كغيره من المرضى الذين وهنت أجسامهم من المعاناة مع فيروس سى، استبشر محمد أحمد المنسى صاحب الـ45 عاما خيرا بإعلان وزارة الصحة عن طرح علاج "السوفالدى" ، المعروف بكفاءته فى محاربة المرض والقضاء عليه.
قبل عام تقريبا، وفى نهاية شهر مارس 2015 ، توجه "المنسى"، إلى مستشفى الأحرار بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، متقدما بأوراقه الدالة على إصابته بفيروس سى، مستسلما لتعليمات الأطباء الذين طالبوه بضرورة عمل تحاليل جديدة لفحص حالته وبيان مدى إصابته بالفيروس.
انتهى "المنسى" من تسجيل بياناته مع بداية شهر مايو من العام الماضى، خارجا بأمل جديد من المستشفى ، لأنه بعد أربعة أشهر من هذا التاريخ سيبدأ خطوات الانتصار على المرض، إلا ان الأربعة أشهر التى حددها الأطباء لصرف العلاج للمنسى تأخرت ثم طالت وأخيرا تلاشت، فهو حتى الآن لم يصرف علاجه ولم يتسلمه ليبدأ معاناة جديدة مع المرض.
وبعد مرور نحو 7 أشهر على زيارته الأولى للمستشفى، أحس "محمد المنسى" فى نهاية العام الماضى بآلام شديدة فى بطنه، لم تشفع معها أدوية أو مسكنات، فلم يكن أمامه من مفر إلا زيارة طبيبه المعالج، الذى أخبره بأن تأخره فى علاج الفيروس قد أضره لدرجة حاجته إلى زراعة كبد.
يقول "المنسى" : "زهقت من الإهمال والركنة اللى شوفتها فى مستشفى الأحرار، وهو ما دفعنى إلى عدم الذهاب إلى المستشفى مرة أخرى، وتوجهت إلى معهد الكبد القومى بالقاهرة، لبدء فصل جديد مع المرض من خلال البحث عن متبرع بالكبد لإجراء عملية زرع كبد لى".
"محمد المنسى" لم يكن بمفرده الذى مر بهذه التجربة القاسية مع مستشفى الأحرار، لكن شقيقه "رضا المنسى" صاحب تجربة مماثلة، "رضا" رافق شقيقه "محمد " فى كل خطوات التسجيل والتحاليل ثم حصل على الوعد نفسه بتلقى العلاج بعد 4 أشهر، إلا أن المهلة التى أعطاها الأطباء له لم تنته حتى الآن، و هو ما دفع "رضا" للتساؤل لماذا يتأخر صرف العلاج حتى الآن، لماذا تطول قائمة الانتظار؟
أزمة السوفالدى مستمرة
من الشرقية إلى الفيوم، تستمر أزمة توفير علاج السوفالدى.. "محمد هاشم" مريض فى منتصف العقد السادس، أصيب بمرض فيروس سى قبل نحو 5 سنوات، تابع علاجه بأحد مستشفيات هيئة التأمين الصحى بالفيوم، وعن ذلك يقول: "عملت ملف من سنة تقريبا وحطونى فى قائمة الانتظار على أن اتسلم علاجى بعدها بنحو أربعة أشهر وهو الموعد المحدد بشهر نوفمبر الماضى".
حينما اكتمل شهر نوفمبر توجه هاشم إلى المستشفى للاستعلام عن موعد صرف علاجه، ففاجأه المسئول بشهرين إضافيين، لم ييأس وتابع السؤال عن علاجه، لكنه لم يستلم العلاج أيضا حتى كتابة التحقيق.
محمد هاشم الذى خرج من عمله كـمساعد بقسم شرطة بندر الفيوم إلى المعاش ليتقاضى بعدها ما يقارب 800 جنيه شهريا، يقول : "ظروفى مش سامحة أنى أتعالج على نفقتى الخاصة، لو فى فلوس محدش هيستخسر فى نفسه العلاج".
تردد "هاشم" على معهد الكبد بدأ قبل أسبوعين تقريبا، حيث غادرها لعدم وجود سرير لإجراء عمليته، وهو المشهد الذى تكرر مرة أخرى قبل أيام حيث وعدوه بإجراء عملية "بذل" المياه من بطنه فى حالة وجود سرير خالى له.
"سيد محمود " الذى يسكن بأحد مناطق المنيب، يقول عن معاناته مع المرض: "كنت أتلقى العلاج فى أحد المستشفيات التابعة للشركة التى كنت أعمل بها، ولكن بعد أن تقاعدت عن العمل حولونى على معهد الكبد"، مشيرا إلى تقاضيه معاشا شهريا لا يتجاوز 450 جنيها من الضمان الاجتماعى.
أما مدحت رمضان صاحب الـ 37 عاما، والذى اكتشف إصابته بفيروس سى قبل نحو أربعة أعوام تقريبا، حينما كان يستعد للسفر إلى المملكة العربية السعودية، الأمر الذى جعل صدمته مضاعفة لإصابته بالمرض ثم استبعاده من السفر إلى الخارج ـ فيقول عن تجربته:" قبل أربعة سنوات كان سعر العلاج 70 ألف جنيه، وهو المبلغ الذى رآه مدحت ضخما جدا إذ لا يستطيع تدبيره، وخاصة أنه لا يعمل بإحدى الهيئات الحكومية التى توفر علاجا على نفقة الدولة أو علاجا يتبع هيئة التأمين الصحى بأسعار مخفضة، وبعد رحلة تردد على عيادات أطباء العياط اصابه الملل، فقرر أن ينتظر حتى حين".
