فى جيل الرواد يكون الحماس مسيطرا ويكون الود حاضرا وتكون المنافسة حاضرة لكن بقيم الإبداع وشروطه، لذا عندما نتحدث عن صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى هناك الكثير الذى يربط بينهما والذى جعلهما مع فؤاد حداد النموذج الذى يسعى إليه كثير من الشعراء المعجبين بتجربتهم الثرية.
البداية.. شاعر أعجبنى
كانت بداية الخال عبد الرحمن الأبنودى عندما نشر له الشاعر الكبير صلاح جاهين أول قصائده فى مجلة "صباح الخير"، فى باب كان يحرره تحت عنوان "شاعر أعجبنى".
وتناولت تلك القصيدة مشكلة القطن آنذاك، وأعجب بها "جاهين"، وقرر نشرها مع رسم لأكبر رسامى المجلة، ويقول "الأبنودى": "تلك البادرة فتحت لى مجالًا للاتصال بالناس فى المحيط، وزيادة إقبالى على النظم، وتوطد علاقتى بصلاح جاهين، وكانت سببًا فى دخولى عالم الطرب من أوسع أبوابه".
وذلك لأن أغنية "دودة القطن" تم الاتفاق على غنائها فى الإذاعة، فاتصل بـ"جاهين" الذى أكد له ذلك، وطلب إليه أن يذهب إلى الأستاذ حسن الشجاعى فى الإذاعة.
وقابل الأبنودى حسن الشجاعى وحصل على 5 جنيهات وربع ثمن كلمات الأغنية وكذلك دعوة لكتابة كلمات 3 أغنيات جديدة.
والثورة السياسة
يقول الأبنودى: فى أحد أحاديثى الصحفية أشرت إلى أن صلاح ابتعد بالحلم طويلا عن واقعنا وأنه لا يجب أن نحلم إلا بقدر ما نحقق وعلى ما يبدو فإننى كنت جارحاً أو قاسياً بعض الشىء ولقد دعانى "جاهين" للغداء فى كافتيريا جريدة "الأهرام" ليقول لى إنه لن يكف عن الحلم، فقلت له إن علينا أن نحلم فالشعر يقوم أساساً على الحلم وأننا اذا فقدنا الحلم سنموت ولكن يجب حين نحلم أن نكون نائمين بكامل ملابسنا وأظن أن هذا الحوار هو الذى أوقف "الحوار" بيننا، وظللنا بعد ذلك نهاتف بالتليفونات.
جمع الدواوين
ثم قام الأبنودى برد الجميل وجمع دواوين صلاح جاهين القديمة لتصدر أعماله الكاملة لأول عن هيئة الكتاب، ويتذكر جاهين هذه الواقعة فى تسجيل نادر عندما سأله المذيع:«مش هتجمع أشعارك فى ديوان كبير يا أستاذ صلاح، ليجيبه: (والله أنا مكنتش ناوى أجمع حاجة بس عبد الرحمن الأبنودى والست بتاعته (يقصد السيدة عطية الأبنودى)، وسلطوا كمان معاهم الواد بهاء ابنى، أخدوا الدواوين القديمة بتاعتى، وراحوا الهيئة المصرية للكتاب وهيطلع ديوان كبير يضم كل اللى اتنشر من أشعارى فى الماضى، بما فيهم الأغانى الوطنية).
الموت
فى 21 أبريل 1986 مات صلاح جاهين فى إنجلترا وكان عبد الرحمن الأبنودى هناك فرثاه قائلا :
الاسم زى الجواهر فى الضلام يلمع..
تسمع كلامه ساعات تضحك ساعات تدمع
شاعر عظيم الهبات.. معنى ومبنى ياخال
يشوف إذا عتمت واتشبرت لاحوال
كأنه شاعر ربابة.. ساكن الموال
يقول.. وحتى إن ماقالش تحس إنه قال
ولا يقول م الكلام إلا اللى راح ينفع!!
المسألة مش قوافى قد ما هى رؤى..
الكون فى إيد البصير أصغر من البندقة
وضحكة الفيلسوف مِتجمعَّة من شقا
تفتحها تقفل عليك.. مِسا ده ولا صباح؟
والصوت ده وسط الفرح زغروتة والا نواح؟
يا بهجة الدنيا يا غنيوة الأفراح
أكلوا تمورك وراضى لو صابوك «بالنقا!!»
….....
نزل من بطن أمه..
بصراخ موزون مقفى
وكإن فنه.. دمه
وتقيل مع إنه خِفه..واسمه.. صلاح جاهين
من صغره آخر شقاوة
وله أمور عجيبة
يرسم رسومات نقاوة
ويقول حاجات غريبة... تأليف صلاح جاهين
…............
يتهيألك مكشر
هوّه بيضحك لجّوه
وحتى لو يكركر
الوش.. هوّه هوّه...ماركة صلاح جاهين
….
والده - وأنا شفته - قاضي
يزوره ف مكتبه:
«أبويا.. دايماً راضي
وأنا نفسى أكتبه...وأمضي: صلاح جاهين»
….............
يرسم يقرا الشوارع
والخلق فى الحواري
وفى النظر كان بارع
للبايع.. واللى شارى...وإرسم يا صلاح جاهين
…..
وإن حَب الرسمة تنطق
يرسم واحد تخين
تتحير لو تدقق
ده سعيد ولا حزين..لاقيه صلاح جاهين
…...
يرسم يرفع ورقته
يبعدها.. ويقربها
ويسألنا: «انبسطتوا»؟
كإنه... بيجرّبها..فينا.. صلاح جاهين
…..
وكان يغنى وطنه
بقلبه.. وبضميره
وكان عايش فى زمنه
مش فى زمن حدّ غيره..ما اسموش صلاح جاهين
….
وتعالى شوف يا صلاح
اللى جرى م اللى كان
سرقوا لون الصباح
وبهجة المكان..ومكان صلاح جاهين
…......
الظلم كِبر.. وسادد
مصرك ماعادتش هيه
أضيق من القصايد
وأوسع من رباعية...كتبها صلاح جاهين
….....
عاش عمره يشبه نفسه
وفى صدقه شخص عادى
أمله رماه ليأسه
قالك: «بلاش السنادى»..ورحل صلاح جاهين
….......
وكل ما جسده غاب
الراجل الأصيل
يحضر من الغياب
حانن لنهر النيل..وإمضة صلاح جاهين
وفى 21أبريل 2015 مات عبد الرحمن الأبنودى وكان الشعر فقط هو الحاضر.