى بناء القضية ضد ترامب حتى ترى العملية التى ستجرى على جانب مجلس الشيوخ، مشيرة إلى مديرين من مجلس النواب يقدمون قضية الإطاحة بالرئيس لمجلس الشيوخ. وأضافت: حتى الآن لا نرى شيئا يبدو عادلا بالنسبة لنا، لذا نأمل أن يكون عادلا، ولذلك عندما ترى ما هو، سنرسل مديرين.
وجاءت التعليقات فى الوقت الذى ضغط فيه مجموعة من الديمقراطيين فى مجلس النواب على بيلوسى وقادة آخرين لحجب المادتين، وهى الفكرة التى اكتسبت جاذبية بين البعض فى اليسار السياسى كطريقة ممكنة لإجبار زعيم الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على إجراء محاكمة بشروط أكثر تفضيلا للديمقراطيين. ولو لم يتم التوصل إلى اتفاق، يقول البعض، فإن المحاكمة يمكن أن يتم تأجيل المحاكمة إلى أجل غير مسمى، مما يحرم ترامب من التبرئة المتوقعة.
على الجانب الآخر، فإن ترامب والجمهوريين، ورغم وصمة العزل التاريخية، يتوقعون أن يكون ما حدث ضربة تقويه، ولن تقضى عليه. بل إن مساعديه فى البيت الأبيض يتوقعون أن يجعل العزل رئاسة ترامب أكثر قوة، بحسب ما قالت مجلة تايم الأمريكية.
فقد نقلت المجلة عن أن مسئولين البيت الأبيض قالوا فى الأيام الأخيرة التى سبقت التصويت إنه بقدر ما هو محبط جعل ترامب أول رئيس أمريكى يتم عزله من قبل مجلس النواب خلال فترة رئاسته الأولى، إلا أن الإجراءات تقوى رئاسة ترامب وتعزز موقفه فى التفاوض مع مجلس النواب وتساعده على حشد قاعدة دعمه.
ونقلت المجلة عن مساعد بارز لترامب رفض الكشف عن هويته، قوله إنه يعتقد أن العزل يجعل الرئيس أقوى بكل تأكيد. وقد حاول فريقه استغلال الأمر بأفضل ما يمكنهم من خلال جمع التمويلات لحملته، وحشد الدعم والعمل للتأثير على رغبة رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى فى إثبات أن الديمقراطيين يمكنهم إدارة عملية العزل وفى نفس الوقت تقديم مشروعات القوانين لمكتب ترامب. ويقول المسئولون إن الرئيس يأخذ فى الاعتبار هذه الفكرة. وقال أحدهم إن الأمر يبدو كما لو أن الرئيس يصبح أكثر هدوءا عندما يكون تحت ضغط.
وتذهب الصحيفة إلى القول بأن ترامب يعترف أن العزل ربما لن يكون سيئا للغاية بالنسبة له مع الاستعداد لمحاكمته فى مجلس الشيوخ، الذى يخضع لأغلبية جمهورية ستصوت على الأرجح لصالح تبرئة الرئيس. وكان ترامب قد قال فى وقت سابق هذا الشهر إن العزل أمر محزن للغاية لبلادنا، لكنه جيد جدا بالنسبة لى من الناحية السياسية.
نفس الأمر ذهبت إليه صحيفة الجارديان البريطانية، التى قالت فى تقرير لها بعنوان "العزل ربما يكون معركة أخرى فى الحرب الأهلية الأمريكية"، العزل يمنح معارضى الرئيس شعورا بالرضا، لكنه الآن أبعد ما يكون عن أن ترامب سيعانى منه. فمع وقوف الجمهوريين فى مجلس النواب للدفاع عن ترامب مثل الدروع البشرية، لم يكن هناك شكا أن أقرانهم فى مجلس الشيوخ سيفعلون الأمر نفسه الشهر المقبل لعرقلة الإطاحة به من منصبه وتبرئته.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن ترامب أصبح مثل البيتلز، أكبر من يسوع فى أعين أنصاره الذين يصل تأييدهم له ما يشبه العبادة. فبالنسبة لهؤلاء، ما لا يقتل ترامب يجعله أكثر قوة، وهو ما يجعل من الصعب تحديد تداعيات تصويت الأربعاء.