الأمل تجدد لدى "مدحت" منذ عام تقريبا، وهو ما دفعه إلى تسجيل بياناته عبر الإنترنت للحصول على "السوفالدى"، وبالفعل وضعه أطباء معهد الكبد القومى بالقاهرة على قائمة الانتظار ليحصل على علاجه بعد ستة أشهر، إلا أنه كباقى المرضى انتظر أربعة أشهر أخرى، حتى كانت زيارته الأخيرة فى نهاية شهر مارس الماضى والذى تأجل بعدها نحو شهر آخر.
وإلى "عاطف الصياد" الذى تفاءل بالخير ، حينما أعلنت وزارة الصحة، عن بدء صرف علاج السوفالدى، لعلاج مرضى فيروس سى ، بعد أن تفاقمت حالته المرضية المستمرة مع المرض حتى وصل الأمر إلى تليف كبدى.
عاطف الصياد، الذى يبلغ من العمر نحو 55 عامًا - من سكان مدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية - توجه مع نجله إلى المستشفى الدولى بمدينة المنصورة، ليقدم أوراق تحاليله التى كشفت عن إصابته بالمرض منذ نهاية عام 2013، فى محاولة للحصول على العلاج الجديد.
انتظر فى طابور المرضى الطويل بالمستشفى منتصف شهر سبتمبر الماضى، سلم أوراقه وتلقى الإجابة "هنصرفلك العلاج الجديد بعد شهرين على أقصى تقدير، تابع معانا أو أبعت حد يسأل عن تطورات صرف العلاج" ، هكذا أبلغه المسئولون بالمستشفى.
تهللت أسارير الرجل وظن أنه سيعود إلى ممارسة مهنة النجارة التى تقاعد عنها لضعف مجهوده وقواه البدنية منذ أن أصابه المرض، لكن الشهرين طال أمدهما حتى وصلت المهلة إلى 7 أشهر.
أرسل "الصياد" نجله ثلاث مرات متتالية من شهر يناير وفبراير ومارس على التوالى إلى المستشفى، لكن الرد الذى يحصل عليه فى كل مرة لم يتغير، "لسه مجاش دوركم" . وعلى الرغم من مرض الرجل إلا أنه أصر على التوجه إلى المستشفى نهاية الأسبوع الماضى، ليعرف ما سر تأخير صرف العلاج، وليستفسر عن مصير علاجه، حتى جاءه الرد "إحنا لسه بنصرف علاج مرضى شهر يوليو، ولم يأت الدور بعد على مرضى شهر 9 سبتمبر، ولما ييجى دوركم هنتصل بيكم".
حكايات المرضى تطرح تساؤلا هو : لماذا تطول قائمة الانتظار ليصل زمن الانتظار إلى عام ؟ ، وهو ما يجيب عنه الدكتور "محمد اسماعيل سليم" عميد معهد الكبد القومى :"بقوله الإنتاج من دواء "السوفالدى" و "دكلانزا" لا يكفى لتغطية حجم الطلب عليه، مشيرا إلى أن إجراءات الوزارة هى أولوية الحجز دون أى استثناءات بين المرضى.
وتابع قائلا إن تأخير علاج مرضى فيروس سى لعدة أشهر لا ينتج عنه أضرار ولا يؤثر على خطة علاج المريض، مبررا ذلك بأن فيروس سى من الفيروسات بطيئة النشاط والتى يظهر تأثيرها أو مضاعفاتها بعد سنوات.
200 ألف ينتظرون العلاج
أما الدكتور يحيى الشاذلى مستشار وزير الصحة للكبد والجهاز الهضمى، ونائب رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، فقال إنه بعد شهرين على أقصى تقدير لن يكون هناك قائمة انتظار لعلاج مرضى فيروس سى على الاطلاق، ومن يستحق العلاج سيصرفه فورا، موضحا أن ذلك بفضل توقيع وزارة الصحة واللجنة القومية للفيروسات بروتوكول تعاون مع صندوق تحيا مصر لعلاج مرضى "فيروس سى".
وأضاف أن عدد المرضى الذين أنهوا علاجهم مع من بدأوا فى العلاج بالفعل وصل إلى نحو 400 ألف مريض، فى حين ينتظر نحو 200 ألف تلقى العلاج، مشيرا إلى أنه لا يوجد عجز فى العلاج السوفالدى ولكنه موجودة بكثرة فى السوق.
ووفقا لعضو اللجنة القومية للفيروسات الكبدية بوزارة الصحة والسكان، فالمنتج المصنع محليا يساوى فى كفاءته المنتج المستورد، ما يجعل من سوفالدى المحلى منافسا قويا لعقار "السوفالدى" المستورد، وذلك لسهولة الحصول عليه دون الارتباط بالاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أن المثيل المصرى قد حصل على اعتماد الدراسات الحيوية وهو ما يؤكد فاعليته .