رئيس جامعة القاهرة يطرح رؤية لتجديد الخطاب الدينى بمؤتمر الأزهر العالمى.. الخشت: لا يمكن التجديد دون تكوين عقل دينى جديد وتحديث فهم العقائد بالأديان.. ويؤكد: جمود اللغة سبب العجز أمام التطوير

شارك الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، فى فعاليات مؤتمر الأزهر العالمى المقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، تحت عنوان "تجديد الفكر الإسلامى"، حيث طرح الخشت رؤية جديدة لتكوين عقل دينى جديد؛ وأكد الدكتور الخشت، رئيس جامعة القاهرة، أنه لابد من تأسيس خطاب دينى من نوع مختلف، وليس تجديد الخطاب الدينى التقليدى، فتجديد الخطاب الدينى عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، والأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر دينى جديد. وأضاف الخشت، أنه لا يمكن تجديد الخطاب الدينى بدون تكوين عقل دينى جديد، ولا أؤمن بإصلاح العقل الدينى القديم؛ لأن العقل الدينى القديم تشكل فى ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ومعرفية طرحتها العصور القديمة، والأبنية العقلية القديمة تلاءم عصورها ولا تلائم عصرنا؛ فالزمان غير الزمان والمكان غير المكان، والناس غير الناس، والتحديات القديمة غير التحديات الجديدة. إننى أحب بيت أبى القديم لكننى لا أحب أن أعيش فيه، وأقدر تراثنا القديم لكننى أحب (أنا وغيري) أن نصنع تراثا جديدا نعيش فيه؛ فهم رجال ونحن رجال، وهم أصحاب عقول ونحن أصحاب عقول. إننى وغيرى كثيرون لا نحب أن نكون فى زمرة القائلين (بل نتبع ما ألفيناعليه آباءنا). وتابع الدكتور الخشت، أن هذا ما سعينا إليه على مستوى الخطاب الدينى فى كتابنا (نحو تأسيس عصر دينى جديد) من أجل إن كل ما جاء فى التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التى أعلنها القرآن، جهد بشرى قابل للمراجعة، وهو فى بعض الأحيان اجتهاد علمى فى معرفة الحقيقة، وفى أحيان أخرى آراء سياسية تلون النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة، وفى كل الأحوال – سواء كانت موضوعية أم مغرضة- ليست هذه الآراء وحيا مقدسا، بل آراء بشرية قابلة للنقد العلمى. وأردف رئيس جامعة القاهرة، أن العقل الدينى ليس هو الدين نفسه فى نقائه الأصلى، بل هو عقل تكون عبر التاريخ، وإذا كان الدين فى نقائه الأصلى إلهيا، فإن العقل الدينى هو عقل إنسانى يتكون فى التاريخ وتدخله عناصر إلهية وعناصر اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها ويتأثر بدرجة وعى الإنسان فى كل مرحلة. وتطوير العقل الدينى، بما فيه من مكونات لعل من أهمها علم أصول الدين، غير ممكن بدون تفكيكه، وبيان الجانب البشرى فيه. لا تكوين لعقل دينى جديد بدون تغيير طرق التفكير وتجديد علم أصول الدين وأوضح رئيس جامعة القاهرة فى رؤيته، لابد وأن يشمل تطوير العقل جوانب خمسة حاكمة له تطويرا عقلانيا نقديا بطريقة منظمة، وهي: أولا- تطوير العقل النظرى، ثانيا-تطوير العقل الدينى، ثالثا-تحرير ملكة الوجدان، رابعا-إصلاح طريقة عمل الطاقة الغريزية، خامسا-تطوير العقل العملى. وتابع، أن من أهم الشروط القبلية تكوين لعقل دينى جديد، أولا- إصلاح طريقة التفكير: لأن العقول التى ضللتها الأهواء عن البرهان والحجة العقلية، لا يمكن أن تستقيم دون إصلاح ماكينة تفكيرها قبل أى شيء. إن طريقة التفكير هى المنهج، وكما قلت فى موضع آخر:" المنهج عبارة عن الإجراءات التى تتبعها فى تفكيرك وخطوات الاستدلال التى تسير عليها، ففى عملية الاستدلال توجد خطوات، حيث تسلمك الخطوة الأولى للخطوة التالية، فمن الممكن أن تعرض الفكرة الإيجابية على شخص يفكر بطريقة سليمة، وتعرض الفكرة الإيجابية نفسها فى الوقت ذاته على إرهابى من داعش، فهل سوف يتعامل الاثنان بالطريقة العقلية نفسها مع الفكرة ذاتها؟ بطبيعة الحال لا. فالفكرة الإيجابية التى يستقبلها صاحب طريقة التفكير السليمة سوف تجعله يصل إلى نتائج وأفكار تنمية، وتطور، ومشاركة اجتماعية، وروح الفريق الواحد...إلخ. بينما الفكرة الإيجابية التى يستقبلها العقل المتطرف صاحب طريقة التفكير الخاطئة، سوف يترجمها هذا العقل المتطرف بطريقة باطلة، وسوف يصل لنتائج مختلفة وأفكار دموية، وحرق، وقتل، أى أنه من الممكن أن تكون محطة البث واحدة وقوية وإيجابية ويبقى الخطر كامنًا فى كنه عقل من يستقبل هذه الأفكار، وطريقة تفكيره إزاءها!فطريقة استقبال العقل للأفكار وترجمتها بالاستنتاج والاستدلال، هى المحك وهى الفاصل فى النتائج وطبيعتها". واستطرد، لابد من فتح العقول المغلقة وتغيير طريقة المتعصبين فى التفكير. فلن تستطيع أن تجعل إنسانا متسامحا وهو يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة ويجزم بأن الآخرين على باطل، ولن تستطيع بث أفكار عقل مفتوح فى عقل مغلق. فالعقل المغلق ليس مجهزا لاستقبالها مثلما أن التلفاز الأبيض والأسود ليس مجهزا لاستقبال محطات البث الفضائى HD . وأردف رئيس جامعة القاهرة، أن رؤية العالمWorldView؛ فلن تستطيع أن تجعل طائفة متسامحة وهى تعتقد أن الكون يقوم على لون واحد وليس ألوانا متعددة، ولن تستطيع أن تقنع إنسانًا بالتسامح وهو يعتقد أن الله يريد أن يكون الناس كلهم نسخًا من بعضهم البعض، أو أن مشيئة الله تعالى تريد الناس متطابقين وليسوا مختلفين. ولن تستطيع أن تؤثر فى إنسان يعتقد أنه مفضل عند الله على العالمين لمجرد نطقه وتلفظه ببعض الكلمات، أو لمجرد ولادته ضمن طائفة معينة. وشدد الخشت على أنه لابد من العمل على تغيير رؤية العالم وتجديد فهم العقائد فى الأديان، ولن تتغير رؤية العالم إلا إذا جعلنا الكون نفسه كتابا مقدسا واحدًا مشتركًا بين الأديان المختلفة كتبها المقدسة، فإذا كانت الكتب المكتوبة المقدسة متنوعة بين الأديان، فإن هناك كتابا مقدسا لا يجب أن يختلف عليه اثنان، وهو الكون نفسه بوصفه صناعة إلهية. وأعمال الله البادية فى كتابه الكونى تكشف عن التنوع والتعددية إلى مالا نهاية بقدر اتساع الألوهية إلى ما لا نهاية. ولا توجد فى هذا الكتاب الكونى مخلوقات أو ظواهر تشكل نسخا واحدة متطابقة بدرجة مائة فى المائة؛ مما يدل على أن التنوع والاختلاف والتعددية هى الأساس فى الكون. ولا شك أن قوانين الله فى الطبيعة تقوم على التنوع لكن لا يوجد قانون يعرض قانونا آخر، كلها تعمل فى منظومة نسقية خلاقة.. (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) سورة النحل: آية 8. واستطرد الخشت، هذه الرؤية الفلسفية للأعمال الإلهية فى كتابه الكونى المقدس، إذا ما تمكنت من العقول فإنها سوف تفته الأبواب واسعة ليس فقط على مستوى رؤية العالم، بل على مستوى تجديد فهم العقائد فى الأديان؛ وهو الأمر الذى يؤدى بالضرورة إلى فتح العقول والنفوس والضمائر أمام فكرة تقبل الآخر مهما كان مختلفا عنى وعنك، ويؤدى إلى اتساع سبل السلام أمام التسامح مع التعددية والتنوع الثقافى