بيكار الموسيقار لأول مرة.. توثيق عود الفنان التشكيلي الكبير حسين بيكار وكشف أخطاء بعض الباحثين حول تاريخ صناعته.. اكتشاف مرحلة مجهولة من تاريخه قبل أن يعرف أن اسم جده بيكار.. والاسم الذي كان يوقع به و

- نكشف.. كيف غير بيكار في تركيب عوده ليصبح أسهل في العزف وكيف حاول تقصير الأوتار لتصبح أكثر حداثة - بالصور..نسرد حكاية صناعته لآلة الطمبورية والجوهرية بالاشتراك مع الدكتور عبد اللطيف جوهر ومصير هاتين الآلتين وتاريخ صناعتهما - المخرج الكبير محمد فاضل يكشف تاريخ صنع فيلم بيكار غير المسجل ويكشف أيضا.. بليغ حمدي بطلا لفيلم مجهول قد يرى النور بعد 47 عاما من تصويره. - رحلة البحث عن آلات بيكار كانت مضنية ولولا الجامعة الأمريكية لضاعت الآلات مثلما ضاعت الكثير من اللوحات لست أشك ولو للحظة واحدة أن الفنان الكبير الراحل حسين بيكار كان موسيقارا في الأساس وضل الطريق إلى الفن التشكيلي، لكن الموسيقى أبت أن تتركه، فانسابت في ريشته بانسجام تام، للوحاته إيقاع واضح، ولألوانه هارموني نادر، تتصاعد وتتراقص، تتمايل وتغرد، عذوبة النهاوند تجدها، شقاوة البياتي تجدها، صوفية النكريز تجدها، أسى الصبا تجده، وسلطنة الرست حاضرة وبقوة. كل الأبحاث التي تناولت منجر الفنان الكبير حسين بيكار ناقصة، فأي بحث لا يتناول أثر الموسيقى في فرشاته لا يعول عليه، يعرف الجميع أن حسين بيكار فنان تشكيلي كبير، يعرفون عنه بورتريهاته التي يقترب فيها جمال الملامح الإنسانية من الكمال، يعرفون عنه لوحات أهل مصر الحقيقيين، الفلاحون الصعايدة، النوبيون، يعرفون عنه مسيرته الفنية التي حفلت بها كتب تاريخ الفن، لكن قليلون يعرفون عنه الأصل، وأصل بيكار من وجهة نظري هي الموسيقى، هذا المنهج الذي التزمه طوال حياته، هذه الروح التي سرت فيه ولم تنطفئ حتى الآن، ومن هنا أتى هذا البحث الذي حاولت فيه أن أقترب من هذا العالم السري المعشوق، أن أسير إليه "سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس" كما يقول الحلاج، حتى وصلت إليه بعد مشقة كبيرة. بيكار الموسيقار المفقود كان بيكار رحمه الله جزءا كبيرا من تاريخ الموسيقى، لكننا للأسف ضيعناه كما كدنا أن نضيعه في الفن التشكيلي لولا الراسخون في الفن الذين بشروا به واعتنوا بمنجزه، وهنا لا أدعي أنني حاولت أن أنقذ هذا التراث الراقي لفنان حقيقي، لكني فحسب حاولت أن أقف على أطلال هذا الإرث، ولا أعرف هل أشكر الصدفة أم ألعن الظروف؟ وهذه أسباب هذا التساؤل. في الكثير من الأبحاث والمقالات تأتي الإشارة إلى ذكر ميول الفنان الكبير حسين بيكار الموسيقية، ومن حين لآخر نصادف وجود تسجيل نادر لبيكار وهو يعزف أو يغني، وفي المجالين تبرز موهبة بيكار الموسيقية العملاقة، صوت شجي وغناء سليم وإحساس آسر وانضباط لحني ومقامي لا يتأتى إلا لعلماء الموسيقى، ومن حين لآخر تسمع من أحد متخصصي تاريخ الفن أن صوت بيكار كان شبيها بصوت موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في شبابه، وأنه كان كثيرا ما يحيي الحفلات مع أصدقائه، بل كالن يتكسب منها، كما يتكسب من تعليم العزف على آلة العود للراغبين قبل أن يحترف الفن التشكيلي، فأين كل هذا من التوثيق؟ بل أين آلات حسين بيكار التي عزف عليها طوال حياته؟ عالم ومجرب وحالم يزداد التساؤل مرارة حينما تعرف أن بيكار لم يكن عازف عاديا، بل كان عازف بارعا، وليس لآلة العود فحسب، بل لمعظم الآلات الوترية الشرقية، مثل البزق والطار وغيرهما، بل والأنكى من هذا أن تعرف أنه لم يكتف بالعزف على الآلات المتاحة فحسب، بل حاول اختراع آلة موسيقية جديدة تكون على قدر معقول من الشرقية والعذوبة في آن، وفي هذا حاول مع صديقه الدكتور عبد اللطيف الجوهري وربما مع صديقه الآخر "توفيق الألايلي" أشهر عازفي البزق في مصر لصناعة عدة آلات منها "ألة" أسموها الطنبورية، وآلة أخرى أسموها "الجوهرية" نسبة إلى الدكتور عبد الطيف الجوهري، وكان صانع العود الشهير "فتحي أمين" هو المنفذ لآلة الجوهرية كما هو مذكور في سيرته الذاتية التي نشرها ابنه "سيد فتحي أمين" على موقعه على الأنترنت؟ فأين آلة الجوهرية؟ لا نعرف، وأين آلة "الطنبورية"؟ لا نعرف، ومن هو الصانع الذي نفذ آلة الطنبورية؟ لا نعرف، وأين آلة العود الشهيرة التي كان يعزف عليها طوال عمره والتي خلدها الفنان أحمد صبري في أحد أشهر البورتريهات التي رسمها لبيكار؟ لا نعرف أيضا؟ وهل صحيح أن هذا العود صنع خصيصا لهذا البورتريه الشهير كما يدعي أحد الباحثين؟ لا نعرف. رحلة البحث عن آلات بيكار كثرت الأسئلة ولا من مجيب، وكما قلت لم يوثق أحد من قبل لحياة بيكار مع آلات الموسيقة، ولا نجد عن هذه الآلات ما يسمن من جوع، وهو ما فتح الباب للكثير من المدعين الذين يكتفون في مضمار البحث المضني ما يشاع على صفحات الأنترنت، فالادعاء سهل، والافتراء سهل أيضا، للأسف مات الفنان حسين بيكار وترك زوجته وحدها بعد أن سافرت ابنته الوحيدة "بالتبني" إلى انجلترا لتلقي العلاج، وتزداد المآسي حينما تعلم أن تلك السيدة الفاضلة كانت على قدر كبير من الطيبة لدرجة جعلتها تعطي العديد من لوحات الراحل للعديد من المدعين الذين كانوا يأتوا إليها مدعين أنهم سيقيموا معرضا للفنان الراحل بينما كان الغرض الرئيسي لهذا الاستحواذ هو السرقة فحسب، والأزمة تنفجر حينما تعلم أن مقتنيات هذا الفنان العظيم كادت أن تذهب إلى غير رجعة حينما كادت أن تذهب إلى بنك ناصر الاجتماعي الذي كان بدوره سيعرضها في مزاد علني ليستولي عليها كل من هب ودب، لكن الحمد لله الذي حفظ تلك المتعلقات وحفظها من الضياع، بقدرة قادر. أين هي آلات الفنان الجميل حسين بيكار؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحته على السيد "أحمد عبد الفتاح" رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض بوزارة الثقافة، وسبب توجهي بالسؤال إلى "عبد الفتاح" كان لمعرفتي