النيابة توجه رسالة للمشرع بتغليظ عقوبة سرقة المواد البترولية وتنذر كل من يخرَّب أو يسرق المال العام من العقاب
كشفت تحقيقات النيابة العامة في القضية رقم 28847 لسنة 2019 جنايات إيتاي البارود عن مفاجآت من العيار الثقيل المتمثلة فى اتفاق المتهمين على سرقة المواد البترولية من خط أنابيب طنطا دمنهور المار بأرضٍ بعزبة المواسير بإيتاي البارود؛ ولذلك استأجروها في غضون أكتوبر الماضي؛ ونقلوا مواسير إليها ونقبوا حتى ثقبوا الخط ورَكَّبُوا محبساً عليه، ثم دأبوا على سرقة مواد من المارة فيه.
وفي صباح الثالث عشر من نوفمبر الماضي؛ حاول أحدهم تركيب محبسٍ آخر فتهتك عازل الخط، وبدأ تسرب المواد حتى خرج الأمر عن سيطرتهم؛ ففروا هاربين، بينما أبلغ مؤجر الأرض النجدة وشركة أنابيب البترول بالتسريب قرابة الساعة الثانية عشرة ظهراً؛ فانتقلت قواتٌ إلى الأرض وتبينوا غمرها بالكامل بتلك المواد، وضبطوا مواسير وأدوات للتركيب والحفر، واتخذت الشركة إجراءات سحب المواد البترولية؛ وعيِّنت النيابة العامة حراسة على المكان حفاظاً على الأرواح والممتلكات؛ غير أن الوقود امتد إلى مصرفٍ ليختلط بالماء، ولتملأ أبخرته الأجواء، بينما هرعت أعدادٌ إلى موقع الحادث ما بين سارق للمواد ومشاهد أو مصور للأحداث، وبينما هم كذلك اتصل مصدر لهب كالمنبعث من السجائر المشتعلة بالأبخرة المتصاعدة؛ لتندلع النار وتحرق أجساد السارقين والمارين المسالمين، وتتلف الممتلكات والمزروعات؛ فأُزهقت تسعة أرواح، وأصيب أحد عشر آخرون.
وكانت النيابة العامة قد تلقت إخطاراً بوقوع تسريب لمواد بترولية بأرض زراعية بعزبة المواسير بمركز إيتاي البارود؛ فأمرت مركز الشرطة وإدارة الحماية المدنية والمختصين بشركة أنابيب البترول باتخاذ الإجراءات التحفظية للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وعلى إثر إخطارها باندلاع حريقٍ بالمواد المتسربة انتقلت على الفور إلى قطعة الأرض حيث تبين وجود ثلاث مبانٍ عليها - بأحدها تسع مواسير معدة للتركيب -، وانتشار رائحة مادة بترولية، ووجود آثار حريق بمواضع متفرقة من الأرض وبمصرف مجاور لها، ووجود خليط من الماء والوقود بمواضع بالأرض منها حفرة بلغت مساحتها ستة أمتار بعمق متر ونصف؛ كشف حفرها عن ماسورة حديدية كبيرة لخط أنابيب بترول مركب عليها مشبكان "Clips"، بينما انتقل أعضاء من نيابة إيتاي البارود الجزئية إلى مستشفى إيتاي البارود العام، وانتقل أعضاءٌ بنيابة شمال دمنهور الكلية إلى مستشفى كفر الدوار العام، وآخرون بنيابة غرب طنطا الكلية إلى مستشفى كفر الزيات العام حيث سألوا المصابين وناظروا جثامين المتوفين، واستكملت التحقيقات بسؤال ذوي المتوفين، وأمرت النيابة العامة بأخذ عينات من البصمات الوراثية لهم وللمتوفين للوقوف على هوياتهم، وبإجراء الصفة التشريحية للمتوفين أثبت خبراء مصلحة الطب الشرعي أن وفاتهم تعزى إلى الإصابات اللهبية النارية وما ترتب عليها من حروقٍ أحدثت صدمة أدت إلى الوفاة، وتمكنوا عن طريق مضاهاة البصمات الوراثية من تحديد هويات المتوفين، بينما ثبت من توقيع الكشف الطبي على المصابين إصابة كل منهم بحروق لهبية بنسب متفاوتة بلغ أقصاها 50%، وإصابة أحدهم بحروق من الدرجة الثانية والثالثة، وإصابة البعض الآخر منهم باختناق جراء الحريق.
وانتدبت النيابة العامة خبراء معمل الأدلة الجنائية لمعاينة مسرح الواقعة وانتهوا في تقريرهم إلى أن الحادث عبارة عن تسريب بنزين على إثر تركيب مشبكين "Clips" على الخط المار بالأرض الزراعية، وأن الحريق بدأ على هيئة اشتعال مفاجئ بأبخرة تسريبات مادة الجازولين في مصرف أبو سعيدة والمنطقة المحيطة به، لتتركز آثار النيران بالمركبات والزراعات ويتخلف عنها تخريب ست عشرة مركبة، وشَكَّلَت لجنتين الأولى خماسية لفحص ومعاينة خط البترول محل الواقعة للوقوف على حالته وأسباب تخريبه، والأخرى ثلاثية من الإدارة الزراعية بإيتاي البارود للوقوف على حالة قطعة الأرض، وسألت رئيس الأولى وأعضاءها فأكدوا وقوفهم على وجود تهتكات بالطبقة العازلة بالخط أدت إلى تسرب بنزين 95 منه إلى الأرض، وأن سبب تلك التهتكات تركيب مشبكين (Clips) عليهما محبسان مثبتان في جسم الخط، حيث تشبعت به كما تشبع الجو بأبخرته، وأن الخط يمر بمساحة 18 قيراطاً منها.
