القيم والأخلاق الحميدة هى من سمات الشعوب، فالقيم والأخلاق تبنى الشعوب أجمع، ولكن اليوم نحن أمام قضية وحشية، الأمر الذى جعل أستاذ جامعى قدوة حسنة ومعلم فاضل أن يتجرد من الإنسانية ويغتصب فتاة جامعية لم تعلم كيف يكون مصيرها، بعد أن أوهمها بالحب وجعلها تتعلق به، بل خدعها وطلب منها أن ترافقه فى منزله ليعطى لها دروسا خصوصية ليساعدها أن تتخرج بأعلى الدرجات، وظنت أنها بذلك تصبح فتاة مجتهدة لتليق به كزوجة.
بالفعل ذهبت الطالبة لمنزل أستاذها لتتلقى منه درسها الخصوصى، إلا أنها أثناء الدرس الاول وجدته يتصرف معها بطريقة مثيرة ومخيفة أيضا، حتى استطاع أن يراودها عن نفسها ويأخذ منها ما يطفئ غريزته وشهوته، وذهبت الطالبة بعدها منهارة مما حدث، لم تكون تتوقع ما حدث وهل هو حلم؟، حتى جمعت أفكارها وعادت للتحدث له، مؤكدا لها أنه سيتزوجها فى الوقت المناسب، انطلقت بعدها الفتاة وهى تعيش فى رعب مما حدث، حتى علمت بالكارثة – أنها حامل وفى شهورها الأولى، انطلقت مسرعة تستنجد به، حتى صدمها وردها رافضا مساعدتها واتهمها بانها بـ تتبلى عليه، بالفعل استطاعت الطالبة أن تجهض نفسها وتلجأ لوالدتها لتنقذها من الكارثة.
تقدمت والدة الطالبة بشكوى إلى رئيس الجامعة التى يعمل بها، ذكرت فيها أن ابنتها كانت تأخذ دروس خصوصية فى منزل أستاذ بإحدى الكليات التابعة للجامعة بمسكنه، وخلال تلك المدة أوهم ابنتها بحبه رغم فارق السن بينهما وعرض عليها الزواج والسفر للخارج إلا أنه تعدى عليها واغتصبها وبعد أن تعدى جنسياً على ابنتها تبين أنها حامل وقام طبيب بإجهاضها وأنها ذهبت إلى المشكو فى حقه فى بيته وحصلت منه على إقرار بما فعل ووقع عليه وطلبت التحقيق فى تلك الشكوى وأحيل للتحقيق ثم لمجلس التأديب بالجامعة الذى قرر عزله وأقام الأستاذ طعنه أمام الإدارية العليا على قرار مجلس التأديب بقصد عودته لعمله بالجامعة.
انتصر مجلس تأديب الجامعة للطالبة، وعزل الأستاذ الجامعى لفقدانه القيم والمبادئ، وذلك بعد التأكيد ثبوت التهم المنسوبة إليه، ولكن بدلا من الأستاذ يكتفى بما حدث ويرجع لضميره مرة أخرى – للأسف لم يكتف وتقدم بدعوى قضائية أمام المحكمة الادارية العليا على قرار التأديب الصادر من الجامعة، واستنعت المحكمة للمرافعات واستلمت المستندات على مدار جلساتها، حتى أسدلت الستار وانتصرت للفتاة وقضت بعزله لاتهامه باغتصاب إحدى طالباته أثناء إعطائه دروسا خصوصية لها فى شقته بعد أن أوهمها بحبه.