المسبقة أن العناية الإلهية أنقذت بعض متعلقات بيكار قبل أن يمنحها صاحب البيت الذي عاش فيه بيكار لبنك ناصر الاجتماعي بحسب القانون، وكانت إجابة عبد الفتاح صادمة، حيث قال لي إن القطاع لم يحصل على أية آلات موسيقية من بيت الراحل، وكل ما حصل عليه بضعه لوحات واسكتشات فحسب، وعلى حد قوله فقد فقدت أشياء كثيرة لأن ولولا يقظة وزير الثقافة السابق عماد أبو غاري وسرعة استجابته لنداء الدكتورة سمية رمضان أستاذ النقد الأدبي وصديقة عائلة بيكار لضاع كل شيء، وهنا كان واجبا علي أن أتوجه إلى "أبو غازي" بالسؤال عن آلات بيكار الموسيقية، فقال لي أنه لم يرها وقت حينما حضر إلى بيت بيكار قبل أن يتصرف بنك ناصر الاجتماعي في محتويات البيت، والإجابة ربما تكون لدى الدكتورة سمية رمضان، فسألتها: فقالت أيضا أنها لا تعلم على وجه اليقين أين الآلات وربما ابنته "راندا" التي تقيم في لندن على علم بها، فاستأذنتها في أن أحدثها وهاتفتني بعد يومين لتمنحني رقمها في لندن بعد استأذانها، وحينما هاتفتها قالت لي إن بعض من آلات بيكار الموسيقية منحتها إلى الجامعة الأمريكية لكي تحافظ عليها، لكن تفاصيل هذه القضية كاملة مع السيد كريم علاء الذي يقيم في الكويت صديق عائلة بيكار الذي أشرف على هذه المهمة حينما كان في القاهرة، ثم اتصلت بالأستاذ "علاء" ليخبرني أنه جميع الآلات المتبقية في المبنى الجديد للجامعة الأمريكية بالتجمع الخامس لكنه لا يعلم في أي جناح ولا يعلم أيضا هل هي متاحة للعرض أم في المخازن. وجدتها .. وجدتها هنا اطمئن قلبي، وفي الحقيقة فإني في غاية في الامتنان للجامعة الأمريكية التي حفظت هذه الآلات من الضياع، ومن هنا بدأت التواصل مع السيدة دينا راشد من إدارة الإعلام في الجامعة الأمريكية التي أكدت أن الآلات بحالة جيدة في فتارين العرض في المبنى الجديد للجامعة الأمريكية ورحبت بزيارتي للجامعة لرؤية هذه الآلات وتوثيقها، فذهبت. بداية الكشف هو ذات العود الشهير الذي يزين أجمل لوحات بيكار وأجمل صوره الفوتوغرافية، والذي من المؤكد أن بيكار أمسك به حينما كان الفنان الرائد أحمد صبري يرسم له أشهر بورتريهاته وأشهر لوحة فنية توثق لأعواد تلك المرحلة، حيث يتشابه العود المحفوظ بالجامعة الأمريكية مع العود الموجود في لوحة صبري كثيرا، فنرى ذات شكل "الرقمة" – وهي قطعة الخشب التي توضع ما بين مربط الأوتار والشمسية- كما نرى نفس "الحجاب" - وهو قطعة الخشب الموضوع بين رقبة العود وصدره- كما نلحظ ظلالا من زخارف الرقبة في اللوحة، ونفس شكل خشب القصعة الواضح من جزء من الصورة، حيث يمكننا أن نلحظ بسهولة نفس تراتبية وضع أضلاع الخشب ما بين اللون المائل للاصفرار واللون المائل للبني، ومن وجهة نظري فإن هذا التشابه الكبير يرجح أن يكون عود "الجامعة الأمريكية" هو نفس العود الموجود في اللوحة، لكن للأسف قد تمادى أحدهم وادعي أن هذا العود صنع خصيصا لهذا البورتريه، وهو الأمر الذي