كشفت دراسة أعدها مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، الأسباب التى جعلت الرد الإيرانى على قتل الولايات المتحدة الأمريكية لقائد فليق القدس قاسم سليمانى، محدودا، مشيرة إلى أنه لم تكن الضربات الصاروخية التى وجهتها إيران ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية، فى 8 يناير الجارى، رداً على العملية العسكرية التى شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وأسفرت عن مقتل قاسم سليمانى قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثورى وأبومهدى المهندس نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية ومرافقيهم، قبل خمسة أيام، على مستوى التوقعات، التى كانت ترجح ارتفاع سقف التصعيد الإيرانى بعد الخسارة الفادحة التى تعرضت لها طهران بمقتل سليمانى، الذى كان يحظى بمكانة ونفوذ كبير داخل النظام.
وقالت الدراسة إنه فور مقتل قاسم سليمانى، تصاعدت حدة التهديدات الإيرانية بالانتقام ورفع كلفة الإجراءات العقابية التى تتخذها واشنطن ضد طهران، على المستويين الاقتصادى عبر العقوبات والعسكرى باستهداف سليمانى، إلا أن إيران رأت فى النهاية الاكتفاء، على الأقل فى المرحلة الحالية، بهذه الضربات، بشكل بدا واضحا فى تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عقب الضربات، التى قال فيها أن "كل شىء انتهى ولا نسعى للتصعيد".
ولفتت الدراسة، إلى أنه رغم أن تلك التصريحات وجهت رسائل توحى بأن إيران لن تسعى إلى توسيع نطاق التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت الحالى، إلا أنها ربما لا تعبر عن النوايا الحقيقية لإيران، التى قد ترى أن هذا الخيار يمكن أن يؤجل لمرحلة لاحقة، أو قد تكلف الميليشيات الموالية لها بالقيام بتلك المهمة فى الفترة المقبلة، على غرار ما فعلت فى مراحل سابقة فى سياق إدارتها للخلافات المستمرة مع واشنطن.
وأوضحت الدراسة، أنه يمكن تفسير حرص إيران على عدم رفع سقف التصعيد، على الأقل فى المرحلة الحالية، مع الولايات المتحدة الأمريكية، فى ضوء 3 اعتبارات يتمثل أبرزها فى قوة الردع الأمريكية، حيث بدا واضحا أن الهدف الأساسى من الضربة الأمريكية التى أسفرت عن قتل قاسم سليمانى يكمن فى استعادة قدرة الردع الأمريكية فى مواجهة إيران، كما اعتبرت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن عدم تحرك واشنطن عسكرياً لمواجهة إجراءات طهران التصعيدية فى الشهور الماضية وجه رسالة خاطئة للأخيرة بأن الأولى لا تملك خيارات واسعة، خاصة فى المجال العسكرى، للتعامل معها، بما دفعها إلى الاستمرار فى تبنى هذه السياسة.
ولفتت الدراسة، إلى أن إيران أدركت أن إقدام إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى هذا التوقيت تحديداً على قتل سليمانى، رغم أن الإدارتين الأمريكيتين السابقتين كانتا تستطيعان استهدافه قبل ذلك، كان إشارة واضحة بأن إدارة ترامب تتجه إلى اتخاذ خطوات جدية لردع إيران عسكرياً، حتى لو أدى ذلك إلى رفع مستوى التصعيد وتوجيه ضربات عسكرية أكثر قوة وتأثيراً، على نحو بدا جلياً فى التهديدات التى وجهها الرئيس ترامب عقب مقتل سليمانى، والتى أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية حددت 52 هدفاً إيرانياً يمكن أن تتعرض لهجمات أمريكية فى حالة ما إذا أسفر الرد العسكرى الإيرانى على مقتل سليمانى عن وقوع خسائر بشرية أمريكية.
وأوضحت الدراسة، أن الاعتبار الثانى يتمثل فى ضغوط الوسطاء، لافتة إلى أن الأطراف التى سعت إلى التوسط قبيل ساعات قليلة من الهجمات الصاروخية الإيرانية، حاولت مماسة ضغوط على طهران من أجل ضبط حدود رد فعلها ضد المصالح الأمريكية، وعدم رفع مستوى التصعيد، الذى من الممكن أن يؤدى إلى نشوب مواجهة عسكرية مفتوحة.
وأشارت الدراسة، إلى أن الاعتبار الثالث يتمثل فى سياق غير مواتٍ، حيث فرضت الأزمات التى تواجهها إيران على المستويات المختلفة، الداخلية والإقليمية والدولية، خيارات محدودة أمامها للتعامل مع المعطيات الجديدة التى أنتجها مقتل سليمانى فى هذا التوقيت تحديدا، ويفقد النظام الإيرانى رصيده تدريجياً على مستوى الشارع الإيرانى، بشكل انعكس فى الاحتجاجات التى تندلع بين فترة وأخرى بسبب الضغوط الاقتصادية التى يتعرض لها الإيرانيون. كما يتسع نطاق خلافات إيران مع العديد من القوى الإقليمية الرئيسية فى المنطقة. فضلاً عن أنها خسرت إلى حد كبير رهانها على العوائد التى يمكن أن تحصل عليها من الاتفاق النووى والعلاقات مع الدول الأوروبية بعد الإجراءات التصعيدية التى اتخذتها على صعيد البرنامج النووى ودعمت من احتمالات انهيار الاتفاق فى المرحلة القادمة، حيث رفعت، بمقتضى الخطوة الخامسة التى أعلنت عنها فى 5 يناير الجارى، مجمل القيود التى كانت مفروضة على طاقة وحجم تخصيب اليورانيوم وعمليات البحث والتطوير المرتبطة به.
وأكدت الدراسة، أن هذا الموقف قد لا يمثل نهاية المطاف، إذ أن الضغوط التى ربما تمارسها المؤسسة العسكرية الإيرانية خاصة الحرس الثورى، لتوجيه مزيد من الضربات، وإن كانت بشكل غير مباشر، قد تدفع فى النهاية طهران إلى رفع مستوى التصعيد من جديد، خاصة أن بعض الاتجاهات الإيرانية قد ترى، على عكس كثير من التقديرات، أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ربما يضع سقفاً للخيارات التى يمكن أن يستند إليها الرئيس ترامب فى التعامل مع هذا التصعيد.