والحضارى والدينى والعرقى، وغلق الطرق أمام الكراهية لمجرد الاختلاف، وسد المنعطفات أمام العنف لمجرد المنافسة. وتابع، بقدر ما فى الكون من تعددية يكون اتساع عظمة الخلق الإلهى، وبقدر ما فى الوجود من تنويعات لا حصر لها يكون تنوع إبداع الألوهية اللامتناهى، وبالمِثل – ولله المثل الأعلى فى السموات والأرض وما خارجهما – يمكن التأكيد أنه بقدر ما يكون فى المجتمع من انفتاح وتنوع واختلاف تكون قوة المجتمع وتكون قوة الدولة ويكون ارتقاء ورقى الشعب، بشرط قدرة المجتمع على "إدارة الاختلاف" فى منظومة نسقية خلاقة. وأشار رئيس جامعة القاهرة، لكى نقوم بإحداث نهضة لابد من الرجوع إلى فلسفة التاريخ، وهى تكشف عن أن عصور الانتقالات الكبرى لا تتم إلا بتغيير طرق التفكير، وهو ما قام به الأنبياء الكبار والفلاسفة والمصلحون الدينيون والقادة السياسيون الكبار. وتابع الخشت، إذا كانت المعركة بين العقل القديم والعقل الجديد، تقوم فى إحدى مظاهرها على "صراع التأويلات"، فإنها لن تحسم إلا لمن يتمكن من الانتصار فى معركة تغيير "طرق التفكير"؛ فالمعارك فى كل عصور الانتقال من عصر قديم إلى عصر جديد، كانت معارك بين طرق التفكير التقليدية وطرق التفكير الجديدة. وقال رئيس جامعة القاهرة، لذلك عملنا فى جامعة القاهرة على تطوير العقل وتغيير طرق التفكير، ومن اهم وسائلنا مقررا التفكير النقدى وريادة الاعمال ومبادرة تطوير اللغة العربية. وإطلاق مشروع التنمية الاقتصادية والإصلاح الدينى وإطلاق مبادرة خذ كتابا وتطوير الامتحانات، إلخ. وتابع، وحتى الآن نجد أننا، إما لدينا فريق يريد تقليد الماضى، والماضى المقصود به ماضى آبائنا، وإما لدينا فريق آخر يريد تقليد الغرب. فعلى سبيل المثال، عندما ألف الدكتور زكى نجيب محمود كتابه "شروق من الغرب"، كان يرى أن حدوث النهضة يقتضى أن نقوم بتقليد الغرب فى كل شيء. ورد عليه الشيخ الغزالى عليه رحمه الله فى كتاب آخر بعنوان "ظلام من الغرب" . فالمسألة أصبحت إما.. وإما. فأنا أرى أنه لا الشرق ولا الغرب، طريق النهضة، لأن فكرة التقليد نفسها هى فكرة مرفوضة. فكل عصر له ظروفه، وله معادلته، وله خصائصه. فالقرآن الكريم عندما يتكلم: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ"(غافر:82) لم يكن يقصد الأحداث، بل يقصد منطق التحول التاريخى. وقال رئيس جامعة القاهرة، أن الواقع الحالى الذى نعيشه حتى الآن، يوضح أن العلوم الدينية التى نشأت حول النص الدينى تجمدت وابتعدت عن مقاصده، وتم تحويل النص الدينى من نص "ديناميكي" يواكب الحياة المتجددة، إلى نص "استاتيكي" يواكب زمناً مضى وانتهى، فالقرآن الكريم نص مرن يواجه العصر الحالى، ويواكب المتغيرات المعاصرة، وهو ما يتضح من خلال نزول القرآن على مدار ثلاثة وعشرين عاما، ومع ذلك نجد الآن أن المفاهيم التى نشأت حول القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة تجمدت وتحولت إلى نص ثابت. وتابع رئيس جامعة القاهرة، ومن ناحية أخرى، نجد أن الإصلاحيين المعاصرين لم يقوموا بالعودة إلى الكتاب فى نقائه الأول، بل عادوا إلى المنظومة التفسيرية التى أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا، واعتبروا أن كل الكتب القديمة هى كتب مقدسة، وهى تمثل المرجعية النهائية فى فهم الدين، مع أنها فى النهاية هى عمل بشرى. وقال الدكتور الخشت، وإذا استعرضنا ما تم خلال المائتى عام الماضية، سنجد من ناحية، أن