جعل زيارة متحف الفن الحديث واجبة لكي أتحقق بنفسي من تاريخ رسم تلك اللوحة، وهناك وجدت أن تاريخ اللوحة يعود إلى منتصف الثلاثينيات وبالتحديد في سنة 1934، أي بعد حدوث نقلة نوعية في صناعة الأعواد تأثرا بمؤتمر الموسيقى العربية الشهير الذي عقد في 1932 والذي شهدت آلة العود بعده تغيرا كبيرا في طول الوتر ووضع الدساتين – العلامات- على رقبة العود، لكن هل عود "بيكار" يعود لنفس الفترة كما يزعم زاعم؟ الإجابة حملها ملصق بداخل العود يؤكد أن هذه الكلام خيال محض، فبرغم أن الملصق الأصلي للعود غير موجود، لكن ما هو موجود يكفي لنفي هذه الادعاءات من أساسها، فيحمل العود ملصقا يثبت تصليحه في سنة 1920 على يد الصانع الشهير عبد العزيز الليثي أحد أشهر صناع العود في أوائل القرن العشرين، ومعنى أن هذا العود خضع للإصلاح في 1920 لدرجة أن يضع المصلح ملصقا يثبت به حقه المعنوي هو أن صناعته كانت سابقة على هذا التاريخ بكثير، وهو أيضا ما يثبت أن الادعاء بأن هذا العود ينتمي إلى فترة الثلاثينيات ادعاء كاذب، وفي الغالب فإن هذا العود صنع في أوائل القرن لما سنبينه لاحقا. أول إجابة على أول سؤال والخاصة بتاريخ صناعة هذا العود تؤكد أننا لا نستطيع أن نثق فيما يتداوله البعض من ادعاءات على مواقع الانترنت، أو فيما يسمى بالأبحاث العلمية والتي تفتقد إلى معنى البحث وقيمة "العلمية" في آن، فقد كان العود متاحا لمن يبحث لكن للأسف البعض يستسهل الادعاء على البحث فتكون النتائج كارثية. في رحاب العود الشهير أستطيع أن أؤكد أن "عود بيكار" هذا من أجمل الأعواد الباقية من هذا العصر، كما أستطيع أن أؤكد أيضا أنه يحمل شهادة حية على حرفية بيكار وتمكنه من العزف على آلة العود ووقوفه على أسرارها، فقد عدل بيكار مقياس وتر العود ليمنحه حرية أكبر في الحصول على النغمات المرادة، وهذا ما دل عليه وجود آثار لمربط الأوتار في وجه العود "الفرسة" بعد وضعها الحالي بحوالي 2 سنتي متر، بما يعني أن وتر العود تم تقصيره 2 سم، لماذا؟ على الوضع القديم كان طول وتر العود حوالي 64.8 وهذا يدل على أنه وإذا علمنا أن طول رقبة العود كان حوالي 20.9 ندرك أن طول الوتر كان أكبر من ثلاثة أضعاف طول الرقبة بحوالي 2.1 سم، وهي ذات عدد السنتيمرات التي اختصرها بيكار فيما بعد ليصبح طول الوتر ثلاث أضعاف طول الرقبة مضافا إليه 1 مم فقط، ليمنحه هذا التقصير المتعمد حرية أكبر في العزف على العود. من هذا أيضا ندرك أن آلية صناعة هذا العود تتشابه مع آلية صناعة أعواد أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التي وثقها المرحوم كامل الخلعي في كتابه المرجعي "الموسيقى الشرقي" حيث قال "إن طول وتر الذي الذي رأيناه هو 64 سم وطول الرقبة 19.5، فقد كان صناع هذا الزمان مغرمين بالأوتار الطويلة نسبيا والتي تمنح صوت العود حلاوة ورصانة وفخامة يتميز بها العود الشرقي، وحينما أزاد الصانع في طول الرقبة بمقدار حاول