"جوريه" جمال سنغالى من رحم العبودية.. جزيرة تحوى أسرار الفصل المظلم فى تاريخ أفريقيا.. زنازينها استضافت رؤساء العالم وأبكت مانديلا.. وبابا الفاتيكان الأسبق خصها برسالة صفح وسلام.. واليونسكو أدرجتها كت

"لا شيئ تحت الشمس يشي جرائم وقعت"،السماء فى جزيرة "جوريه" بالسنغالصافية والطبيعة الخلابة كفيلة بأن تأسرك من النظرة الأولى، إلا أن جمال الصورة يخفى كثيراً من الأسرار عن انتهاكات ربما تكون الأبشع، ومذابح ربما تكون الأشرس، لتكتشف مع زيارة قصيرة للتاريخ، أن للحقيقة دائما وجهان، وأن الجمال كثيراً ما يحمل ماض أليم. فى الجزيرة التى لا تبتعد كثيراً عن العاصمة السنغالية داكار، بدأ التاريخ قبل عقود فى حفر أكثر فصول الإنسانية ظلامًا للتاريخ الإفريقى، عبر البوابة الأشهر "بوابة اللاعودة"، التى يتوافد عليها حاليًا ألاف السياح من أوروبا وأمريكا، ويفوقهم فى العدد الأفارقة الذين يأتون من كل دول القارة للاطلاع على معاناة نحو 60مليون إفريقى، ويلمسوا آخر أرض وطأتها أقدامهم فى القارة السمراء، قبل ترحيلهم إلى "العالم الجديد" حيث لا هوية ولا حقوق ولاإنسانية. خطوة واحدة فقط تضع قدمك فيها على أرض الجزيرة، تشعر بقدسية المكان، وأنت تمر بين الذاهب والآبى، تسمع بعدها رغم الزحام بداخلك، أصوات صراخ وبكاء وطلب نجدة أو حتى طلب الموت، أصوات تجبرك على البكاءمتألمًا من قسوة هذا التاريخ الذى واجهه سكان القارة السمراء، حيث كان كل شيئ مغتصب. وفى جزيرة جوريه أحد أهم معالم السنغال السياحية،والتى أدرجتهااليونيسكو ضمن التراث العالمى عام 1978، يعيش نحو 1300 شخص، يحفظون عن ظهر قلب تاريخ مركز تجارة البشر، فى الفترة من القرن الخامس عشر وحتىالقرن التاسع عشر، وتنازععليها حكام دولالبرتغال وهولندا وإنجلترا وفرنسا، حتى استقلت السنغال وانتصر الأفارقة لحريتهم، وكسروا قيودهم، ليقررونبعد ذلكأن يسامحوا لكنهم أبدًا لن ينسوا. يبدأ ديالو مامادو المرشد السياحى، جولته، بين أنحاء الجزيرة التى تحولت إلى متحف فنى لانتشار الأعمال الفنية التى يقدمها السنغاليون والأفارقة من كل الدول، المعبرة عن حكاية وتاريخ الجزيرة،من خلال "بيت العبيد" الذى كان يحتجز فيها العبيد الأسرى قبل بيعهم، و ينقسم هذا المنزل إلى مجموعة من العنابر حسب الجنس والعمر، فقد كان هناك عنبر للأطفال، وآخر للرجال، وللنساء، وللفتيات، بالإضافة إلى عنبر مخصص للأشخاص المتمرّدين ، وآخر مخصص للوزن، قبل أن يتم ترحيلهم عبر البوابة الخلفية لهذا البيت الذى يطل على المحيط الأطلسى "بوابة اللاعودة". ويحكى ديالوو أن الأفارقة المحتجزين كانوا يمضون فى هذا المنزل قرابة الثلاثة أشهر، فى الغرف التى لا يتجاوز ارتفاعها الـ160 سنتيمترًا طولا ومثلها عرضا قبل ترحيلهم، حيث ترى فى تفاصيل المبنى طابقين كان العلوى مسكنًا لتجار النخاسة الذين يستمتعون بالطبيعة الساحرة بينما الطابق السفلى المظلم مخصص للأفارقة المحتجزين، وتسكنه الرطوبة في الشتاء وتعلو حرارة الغرفة في الصيف ، وكانوا مكبلين من الرأس إلى الأقدام بأغلال وزنها 5 كيلو جرام ومسموح لهم بقضاء حاجتهم فى الخارج مرة واحدة فى اليوم، وإلا فعليهم أن يقضوها بعد ذلك فى مكانهم. ويضيف ديالو: كان هناك قواعد لبيع الأفارقة، فمن كان وزنه يصل إلى 60 كيلو جرام يصبح صالحًا للبيع، أما إذا كان أقل، فيتم تسمينه بأكل أنواع البروتينات لحين بلوغه الوزن المطلوب، وإلا يتم إلقاءه فى المحيط لتأكله أسماك القرش. وأشار المرشد السياحى إلى أنه وبعد طول الانتظار يتم إخراج الرقيق من الزنازين للتجارة، يجردون من ملابسهم ويجمعون في الفناء وسط المنزل، ويقف المشترون مع التجار في الشرفة المطلة على البناء لمراقبة العبيد أثناء تفاوضهم على الأسعار. وتتم العمليةبمقايضة الأفارقة المحتجزين كعبيد، مع مختلف أنواع البضائع حسب الحجم وقدرة الجسم على التحمل، ولكل مجموعة عرقية سعر محدد، كان يتم فرزهم كالبضائع وليس كبشر، ووفقًا للمؤرخين فأغلى العبيد كانوا الذين ينتمون إلى قبيلة اليوروبا من نيجيريا، لنشاطهم المعروف وقوة جسدهم، وصلاحيتهم للعمل في المزارع،وكذلك الفتيات العذارى، بعد ذلك يتم نقل العبيد المختارين عبر "بوابةاللاعودة"،حيث رصيف مصنوع من خشب