كل علمائنا استعادوا كل المعارك القديمة، معارك زمن الفتنة الكبرى التى نشأت أيام عثمان بن عفان عليه السلام، ونحن لانزال نعيش فى زمن الفتنة وعصرها، عصر الصراع، والانشقاق، والتكفير، والتفجير، ومعارك الهوية، ومعارك فقه الحيض والجنس والجسد، ومعارك التمييز بين الجنسين. وفى المقابل نجد أنهم لم يدخلوا بعد المعارك الجديدة والمعاصرة، معارك التنمية، ومعارك إنتاج العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والإنسانية، ومعارك الفساد، ومعارك الحرية، ومعارك الفقر والجهل والأمية، ومعارك الدفاع عن الدولة الوطنية. وتابع الدكتور محمد عثمان الخشت، عندما ظهر دعاة الإصلاح بداية من القرن التاسع عشر، ودعوا إلى التحديث والإصلاح الدينى لم يقم أى منهم بمحاولة "تطوير علوم الدين"، بل قاموا بـ "محاولة إحياء علوم الدين"، كما تشكلت فى الماضى، وكأن النهضة تحدث بإحياء العلوم القديمة، على الرغم من أن العلوم القديمة هى علوم بشرية نشأت لكى تواكب العصر الذى وجدت فيه من مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبالتالى قد لا تكون مناسبة لعصور أخرى لها ظروفها وواقع حياتها التى قد تتباين تباينا جليا عن سابقتها. وقال الخشت، إن العلوم التى نشأت حول الدين علوم إنسانية، تقصد إلى فهم الوحى الإلهى. فالقرآن الكريم إلهى، لكن علوم التفسير والفقه وأصول الدين وعلوم مصطلح الحديث وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل..إلخ علوم إنسانية أنشأها بشر، وكل ما جاء بها اجتهادات بشرية، ومن ثم فهى قابلة للتطوير والتطور. وهذه مسلمة واضحة وليست اكتشافا، لكن المتعصبين الذين تجمد عقلهم، وتجمد معه كل شيء، رفضوا الاجتهاد، وتمترسوا خلف التقليد. وهم لا يعرفون،ولا يريدون أن يعرفوا، أن من المنطق الفاسد والخلط الزعم بأن أية علوم شرعية هى مبادئ وقواعد يقينية مطلقة تصلح لكل زمان ومكان. فالبشر ذوو عقول نسبية متغيرة، والحقيقة تتكشف تدريجيا، ولا تأتى دفعة واحدة إلا من خلال "وحي"، بل إن الوحى نفسه جاء منجما عبر ثلاث وعشرين سنة، وترك مساحة للجهد البشرى فى اكتشاف الحقائق والوقائع فى الكون، بل أيضا فى استنباط الأحكام الشرعية . وأردف رئيس جامعة القاهرة، وعلى ذلك، فكل ما جاء فى التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التى أعلنها القرآن، جهد بشرى قابل للمراجعة، وهو فى بعض الأحيان اجتهاد علمى فى معرفة الحقيقة، وفى أحيان أخرى آراء سياسية تلون النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة. وفى كل الأحوال – سواء كانت موضوعية أم مغرضة - ليست هذه الآراء وحياً مقدساً، بل هى آراء بشرية قابلة للنقد العلمى والتمحيص. ودعا الخشت، إلى تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين، فقد بات من الضرورى تفكيك الخطاب التقليدى، والبنية العقلية التى تقف وراءه، وتأسيس خطاب دينى، وأصبح يمثل ذلك حاجة ملحة. فهناك فرق بين الخطاب الدينى والنص الدينى، فالنص الدينى هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. أما الخطاب الدينى فهو عمل بشرى فى فهم القرآن والسنة يمكن إعادة النظر فيه. ويجب أن نعيد تفكيك هذا النص البشرى لكى نعيد بناء العلوم. تطوير علوم الدين. وتابع الخشت، أن كل من يعيشون فى الخطاب القديم من الداخل، لن يمكنهم تأسيس عقل دينى جديد أو خطاب دينى جديد، ولا حتى يمكنهم تجديد القديم إلا بالتهذيب