أقامت السفارة البريطانية فى القاهرة حفلها لاستقبال العاهل السعودى الملك عبدالعزيز بن سعود.. كان «عبدالعزيز» ملك السعودية ومؤسسها من 1932 إلى 1953 فى زيارة إلى القاهرة، بدأت يوم 7 يناير 1946 بدعوة من الملك فاروق، واستقبلته القاهرة استقبالا رائعا شعبيا ورسميا، وفى يوم 14 يناير، مثل هذا اليوم 1946، أعدت السفارة البريطانية حفلا فى القاعة الكبرى فى الطابق الأول منها وسط تناثر الورود، حسب وصف السفير البريطانى فى القاهرة «اللورد كيلرن» فى الجزء الثانى من مذكراته، ترجمة: دكتور عبدالرؤف أحمد عمرو.
كانت الساعة الثانية نهارا حين ذهب الملك عبدالعزيز والوفد المرافق له إلى السفارة.. يؤكد «كيلرن» أن الموعد المحدد كان الساعة الواحدة والنصف، لكنه تأجل نصف ساعة، حيث كان الملك يؤدى صلاة الظهر فى قصر الزعفران قبل توجهه إلى السفارة، يتذكر كيلرن: «كان جلالة الملك فى حالة ممتازة ويتحدث بصراحة، وخلفه مترجم، وكان يساعده «عزام باشا» أمين عام جامعة الدول العربية، وكان الحضور معه سمو الأمير سيف الإسلام عبد اللاه، ومحمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر، والشيخ يوسف ياسين، ومحمد راغب، وعزام باشا، والسفير السعودى بالقاهرة، وحسن يوسف من الديوان الملكى للملك فاروق، بالإضافة إلى الشخصيات البريطانية.
تناولت المحادثات مسألة فلسطين والعلاقات مع بريطانيا، لكن حديث الملك بدأ بإظهارمخاوفه من الخطر الروسى على منطقة الشرق الأوسط..يسجل «كيلرن»، وقائع الاجتماع فى تقرير أرسله إلى حكومته، ويأتى بنصه فى مذكراته قائلا: إن «سعود» أشار له بأن اليهود يشكلون خطرا جسيما فى الوقت الحاضر ضد الإسلام، وضد العلاقات العربية الإنجليزية، أضاف: بريطانيا ناصرت العرب فى الأيام الحالكة، ولكنه يود أن يؤكد رغبته أن تكون إنجلترا كذلك صديقة لهم فى وقت الرخاء أيضا، أى أنها صديقة لهم فى السراء والضراء، وإذا كان العرب يرتكبون بعض الحماقات من حين لآخر ضد النفوذ الإنجليزى، فإن هذا يشبه الابن الذى يتمنى لأبيه الموت، ولكن الأب نفسه يتمنى طول البقاء لابنه، وأكد مرة أخرى أنه لا شىء يؤثر فى العلاقات العربية الإنجليزية، وفى سوء التفاهم فيما بينهم طالما لا تسعى إنجلترا أن تمس العقيدة الإسلامية بأى سوء أو المساس بمستقبل العرب، وأنه ما من شىء يمكنه أن يفصم عرى صداقة العرب مع بريطانيا إلا أنه سوف يدافع عن المقدسات الإسلامية، ويقاتل من أجلها، ولو قاده ذلك إلى النضال ضد بريطانيا ذاتها التى يعتقد أنها من أوفى الأصدقاء.
تطورت المحادثات إلى مناقشات عامة عن فلسطين واليهود وملخصها طبقا لكيلرن: «إن المسلمين حكموا فلسطين لمدة 1400 عام، ولم ينتزعوها من يد اليهود، ولكن انتزعوها بحد السيف من يد الرومان، وتساءل عما إذا كان بمقدور أى دولة أوروبية أن تتخلى عن أقاليم استولت عليها خلال 1400 عاما الماضية، إن الله وعد المسلمين بأن اليهود لم يحكموهم ويعلوا عليهم وأنه لا يصدق أنهم يستطيعون، ولكن الموقف سوف يتصاعد حيث تتصاعد التهديدات وإراقة الدماء كنتيجة حتمية إذا منح اليهود حقا ليس ملكا لهم، وأنه لم يفهم حتى الآن لماذا يقوم الألمان والبولنديون بقتل اليهود واضطهادهم، وأن العرب هم الذين يدفعون الثمن؟.
أعرب العاهل السعودى عن أمله فى أن ترحب بريطانيا بالجامعة العربية إذا كانت تبغى، أى بريطانيا معرفة أمانى العرب الحقيقية وآمالهم، وأن تفكر فيها مليا دون أن تتأثر بأساليب الدعاية اليهودية.. يضيف «كيلرن» فى تقريره أن الملك سأله عن حقيقة لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية المشتركة، فأجابه بأنه لا يوجد شى يمكن أن يقدم لأمريكا، وأنه لا يستطيع أن يتبين حقيقة تدخل الأمريكان فى المسألة العربية اليهودية، وتحدث الملك عن انتصارات بريطانيا فى الحرب «العالمية الثانية»، فقال جلالته: أنه يحب ويقدر الجنود الإنجليز باستمرار، ومنذ انتهاء الحرب بالنصر ازداد تقديره للجنود الإنجليز أكثر من ذى قبل، ووجد أن هؤلاء الإنجليز لا يحبون اليهود، وهذا يزيد من حبه وتقديره لهم.
يؤكد «كيلرن»: جاء رد جلالته عن سؤال عما إذا كان فى داخل صفوف قواته العسكرية بعض اليهود، وذلك بقوله: «لعنة الله على إيران»، لأنه منذ 1400 سنة مضت لم يكن يهوديا واحد فى داخل القوات المسلحة، وأضاف جلالته بأنه طوال حياته لم تقع عيناه على يهودى، ولم يحدث ذلك إلا مرة واحدة، حينما علم بوجود أحد اليهود حينما استولى على «الإحساء»، وتصادف أن قام بزيارة إلى سوق المدينة، وشم رائحة غريبة كريهة لم تكن معروفة لديه، وبالاستفسار عن أصل هذه الريحة الكريهة، أخبروه بأن مصدرها محل لبيع الخمور الكحولية، وقال: من فعل هذا؟ فقيل له «يهودى»، وطلب أن يحضروه له فى الحال، ولكن تمكن اليهودى «الإيرانى»، من الهرب بمساعدة جرسون من الأتراك.
وأشار الملك إلى أنه لأول مرة يجلس على أرض بريطانية «يقصد السفارة البريطانية»، وقال جلالته، إنه يعتبر السفارة البريطانية وكأنها داره.