وفى حيثيات حكمها، قالت المحكمة إن الجامعة تختص بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعى وتزويد البلاد بالمتخصصين والفنيين والخبراء فى جميع المجالات وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة ليساهم فى بناء وتدعيم المجتمع وصنع مستقبل الوطن وخدمة الإنسانية، بحسبان أن الجامعات بذلك معقلاً للفكر الإنسانى فى أرفع مستوياته، ومصدر الاستثمار وتنمية أهم ثروات المجتمع وأغلاها وهى الثروة البشرية، فإن من أهم عملها واختصاصاتها مراعاة المستوى الرفيع للتربية الخلقية، وهو ما يفرض على أساتذة الجامعات التحلى بالأخلاق الكريمة والسلوك القويم بما يتفق مع التقاليد الجامعية العريقة لكونهم قدوة لطلابهم يعلمونهم القيم والأخلاق وينهلون من علمهم ما ينفعهم، فإذا ما خرج أحدهم عن إطار تقاليد الوظيفة الجامعية وتنكب بمسلكه وأفعاله وتصرفاته الطريق القويم وأتى فعلاً مزريا بالشرف والاعتبار فقد الثقة والاعتبار ويتعين بتره من الجامعة ليبقى ثوبها أبيض ناصعا، ويجب على عضو هيئة التدريس بالجامعة أن يحافظ على كرامة وظيفته وينأى عن ارتكاب أية أعمال تنال من هذه الكرامة فضلاً عن وجوب التزامه بالتمسك بالقيم والتقاليد الجامعية الأصلية وترسيخها فى نفوس الطلاب، وأن يبتعد عن كل فعل يمس نزاهته أو كرامته أو كرامة وظيفته، أو يأتى بفعل يزرى بشرف عضو هيئة التدريس هو الفعل الذى يتصل الأمر فيه بالمقومات الأساسية للقيم العليا فى الإنسان كعرضه وأمانته.
وأكدت المحكمة أن الأستاذ اعترف صراحة أمام مجلس التأديب بالجامعة، أن الطالبة المذكورة كانت تتردد عليه فى هذا المكان لأخذ أوراق محاضرات وكتب دراسية، وكانت تلك العلاقة حميمية والتى شهدت بأن تلك العلاقة حديث الطلبة بالكلية، وما كانت تلك العلاقة وذلك التلاقى ببعضهما فى غير محرم إلا أن يؤتى ثماره الآثمة فى ظل غواية من الشيطان وقد بلغت تلك العلاقة الآثمة إلى حد اغتصاب الشاكية وحملها منه سفاحاً وأنها قد أجهضت نفسها خشية الفضيحة معللة ذلك بوعده لها بأنه سوف يتزوجها.
فينا استعانت المحكمة بشهود على الواقعة لتكتمل اركان حكمها، فشهد دكتور متفرغ أمام النيابة العامة والذى يقيم بذات العقار الذى يقيم به الطاعن بأنه بعد خروجه من المسجد وجد سيدة تصرخ فى وجه الطاعن وتتهمه باغتصاب ابنتها ودخلوا فى مكان إقامة الطاعن وسأله الشاهد عن صحة ما تدعيه تلك السيدة فأخبره أن ذلك قد حصل وأنه اغتصب ابنتها وأنه على استعداد للزواج منها، كما أثبتت تحقيقات النيابة العامة ورود تقرير طبى من مستشفى تخصصى لأمراض النساء يفيد بأنه بتوقيع الكشف الطبى على الطالبة تبين أنها تعانى من نزيف رحمى وهى حامل فى الشهر الثانى وتم إجراء عملية تفريغ لها تحت مخدر عام بالمستشفى.
وانتهت المحكمة إلى أنه إزاء ما ثبت وقر فى يقين المحكمة بحق وعدل ويقين فى شأن الطاعن، فإن المحكمة لا تملك فى حدود ولايتها قصاصاً من الطاعن سوى عزله من الوظيفة إعمالاً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 110 من قانون تنظيم الجامعات والتى تقضى بأن كل فعل يذرى بشرف عضو هيئة التدريس أو من شأنه أن يمس نزاهته أو فيه مخالفة لنص المادة 103 يكون جزاءه العزل.
صدر برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وحسن محمود وأسامة حسنين نواب رئيس مجلس الدولة.