أو الاختصار أو الانتقاء أو الشرح، لكنهم فى الجوهر يظلون أسرى القديم فى مناهجه ومفاهيمه وتصوراته، وما التجديد عندهم فى كثير من الأحيان إلا إبعاد لتيار قديم واستدعاء لتيار قديم آخر؛ لأنهم ببساطة ينظرون من الداخل، وحدود رؤيتهم مقيدة بإطار البناء من الداخل، ومحكومة بالمنهجيات التقليدية وطرق التفكير الموروثة والسارية. وأكد الخشت – على مستوى الخطاب الدينى - أن التجديد لا يمكن أن يأتى من المؤسسات الدينية الكلاسيكية فى أية بقعة من العالم إلا اذا كان لديها القدرة على التخارج والتعلم من دائرة معرفية أخرى. يمكن أن تحدث هذه المؤسسات تحسينا أو تجميلا هنا أو هناك، ويمكن أن تهدم حائطا وتبنى حائطا آخر، لكنها لن تستطيع أن تهدم بناءً كاملا تعيش داخله! وتابع: "والرأى عندى أنه لابد أن يأتى التجديد من دائرة معرفية خارجية أو قادرة على التخارج، وهذا ما وجدناه فى كل الأنبياء العظام والفلاسفة المبدعين، فإذا راجعت سير الرسل الكبار تجد أنهم حملوا رسائل من خارج الدائرة المعرفية لأقوامهم، وأنهم قبل الرسالة كانت لهم احتكاكات بدوائر معرفية خارجية؛ فالوحى لا يأتى عبثا. وقال الخشت، ولنضرب مثلا بالفلاسفة الكبار الذين أحدثوا تغييرا فى طرق التفكير، وعلى سبيل المثال الفيلسوف الإنجليزى هيوم والفيلسوف الألمانى كنط فى ثورتهما الفلسفية لتغيير طرق التفكير، كان مرجعهما من خارج حقل الفلسفة التقليدى، وهو العلوم الرياضية والطبيعية، وهو ما سبق تأكيده فى كتابى (العقل وما بعد الطبيعة) الصادر عام 1990 من القرن الماضى. وقال رئيس جامعة القاهرة، أن جمود اللغة أحد أهم أسباب عجزنا عن تطوير الخطاب الديني؛ فكيف يمكنك التعبير عن فكر دينى جديد بمفردات وأساليب تعبير قديمة؟ وكيف يمكن لخطاب دينى أن ينمو وهو يعيش فى قوقعة لا تنمو؟ هذا أيضا ما يجعلنى أؤكد مجددا أن المؤسسات التقليدية لا يمكن أن تطور الخطاب الدينى لأنها تستخدم اللغة القديمة بكل مفاهيمها، وتعيش فى الصدفة من داخلها، وهذه الصدفة نفسها لا تنمو! واستطرد رئيس جامعة القاهرة، أن تطوير اللغة هو أحد أهم أركان الدخول فى عصر جديد، ويجب أن تطال عمليات تغيير طرق التفكير تطوير اللغة؛ لأن اللغة لها دور فى نمو المفاهيم والتصورات ومن ثم السلوك. ومنهجية فهم اللغة تنعكس على الفكر مثلما ينعكس الفكر على منهجية فهم اللغة. هنا نعود مرة أخرى للعلاقة الديالكتيكية المتبادلة بين اللغة والفكر. والدليل على هذا ما تجده عند أهل الحَرف الذين يفهمون الكلام فهما حرفيا جامدا طبقا لمعانيه القديمة على عكس أهل المعانى الذين يفهمون الكلام وفق مقاصده وسياقه. وأتصور أن أحد أهم أسباب التطرف والتشدد هو طريقة فهم اللغة عند التيار المتشدد الذى يقف عند حدود الحرف وظاهر اللغة كما تشكلت قديما وعدم الالتفات إلى السياق التاريخى والاجتماعى للغة، فضلا عن عدم الالتفات إلى المقاصد. وهم علاوة على ذلك يعيشون فى بيت قديم هو اللغة القديمة، ومن الطبيعى إذن أن يفكروا ويستدلوا طبقا لمنطقها. ولِمَ نذهب بعيدا فى التحليل النظري؛ فيكفيك أن تقرأ لهم أو تراقب طريقتهم فى الحديث، فسوف تعرف على الفور أنهم يعيشون خارج التاريخ المعاصر، ولم يدركوا من الحداثة إلا قشورها، بل سوف تشعر بالاغتراب تجاه كلامهم وتجاه نمط تفكيرهم، وسوف توقن أن جسور الحوار منقطعة لأنها مع أناس من عالم آخر. ولذلك سوف تجدهم يكفرون أى شخص يعيش فى عالم اللغة المخالفة لهم! وتابع