توجه الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية، والفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، إلى الرئيس جمال عبدالناصر، يطالبانه بالإعلان عن خبر إغراق البحرية المصرية للغواصة الإسرائيلية «داكار»، وكان على متنها 69 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا قبالة السواحل المصرية فى الإسكندرية، حسبما يكشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى برنامجه «تجربة حياة» على فضائية الجزيرة يوم 27 فبراير 2010، لكن عبدالناصر رد، بأنه يريد يقينًا.. وقال: «لا نريد أن نقوم بالإعلان والتهليل، ونقول حققنا انتصارًا دون أن يكون لدينا دليل، وأضاف: «ليس من المعقول أن نغرق غواصة، ولا يظهر لها أثر على سطح البحر كنوع من الحطام أو بقع الزيت».
يؤكد «هيكل» أنه فى اليوم التالى بدأت قيادة البحرية المصرية فى إرسال دوريات تحاول تصوير المنطقة، والتقاط أى أثر أو صور ليكون دليلًا على الإغراق، ولما أرسلت الطائرات لنفس المهمة لم تستطع الاقتراب لأنها وجدت نشاطا إسرائيليا كثيفا حول هذه المنطقة بحريا وجويا، ولم يكن هناك داع للاشتباك لأنها كانت طائرات استطلاع، ووجد عبد المنعم رياض، هذا التواجد والنشاط الإسرائيلى بهذه الكثافة دليلا على شىء، وأثناء ذلك اندلعت مظاهرات الشباب فى مصر احتجاجا على ضعف الأحكام الصادرة بحق القيادات العسكرية التى حوكمت بسبب نكسة 5 يونية 1967، فرأى عبدالناصر أن الإعلان عن غرق «داكار» سيفسر على أنه محاولة للفت الأنظار عن مظاهرات الشباب.
يتذكر هيكل: «فى يوم 6 مارس1968 أعلن موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى عن غرق الغواصة فى نفس النقطة تقريبًا يوم 25 يناير، مثل هذا اليوم، 1968، وأعطى تفاصيل عن الضباط والجنود أمام الكنيست، ولم يكن لدينا وسيلة تقول، ماذا جرى إلا نشر ما قاله «ديان»، ثم نستشهد بتأكيد الواقعة».
يضيف هيكل، أن إسرائيل اشترت «داكار» من بريطانيا، وخرجت من ميناء بورتسموت الإنجليزى فى 9 يناير 1968، واستعدت إسرائيل لاستقبالها فى ميناء حيفا يوم 2 فبراير فى حفلة دعائية كبيرة، وعند مقربة من الحدود المصرية الغربية صدرت الأوامر لقائدها «يكوف رعنان» بالتجسس على أحواض لنشات الصورايخ المصرية بمقر قيادة القوات البحرية المصرية بالإسكندرية، وعند اقترابها لتنفيذ مهمتها بدأ التعامل معها حتى غرقت فى قاع البحر.
عدم إعلان مصر رسميا عن هذه العملية البطولية، شجع إسرائيل على محاولة طمس الحقائق حولها بإعلانها أن سبب غرقها هو أعطال فنية، وذلك حتى لا تعد واحدة من الجولات العظيمة للجيش المصرى فى حرب الاستنزاف ضد إسرائيل بعد نكسة 5 يونيو 1967، خاصة أن هذه العملية جاءت بعد نحو 3 شهور من إغراق المدمرة إيلات «21 أكتوبر 1967»، غير أن اللواء بحرى متقاعد محمد عبد المجيد عزب، كشف أسرار هذه العملية، فى حوار له بجريدة «الشرق الأوسط -لندن- 2 يوليو 2005»، قائلا «فى الساعات الأولى من صباح اليوم السابق على غرق الغواصة داكار، كنت أقود السفينة الحربية «أسيوط» لتنفيذ مهمة تدريب اعتيادية لبعض طلاب الكلية البحرية، وبعد انتهاء التدريب ولدى دخولنا الميناء لمح الطالب عادل معتوق هدفا صغيرا جدا يشق البحر لا يعرف حقيقته، فسأل زميله الطالب محمد أحمد إبراهيم، لكنه لم يعرف أيضا، فأبلغانى وبعد مراقبته اتضح أنه جزء من غواصة معادية تسير على عمق البيروسكوب فى خط مواز لخط سير السفينة أسيوط».
يضيف اللواء عزب: «قررت على الفور مهاجمة الغواصة التى انتهكت مياهنا الإقليمية، وتواجدت فى منطقة يمنع على غواصاتنا الغطس فيها، حيث تم وضع القتال وإبلاغ قيادة البحرية المصرية بما يحدث أولا بأول، ولدى الاقتراب منها غطست الغواصة التى كانت مجهولة لنا آنذاك على عمق 18 قامة، وهو أقل قامتين من العمق الذى يسمح به لغطس غواصة من نفس الطراز».. يؤكد اللواء عزب: «قمت بتقديم تقرير مفصل إلى قائد القوات البحرية اللواء فؤاد ذكرى عن غرق الغواصة، ولم يصدق كلامى على أساس أن إسرائيل أعلنت عن غرق «داكار» جنوب قبرص».
فى يوم 24 إبريل عام 1969 نشرت جريدة الأخبار، أن البحرية المصرية أغرقت الغواصة «داكار»، وفى 27 يونيو 1969 أعلنت وكالة «رويترز» أن «داكار» غرقت قرب الإسكندرية، وفى يناير 1970 نشر جمال الغيطانى، تحقيقا أكد فيه أن طلاب البحرية المصرية أغرقوا الغواصة، وأعاد الغيطانى التذكير به فى مقال له بجريدة الأخبار «فبراير 2010»، بعد أن أثار هيكل الحديث بشأن الغواصة على قناة الجزيرة.. أكد «الغيطانى» أن تحقيقه المنشور فى يناير 1970 الذى ذكر فيه «إغراق داكار»، راجعه الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، مما يؤكد حقيقة أن هذه العملية واحدة من العمليات البطولية للبحرية المصرية أثناء حرب الاستنزاف، والمعروف أن إسرائيل قامت بعد اتفاقية كامب ديفيد بست عمليات بحث عن الغواصة لكنها لم تصل إلى شىء.