اعتاد النظام التركي بدءًا من الرئيس رجب طيب أردوغان على إيصال رسائله مُستترة عبر الخطابات الهُلامية، والتصريحات المتناقضة، ووسائل الإعلام بشقيها التقليدي والبديل، حيث الحسابات التركية الرسمية عبر موقع التدوينات القصيرة، تويتر، سواء وكالة الأنباء الرسمية الأناضول، أو القنوات الإعلامية والمواقع الإلكترونية التابعة لنظام أنقرة، وغيرها من الحسابات المنسوبة لمسئولين أتراك ذات صلة وثيقة بأردوغان.
ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي وأحد أبرز المقربين له، اعتاد كتابة التغريدات عبر حسابه على تويتر والمقالات عبر موقع "يني شفق" ما ينقل بشكل ضمني وجهة النظر التركية وسياساتها تجاه القضايا المختلفة سواء على المستوى التركي المحلي أو الخارجي. ومؤخرًا نشر "أقطاي" مقالا بعنوان "تركيا تذهب إلى ليبيا لأجل السلام لا الحرب"، محاولًا عبر سطوره تبرير تدخل أنقرة - اللاشرعي - في ليبيا بحجة مطالبة حكومة الوفاق لهم بذلك، متناسيًا أن تلك الحكومة هى فى الأساس منتهية ولايتها فى ديسمبر من عام 2017 طبقًا لاتفاق الصخيرات.
وكرر المستشار التركي استغرابه من تدخل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لحماية بلاده، والدعم المصري لحقوق الشعب الليبي والأمن القومي للمنطقة، مسيئًا للنظامي المصري والليبي، محاولًا التغطية على تعدى أنقرة على الأراضي الليبية بذريعة واهية؛ ألا وهي الاعتماد على حكومة فايز السراج - اللاشرعية -. كما ربط بين الأزمة الليبية والأزمة التركية اليونانية حيث الخلاف على الجزيرة القبرصية والتي تعدت تركيا عليها عسكريًا في يوليو من عام 1974 في انتهاك كان واضحًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والمبادئ التي تُنظم علاقات الدول فيما بينها، وهو النهج ذاته التي تتبعه تركيا في ليبيا وسوريا، محاولًا مساومة النظام المصري بين استمرار التدخل التركي في ليبيا والتوافق المصري القبرصي اليوناني.
هذا وواصل "أقطاي" المزاعم التي تبنتها جماعة الإخوان الإرهابية خلال الأيام الماضية، بأن اليونان وقبرص تخلتا عن مصر لصالح إسرائيل، على الرغم من تأكيدات عدد من الخبراء والمصريين أن هذا أمر غير صحيح على الإطلاق؛ مع التأكيد على أن مصر تسير بخطى ثابتة في اتجاه تحولها إلى مركز إقليمي للطاقة.
وعلقّ وزير البترول، المهندس طارق الملا عبر تصريحات إعلامية حول هذا الموضوع قائلًا إن اتفاقية "إيست ميد" المبرمة بين إسرائيل وقبرص واليونان لا تؤثر على المصالح المصرية مُطلقًا ولا علاقة لها بالقاهرة، موضحًا أن الدول الثلاث تستهدف في الأساس نقل الغاز إلى أوروبا لأن أسواقها المحلية لا تستوعب إنتاجها، فى ظل أن شرق المتوسط منطقة غنية بالغاز وكل دولة يجب عليها أن تؤمن ثرواتها.
إن دلالة ما يحمله المقال من مضمون تشير بشكل واضح إلى محاولات التراجع التركي عما انتهجته من سياسة في منطقة شرق المتوسط، تسببت في خسائر كبيرة لها، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فنظام أردوغان إذا التزم باتفاقيته اللاشرعية مع "السراج" سيورط بهذا الأمر بلاده في حرب لا ناقة لها ولا جمل، ما يُزيد من معاناة الاقتصاد التركي التي امتدت لشهور حتى الآن، فى حين أنه لا يُريد التراجع دون تحقيق أي نجاحات بعد ما قامت به تركيا من ضجة مُزيفة خلال الأسابيع الماضية لما سيكون له من ردّ فعل في الداخل التركي، ما سيؤدي إلى مزيد من تراجع شعبية أردوغان ونظامه. ويبدو أن النظام التركي يُحاول أن يُحقق أي مكسب من تحركاته الفاشلة تجاه ليبيا ومزيد من العداء مع قبرص واليونان من خلال مساومة النظام المصري وعرض التفاوض، ولكن على استحياء من خلال رسائل إعلامية.
المعارض التركي، جودت كامل يؤكد على فشل النظام التركي في سياساته، قائلًا في تصريحات لـ"انفراد": "يبدو أن أردوغان في مأزق ويجعل المسؤولين من حكومته يقومون بتصريحات تحتوي رسائل الحب لمصر"، مضيفًا أن "قوة مصر في المنطقة، خاصة علاقاتها بالمشير خليفة حفتر تجعل الحكومة التركية تركع أمام مصر، بدليل أن تركيا هي التي طلبت الهدنة في ليبيا عبر الوسيط الروسي"، مؤكدًا أن حكومة السراج ستسقط قريبًا، ومن ثم الاتفاقية مع أردوغان ستذهب هباءً منثورًا، فيما ستستمر مصر وقبرص واليونان في اتفاقها ومشروع الغاز الذي يثير ذعر أردوغان ونظامه وسط تأييد دولي ومن الأمم المتحدة.