الخشت، إننا لو ظللنا نعيش فى النسخة القديمة من اللغة بخاصة أو من التراث بعامة، وهذا هو حالنا الآن، فسوف يستمر توقف نمونا الفكرى فى الوجود. وإذا كان وجودنا لابد أن ينمو ويتطور فلابد من تطوير الصدفة التى تحتويه، فبدون نمو الصدفة لن ينمو الكائن الحى بداخلها. واللغة هى هذه الصدفة؛ إنها مسكن الوجود الوجود الإنسانى الذى تحدث عنه مارتن هيدجر. الدراسات البينية وعدم النظر إلى علوم الدين كجزر منعزلة وأكد رئيس جامعة القاهرة، لن يتحقق الخطاب الدينى الجديد بالصورة المأمولة إلا من خلال الدراسات البينية التى يساهم فيها أكثر من إتجاه علمى، فى إطار العلوم الاجتماعية والإنسانية. فالدراسات البينية هى التى تحقق الفهم المتكامل والشامل للظواهر التى يتم دراستها. ويبدو أن الخطوة الأولى للدراسة العلمية الجادة تتمثل فى الوقوف على أهم الأخطاء المنهجية والإبستمولوجية فى البحث فى علوم الدين، والتى تتمثل فيما يلي: * الأخطاء المنهجية والإبستمولوجية فى البحث فى علوم الدين الخلط بين المقدس والبشر يعلم التفسير القديم يقوم على الصواب الواحد، وليس على تعددية المعنى وتعددية الصواب سيادة العقائد الأشعرية وتكوين روية جديدة للعالم الخلط بين الإسلام والموروثات الاجتماعية عدم التمييز الإبيستمولوجى بين قطعى الدلالة من النصوص وظنى الدلالة (تعددية المعنى والصواب). وهناك كذلك آيات ظنية الدلالة (تعددية المعنى والصواب): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ(المائدة:6).وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات: 47).وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ (البقرة:228). واستطرد، وفى ظنى الدلالة نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية بهما أشياء كثيرة تحتمل أكثر من معنى، فالقدماء كانوا يذكرون المعانى ويقولون إن هناك معنى واحدا وصحيحا، وباقى المعانى كلها خاطئة، أى أنهم قسموا العالم إلى أبيض وأسود، وإلى صواب وخطأ، فى حين أن هناك تعددية فى الصواب يجب أن يعيها العلماء والباحثين. فالآيات السابقة أمثلة للآيات ظنية الدلالة. وهناك كذلك أحاديث نبوية عديدة ظنية الدلالة، تحتمل أكثر من معنى. ومن هذه الأمثلة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل " أن لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة" (متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري)، عدم التمييز الإبستمولوجى بين اللاتاريخى (الثابت) والتاريخى (المتغير) فى الأحكام الشرعية عدم التمييز بين الإسلام والمسلمينغياب العقلانية النقديةالرؤية الأحادية للإسلام عدم التمييز بين الأحاديث النبوية المتواترة والأحاديث الآحاد وهنا يثار تساؤل مهم هو: لماذا كل هذا الخلط ولماذا كل هذه الأخطاء المنهجية؟ وأردف، تتمثل الإجابة عن هذا السؤال، أن من يقومون بكتابة الخطاب الدينى لديهم عقول مغلقة تقوم على منهجية نقلية يسيطر عليها وهم المسرح، مثل (حدثنا – أخبرنا – ابن القيم قال ..)، لا على منهجية نقدية كما سبقت الإشارة، بالإضافة إلى أن دور العلم الاقتصادى فى دراسة الظاهرة الدينية من وجهة نظرى أن الخطاب الدينى التقليدى، هو إنتاج لنمط الاقتصاد الرعوى لأننا حتى الآن فى العالم العربى لانزال نعيش فى نمط الاقتصاد الرعوى المشكل للحياة والمحدد لأنماط العلاقة والتفاعل.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;