النخيل أمامه السفينة التي تنتظر اصطحاب الأفارقة عبر المحيط حيث لن يعودوا إلى أفريقيا أبدًا. وفى الجانب المواجه لغرف بيت العبيد، خصصت غرفةلم ينفض عنها تراب الزمن، تضم بعض الوثائق، وصور الشخصيات العالمية التى زارت المكان، إضافة إلىالسلاسل والأغلال التى كان يقيد بها الرقيق، وتقوم بالتوقيع فيها داخل دفتر الزوار لتوقع تأثرك بالمكان. وتعرف من زار المكان من الشخصيات العالمية والرؤساء، من خلال رؤية الحائط الموجود بالغرفة والمعلقة عليه صور الرئيسين الأمريكيين السابقين بارك أوباما وبيل كلينتون، ورئيس جنوب إفريقيا الأسبق الراحل نيلسون مانديلا، وبابا الفاتيكان الأسبق، وآخرين. وتشرح اللوحات المعلقة وكلمات المرشد السياحى مامادو، ما فعله الرؤساء وكبار الشخصيات أبرزهم الرئيس الراحل لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، والذى زار الجزيرة عام 1991، وأصر على الدخول للمنطقة التى كانت مخصصة لمعاقبة المتمردين،وهى حجرة صغيرة أسفل السلم، غير مسموح لدخول سوىالقليل من الهواء بها، ورفض الانصياع لطلبات جنوده بعدم الدخول لضررها عليه، فخرج بعد 5 دقائق غارقًا بالدموع، متذكرًا لحظات مكافحته الاستعمار بمساوئه. وعندما زار الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما المكان قال محاولًا التماسك: "على العالم أن يظل متيقظًا تمامًا فيما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الإنسان". كما علقت رسالة "بان كى مون" الأمين السابق للأمم المتحدة والذى قالفيها:" إن الرقيتبدل شكله ويظهر من جديد في أشكال معاصرة منها بيع الأطفال، والاتجار فى النساء والفتيات للجنس، وجذور الاستعباد تكمن في الجهل والتعصب والجشع، ولا بدّ من خلق مناخ لا مجال فيه لتصور مثل هذا الإيذاء وهذه الوحشية، ومن سبلنا إلى ذلك تذكّر الماضى والاحتفاء بذكرى ضحايا تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسى". وفى زيارته لجوريهعام 1981، قال ميشيل روكار، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق:"ليس من السهل على رجل أبيض، بكل صدق، زيارة منزل العبيد والشعور بالراحة ". وزار البابا يوحنا بولس الثاني الجزيرة عام 1992،وعلانية طلب الصفحوالمغفرة باكيًا، خاصة بعد أن تحدث الكثير من المؤرخينعن دور المبشرين الكاثوليك وتورطهم في تجارة الرقيق، فقد كانت العبودية مجازة من قبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومنح البابا نيكولاس الخامس البرتغال عام 1455 مرسومًا بابويًّا أعطاها احتكارًا للتجارة في غرب أفريقيا وتضمن الحقوق الممنوحة للبرتغال بموجب المرسوم الحق في غزو ونهب واستغلال الأشخاص في عبودية دائمة. ويحتشد السياح لالتقاط الصور التذكارية مع"تمثال حرية العبيد" المجاور للمنزل، ويتمثل فى رجل أفريقى تتدلى من ذراعيه بقايا قيده المنكسر، وقد رفع رأسه كأنه يستنشق الحرية، وتتشبث به فتاة أفريقية، وقد انتصبا على طبل، فى إشارة رمزية إلى أن الطبل كان حين يقرع يتوافد الناس إليه فيتم القبض عليهم لتبدأ رحلة استعبادهم. ومن الظلام إلى النور، ترى الجانب المشرق فى المكانفرغم تاريخ العبودية القاسى، فإن الأفارقة يتعاملون معالجزيرة حاليًا مثالًا للتصالح مع الأوروبى والعالمالآخر، ويطوون صفحة الماضى إلى حيث ينتمى، وتحولت معظم بيوت العبيد إلى مؤسسات مختلفة، فمثلا كلية الطب بالجزيرة هي منزلًا سابقًا للعبيد، كذلك في الجزء الشمالى من الجزيرة توجد مدرسة ثانوية للإناث، والتىتستضيف أفضل 200 تلميذة يتم اختيارهن في جميع أنحاء السنغال ومعظمهن يتقدمن إلى جامعات مرموقة مثل اكسفورد وهارفارد. كما أن هناك مدرسة ويليام بونتى التى تأسست عام 1903، التى تخرج منها كوادر في مختلف المجالات من معلمين وأطباء ساهموا فى تغيير وجه أفريقيا، ويطلق عليها مدرسة القادة حيث خرج منها عدد من الرؤساء الأفارقة، مثل الرئيس الراحل لساحل العاج فليكس هوفوت بوني، وموديبو كيتا أول رئيس لجمهورية مالى، وحمانى جورى أول رئيس لجمهورية النيجر، ومامادو جاه زعيم الاستقلال للجمهورية، إضافة إلى الرئيس السنغالى عبدالله واد.


























الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;