أن يزيد في طول الوتر بقدر المستطاع ليحافظ على شخصية العود، وبشكل عام فإن العود على قدر مقبول من الصلاحية، وبالطبع يتطلب ترميما عاجل ومعالجة دقيقة للأخشاب ولحام عدة كسور في جسده، لكن بشكل عام فإن العود في حالة جيدة وما به من عيوب أمر متوقع من عود توفى صاحبه من 17 عاما. أقصى عرض لوجه العود هو 33 سم، أما طول الوجه من أسفل الرقبة وحتى الكعب فهو 52.2 سم وبذلك يصبح الطول الكلي للعود حوالي 73.1 سم، أما المسافة من مركز الشمسية إلى الكعب فهي 31.1 سم، أما عدد أطلاع قصعة العود فهو 17 ضلع بعرض يصل إلى 2.8سم، وطول يصل إلى 67سم، ويتميز هذا العود بأن وجهه كغالبية الأعواد في هذا الوقت من خشب الموسكي، والرقمة من العاج المطعم بالأبانوس، أما الحجاب فعلى شكل زخارف نباتية من العاج المطعم بالأبانوس، وكذلك سطح الرقبة "المسترة" وكذلك سطح الفرسة، ويتميز هذا العود كغالبية أعواد هذا العصر أيضا بوضع ما يسمى بـ"العراقة" وهي عبارة عن شريط من الجلد يوضع في آخر العود في المنطقة الواصلة بين القصعة والوجه وذلك لحماية وجه العود من "عرق" العازف الذي يمسك بالعود لفترة طويلة، وهي في هذا العود من الجلد الأحمر المزركش بالأسود. عن "الجوهرية" و"الطنبورينا" دلت تلك هذه التغيرات التي أحدثها بيكار في عوده على أنه كان عالما بالموسيقى وتراكيب الآلات والعلاقة بين أطوال الأوتار وتوزيع النغمات على سطح العود، وما يدل على هذا أيضا هو ما تناقل عن اختراعه لآلة تسمى بالجوهرية بالاشتراك مع الدكتور عبد اللطيف جوهر، وكنت من قبل قد سألت الموسيقار "نزار اسماعيل" الذي كان مقربا من العالم الموسيقى "جوهري" عن مصير "الجوهرية" فأكد لي أنه لا يعرف مصير هذه الآلة المخترعة، وأنه –بكل أسف- قد نهبت شقة الدكتور الجوهري بعد وفاته ولم يحد فيها أحد شيئا من تراثه الموسيقى، لكنه أهداني صورة نادرة للدكتور عبد اللطيف الجوهري ننشرها هنا وله كل الشكر. المعلومات التي أتيحت لنا عن هاتين الآلتين جاءت من فيلم تسجيلي نادر عن حياة بيكار من إنتاج "أرت سنتر" وبعنوان "صور شخصية" من سيناريو الكاتب راجي عنايت ومن إخراج محمد فاضل، وفيه يتحدث عن حياته في الفن التشكيلي والموسيقى، ولكنك تلحظ مدى توغل الموسيقى في حياته حينما ترى الوقت الذي تكلم فيه عن الموسيقى والآلات الموسيقية وكم من الوقت تكلم عن الفن التشكيلي، وقد حمل هذا الفيلم النادر إجابة على سؤال ظل يشغل ذهني كثيرا عن بيكار، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا السؤال سيمثل كشفا فنيا جديدا وسيستطيع أن يعيد إلى الضوء العديد من لوحات بيكار المنسية أو المجهولة، كما سيؤكد بما لا يدع مجالا للشك تزييف بعضها الآخر، لكني سأتحدث عن هذا الأمر لاحقا. يقول بيكار في البرنامج مقدما آلته الجديدة "هذه ألة جديدة ابتكرناها اسمها "الطمبورينا" وهي هجين من آلتي العود والطمبور "واخده بعض قصعة الطمبور ورقبة العود لكن أطول