واستمعت النيابة العامة لأقوال حائز الأرض المجاورة للواقعة والذي أبصر الوقود واختلاطه بماء المجرى المائي الفاصل بين الأرضين، وشاهد أشخاصاً يسرقون الوقود، وعلم لاحقاً بأمر الحريق؛ كما استمعت لأقوال المجني عليهم ممن أصيبوا وأُتلفت أموالهم؛ فشهدوا بتجمهر الأهالي بمحيط الواقعة وسرقتهم مواد بترولية مسربة إلى أرض زراعية، ثم فوجئوا باندلاع النيران وحدوث إصاباتٍ بهم وتلفياتٍ بمركباتهم.
وسألت النيابة مأمور مركز شرطة إيتاي البارود وضباط المركز والأفراد والخفراء المكلفين بالحراسة؛ فأكدوا تكليفهم بحراسة الأرض وإرسال تعزيزات إليهم، وأنهم أمروا سارقي الوقود والمتواجدين بالمكان بالابتعاد غير أنهم لم يمتثلوا، كما سألت مدير إدارة الحماية المدنية بالبحيرة وضابطاً بها، وشاهدت ثمانية مشاهد مصورة للواقعة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأرسلت نسخاً منها إلى قسم المساعدات الفنية بالإسكندرية لتحديد سارقي المواد البترولية، حيث قام المختصون بالقسم بتحديد صور الظاهرين بتلك المشاهد وإرسالها إلى إدارة البحث الجنائي غير أنها لم تتوصل إلى الآن إلى تحديد هوياتهم، وطلبت النيابة تحريات جهة البحث والتي توصلت إلى قيام المتهمين ومجهولين بتشكيل عصابة تقوم بسرقة المواد البترولية بذات طريقة ارتكاب الواقعة من خلال ثقب خط البترول وتركيب محبس عليه لسحب المادة البترولية، وتركيب مواسير إلى الطريق الرئيسي لتسهيل نقل تلك المواد وترتب على ذلك تلف في الخط أدى إلى تسريب المواد البترولية، وأكدت أن الفنيين المختصين عملوا على إصلاح الخط ووقف التسريب غير أن التواجد الكثيف للأهالي لسرقة المواد البترولية منعهم من ذلك، وأثناء ذلك نشب الحريق، ولم تتوصل إلى تحديد مصدر اللهب المشتعل الذي أدى إلى اندلاع الحريق.
واستجوبت النيابة العامة من قُبض عليهم من المتهمين؛ فأقر متهمون بنقل مواسير إلى الأرض باستخدام سيارة وبعمل حفرة بها؛ فعاينت النيابة العامة السيارة المستخدمة بعد ضبطها، وأقر متهم آخر بتوسطه لاستئجار الأرض، واتفاقه مع الآخرين على حصوله على مبلغ مالي نظير كل سيارة تُحَمَّل بالمواد البترولية، كما طلبت صحف الحالة الجنائية للمتهمين وتبين سبق اتهام اثنين منهم في وقائع مماثلة، بينما اعترف مصابان بسرقتهما للمواد البترولية بعد تسربها.
وسألت النيابة العامة رئيس مجلس شركة أنابيب البترول ومختصين بها؛ فشهدوا بأن الخط موضوع التخريب هو خط طنطا دمنهور الرئيسي قطر 16 بوصة الناقل للمواد البترولية من المكس بالإسكندرية إلى وسط الدلتا بطنطا ثم إلى مسطرد بالقاهرة ويقع على عمقٍ يجاوز المترين تحت الأرض، وأن الشركة تتعاقد مع ملاك الأراضي المارة بها تلك الخطوط، وتضع لوحات إرشادية لتوعية المواطنين بأماكنها لاجتناب الحفر بمواقع مرورها، وأن التخريب خلف خسائر للشركة بلغت مليونين وأربعمائة وستة وتسعين ألف جنيه منها خمسمائة وخمسة وسبعين ألفاً قيمة ما أهدر من مواد بترولية، وأشاروا إلى أن من شأن التخريب التأثير على تلبية احتياجات المواطنين بالسوق المحلية، مؤكدين تعدد وقائع سرقات المواد البترولية على مدار أعوامٍ سابقة.
وإذ تعاظمت نتائج جرائم التخريب والسرقة في هذه الواقعة حتى تجاوزت الاعتداء على المال إلى حصاد الأرواح وإيذاء الأشخاص؛ فدفعت آثارها الجسيمة النيابة العامة لبحث أسباب تلك الظاهرة للحد منها، ووقفت من أسباب تفشيها على خلو القوانين من تأثيمٍ خاص لتداول المواد البترولية المستولى عليها.
وناشدت النيابة العامة المشرع تأثيمَ تداول المواد البترولية وإعادة النظر في عقوبة سرقتها، وتهيب بالمواطنين الحفاظ على المال العام، حافظوا على أرواحكم وسلامة ممتلكاتكم، احفظوا مواردكم ومقدراتكم، لا تهدروا مجهودات توفير الوقود والطاقة، لا تتركوها عرضة لعبث العابثين، ولا تجعلوها هدفاً سهلاً للمغرضين الطامعين.
وحذرت النيابة العامة من الاجتراء على المال العام، أو الاعتداء عليه، تحذر كل من يخرَّب أو يسرق أو ينقل أو يتداول؛ تحذرهم من الحساب وتنذرهم بالعقاب.
وبعرض التحقيقات على النائب العام أمر بإحالة عشرة متهمين للمحاكمة الجنائية؛ لتخريبهم عمداً خطاً من خطوط البترول، وسرقتهم كميات من المواد البترولية المارة به، ووفاة وإصابة أشخاص جراء جرائمهم، وباستمرار التحقيق للكشف عن باقي سارقي تلك المواد.