قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إن معركة على أحد مشروعات البنية التحتية فى تركيا قد تحدد شكل السباق الرئاسى القادم فيها، مشيرة إلى أن سعى رئيس البلاد رجب طيب أردوغان لشق قناة جديدة لعبور البسفور يواجه معارضا قويا وهو عمدة اسطنبول ومرشح الرئاسة المحتمل إكرم إمام أوغلو.
وأشارت الصحيفة إلى أن النقاش حول مشروع قناة اسطنبول يمكن أن يتحول إلى نقاش وجودي بين أردوغان وإمام أوغلو، مضيفة: فى السياسة، يكون للجدال العاطفى تأثيره أحيانا مثل المنطقى.
وفى الوقت الراهن، يتجاهل إمام أوغلو كل الحجج العاطفية، ويرفع شعاره فى مناهضة المشروع "إما القناة أو اسطنبول" ولو خسر أردوغان هذا النقاش، يمكن أن يكون مكلفا للغاية بالنسبة له.
وتحدثت المجلة عن المشروع الذى أعلن عنه أردوغان فى عام 2011 ووصفه بالمجنون حيث أنه يربط البحر الأسود ببحر مرمرة من موقع ثان، حيث يربط مضيق البسفور، الذى يقسم اسطنبول بين قسمين أوروبى وآسيوى، البحرين، ويتم تنظيم مرور السفر فيه من خلال اتفاقية مونترو.
ومن المتوقع أن تؤدى القناة الجديدة إلى غرب المدينة إلى تقليل المرور عبر البسفور وتخفيف المخاطر الناتجة عن هذه الحركة.
وزعم وزير النقل التركى أن الإيرادات الأولية من السفن التى تمر عبر القناة ستكون مليار دولار سنويا، لكن يصعب تبرير هذا الرقم، لأن السبب الذى يجعل السفن ستفضل القناة عن مضيق البسفور لا يزال مجهولا.
وأشارت المجلة إلى أن أردوغان لديه هوس بالمشروعات الضخمة، لكنه فى ظل اقتصاد هش وارتفاع نسبة البطالة إلى 14% وزيادة الضرائب وعدم وجود حيز مالى للمناورة، فإنه قد سيتعين عليه أن يقنع الرأى العام التركى الذى يزداد وعيا بقضية البيئة بضرورة تخصيص موارد لهذا المشروع فى الوقت الراهن.
من ناحية أخرى، يشير تقييم الأثر البيئى للقناة إلى أن حوالى 300 ألف شجرة وحدها ستضرر من المشروع .
وتبلغ المدة المقررة لتنفيذ المشروع سبع سنوات، وهو ما ستحقق عبر حوالى 360 انفجار سنويا وسيتم استخدام حوالى 4 آلاف طن من زيت نترات الأمونيوم، وفقا لخبراء جيولوجيين، وهو أمر من الصعب إقناع الرأى العام به.
وفى الوقت الراهن، لدى أردوغان خصم قوى وهو إمام أوغلو الذى يخوض معركة صعبة ضد هذا المشروع.
وتابعت فورين بوليسى قائلة إن الجدل الدائر فى تركيا لا يتعلق بفنيات المشروع، بل بالإيرادات التى يمكن توليدها عبر مرور السفن، فلا يوجد سبب واضح يدفع السفن لاستخدام القناة فى الوقت الذى يوجد فيه ممر مجانى متاح على بعد 25 ميلا إلى الشرق، هبر مضيق البسفور.
وفى دراسة استقصائية أجريت على مستوى تركيا فى ديسمبر 2019 بواسطة مجموعة اسنطنبول إيكونومى ريسيرش، أظهرت أن 49% من الجمهور لم يوافقوا على القول بأن المشروع سيولد مصادر جديدة للإيرادات.
كما أن الرأى العام غير مطلع بشكل عام على معلومات فى هذه القضية، فالاستطلاع أظهر أن معرفة الرأى العام عن المشروع قليلة وأن 49% من المشاركين قالوا إنهم ليس لديهم معلومات عنه.
ومضت الصحيفة فى القول إن أردوغان وصف المشروع بأن حلمه وأسند إستراتيجيته من قبل على الاستقطاب الإيديولوجى، كما أن شريكه فى الائتلاف ديفلت باهسيلى، رئيس حزب الحركة القومى سار على دربه ووصفه المعارضين غير المنطقيين للمشروع بأنهم غير وطنيين.
وقد اغتنم إمام أوغلو الفرصة لوضع نفسه أمام أردوغان فى مناقشة ذات أهمية وطنية من أجل تعزيز مساعيه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويضغط على أردوغان بشأن التداعيات الاقتصادية والبيئة للمشروع، ويلقى صدى لدى الجمهور على الجانبين. وعلى الصعيد الاقتصادى، ليس من الواضح كيف سيتم تمويل المشروع، على من الأموال العامة، مما يجعل الناخبون يتساءلون هل الوقت مناسب حيث يزيد العجز فى الميزانية بنسبة 70% فى عام 2019.
وخلصت الصحيفة فى النهاية إلى القول بأنه رغم إعلان أردوغان أن القناة سيتم بناءها سواء أحببتها أم لا، إلا أنه من غير المرؤد أن خطابه سيكون كافيا للفوز بالجمهور هذه المرة، لاسيما عندما يتعلق النقاش بقضايا ذات أهمية حقيقية لدى الناخبين.