قليلا، لتمنحنا إمكانيات الآلتين" ثم بدأ بيكار في عزف بعضا من التقاسيم الشرقية الاحترافية على هذه الآلة، وبعد أن ينتهي من العزف القصير يقول وهو في غاية الأسى "برضه مش ده، فيه حاجة غلط في الآلة لأن صوتها برغم كل المحاولات اللي عملناها برضه صوت معدني" ويستطرد بيكار قائلا "ويظهر أن العيب من القصعة ولذلك فإن الدكتور جوهر مسميها الحلة" وهنا تنتقل الصورة إلى الدكتور "جوهر الذي يعزف على آلة جديدة أيضا فيقول "من زمن ونحن مشغولون بصنع آلة تكون من فصيلة العود لكن نطور من آلة العود التقليدية وأسميناها الجوهرية وتمكنا هذه الآلة من عزف ثلاث أوكتافات كاملة من قرار الدو – أي الطبقة الغليظة - وحتى جواب جواب الدو –أي حتى الطبقة الحادة جدا - وتتميز بأن يدها طويلة -يقصد رقبتها- أطول من آلة العود ونتيجة لطول اليد تمنحنا سهولة أكبر في انتقال موضع اليد وتغيير نوعية الصوت، وقد أجرى بيكار عدة تعديلات منها أنه أزاد في عمق القصعة وقطرها أقل وفي الحقيقة طلعت صوت جميل لكنه معدني، لكن مع ذلك فإن لها قيمتها لأنها تتفق مع الآلات التي دخلت إلى التخت العربي الآن مثل الأورج والجيتار الكهربائي". انتهى كلام الدكتور عبد اللطيف جوهر، عن آلته الجديدة "الجوهرية" وإذا ما تأملنا ما الذي فعله الثنالئي "جوهر – بيكار" من خلال حديثهما سنستطيع أن نتوصل إلى فكرة "الجوهرية" التي ظهر صوتها الجميل ذو الشخصية في هذا الفيلم المبهر الذي يستحق كلا من المخرج محمد فاضل والسيناريست راجي عنايت كل الشكر عليه، ففكرة الجوهرية تتلخص في أن الثنائي "جوهر وبيكار" طورا من شكل العود المصري العادي بأن جعلا رقبته أكبر من المعتاد حتى يصل العازف إلى نغمة جواب جواب الدو دون الاضطرار إلى العزف داخل وجه العود كما يفعل العازفون المحترفون، كما أنهما غيرا من نوعية أوتار العود وجعلاها "معدنية" لتعطي لنا صوتا هو مزيج من عدة آلات مثل العود والبزق والقانون، وتجدر هنا الإشارة إلى أن ما فعلاه في هذه الآلة شبيها بما فعله اللبناني "جورج بيروتي" في الآلة التي أطلق عليها اسم "الجوزيتا" والتي أحتفظ بنسخة نادرة منها، غير أن بيروتي جعل الصندوق الصوتي للجوزيتا مسطحا، كما لم يحتفظ بالشكل الدائري أو البيضاوي المميز للآلات الشرقية وجعل الصندوق الصوتي على شكل سداسي غير منتظم عبارة عن شكل مثلث من أعلى ثم شكل شبه منحرف متساوي الساقين من الأسفل، لتشبه في النهاية شكل آلة البلالايكا الروسية. بعد زيارتي للجامعة الأمريكية تأكدت للأسف من أن هذا الفيلم الذي صنعه فاضل وعنايت ربما يكون كل ما لدينا عن آلة "الجوهرية" لكن هنا يجب أن نسأل: متى تم هذا الفيلم وما عمر هذا الاختراع؟ الإجابة للأسف لم أجدها في تتر الفيلم فتوجهت إلى المخرج الكبير محمد فاضل لأسأله عن تاريخ صناعة هذا الفيلم الذي ظهرت فيه الآلتان فأكد لي أن هذا الفيلم صنع في عام 1972 ضمن سلسلة أفلام عن شخصيات فنية وثقافية وإن هذا الفيلم حصل على خمس جوائز وقت عرضه، فقد صنعه مع فيلم عن صلاح جاهين وتم عرض الفيلمين وقتها، وكان من المفترض أن يكون هناك فيلم آخر عن بليغ حمدي لكنه لم ير النور حتى وقتنا هذا لأنه تعطل في المونتاج من هذا الزمن، لكن من حسن الحظ فقد احتفظت شركة "أرت سنتر" التي أنتجت الفيم بمادته الخام، وقد أكد لي "فاضل" إمكانية ظهور هذا الفيلم بعد حوالي 47 عاما من تصويره، قائلا: كويس إنك فكرتني بيه عشان أبدأ اشتغل عليه تاني. ولا تتوقف أهمية هذا الفيلم عند حد استئثاره بعرض مجهودات بيكار وجوهر التطويرية لآلة العود واختراعهما لآلتي الطمبورينا والجوهرية، بل تمتد المفاجأت إلى أبعد من هذا بكثير، فقد جاوب هذا الفيلم على السؤال الذي حير جميع المهتمين بسيرة حسين بيكار ومسيرته، وحمل الفيلم إجابة جزئية على هذا السؤال الذي فجرته الكاتبة فوزية الأشعل في كتابها عن بيكار ولم يجب عنه، فقد قال الكاتبة في الكتاب الذي أنتجته وزارة الثقافة في 2006 إن بيكار لم يكن بهذا الاسم أصلا، وأنه نشأ وتعلم واحترف هو باسم "حسين إبراهيم أمين" وتصف الكاتبة على لسان بيكار هذا التحول (ص24-25) بالقول "اسمي حسين إبراهيم آمين، هكذا تقول الأوراق الرسمية، بعد وفاة أبي أخذت أقلب في أوراقه، أبحث عن تاريخ لزمني الذي يعود إلى جذور تركية، كنت أبحث ولا أدري عن أي شيء أبحث، وعرفت في نهاية الأمر أنني كنت أبحث عن "بيكار" أحسست أنني عثرت على كنز وهذه حقيقة، فهناك فرق بين حسين أمين إبراهيم وهو الاسم المدون في شهادة ميلادي، وبين كلمة بيكار، وهي التوقيع الذي اختاره جدي لي برفضه الزواج بعد وفاة جدتي. هكذا يحكي بيكار ويفاجئنا، صادما كثيرين من عشاق فنه الذين لم يتخيلوا أن بيكار لم يكن يعلم أنه "بيكار"، لكن السؤال هنا هو متى عرف بيكار أن اسمه بيكار، أو بمعنى أصح، متى توفى أبو بيكار فحدث هذه الواقعة؟ هنا ينبغي أن نشير إلى أن مسألة كهذي في غاية الأهمية، لأن لها دور كبير في توثيق حياة الفنان من ناحية، وإثبات أصالة بعض اللوحات إليه من ناحية أخرى، فقد ولد بيكار في 1913 والتحق بكلية الفنون الجميلة سنة 1928 وتخرج سنة 1933 فهل كان اسمه وقتها حسين أمين إبراهيم؟ أم بيكار؟ وهل سنوات عمله فيما بعد حملت اسمه الرسمي أو الاسم المهدى إليه من جده؟ جزء من الإجابة على هذه الأسئلة يمنحنا إياها هذا الفيلم المدهش الذي استعرض بعضا من وثائق التاريخ الموسيقي لبيكار فظهرت دعوة لإحدى الحفلات التي أحياها بيكار في 27 فبراير 1936 كان اسمه بها "الفنان حسين أمين إبراهيم أفندي" من هنا ندرك على الأقل أن بيكار احتفظ باسم الرسمي حتى 1936 أي بعد تخرجه بثلاث سنوات وربما أكثر، وهو ما يؤكد أنه لو ظهرت أيا من اللوحات موقعة باسم حسين أمين أو حسين أمين إبراهيم فهي بلا شك لبيكار.






































































الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;