لم يخطئ ولم يذنب ولم يكفر الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة حين ناقش قضية التراث وسمح لنفسه أن يفكر بصوت مرتفع في مؤتمر عنوانه "تجديد الفكر"، ولم يكن التراث يومًا سببًا في نصر أو هزيمة، فللانتصارات والتقدم أسباب كثيرة ليس من بينها التراث، فالمسلمون قد هزموا يوم أحد وفيهم رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) نفسه لأنهم خالفوا القواعد العسكرية التي انتصر بها المشركون عليهم بقيادة خالد ابن الوليد وقتها حين أخذوا بها،وهزم الصحابة (رضي الله عنهم) يوم حنين (وهم صانعوا التراث والحضارة) وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وولوا مدبرين حين غرهم عددهم فاستهانوا بعدوهم.
ومن يزعم أو يظن أن الإسلام قد انتصر في مؤتمر الأزهر أو أن الأمة قد عاد إليها مجدها فليراجع نفسه، لأن من تظنون أن الإسلام قد انتصر عليه رجل مسلم وموحد لا يشك أحد في دينه أو وطنيته، بل وممن لا ينكرون التراث، ومؤلفاته خير شاهد علي ذلك، أما من يظن أن الأمة قد انتصرت علي عدوها يوم مؤتمر الأزهر بالذي حدث مع الدكتور الخشت فليشاهد مؤتمر نتنياهو وترامب الذي كان في نفس اليوم، ليعلم أين نحن الآن والتراث موجود بين أيدينا وفي مكتباتنا ومناهجنا.
بالعلم والعمل والوحدة والأخد بأسباب القوة في كل المجالات فقط نستطيع أن ننتصر، ولا ننسي أن أمما لا تملك تراثا ولا حضارة بل لا أبالغ حين أقول إن الطبعة الأولي من كتاب "ألف ليله وليله" قد تكون أسبق من نشأتها، ومع ذلك تقود العالم وتفرض رأيها وسياستها وهيمنتها علي الجميع بمن فيهم نحن أصحاب التراث والحضارة.
وتبقي قضية التراث بحاجة إلي نقاش واسع دون إقصاء أحد ، وليتسع صدرنا لكل الآراء، بداية من رأي فضيلة الإمام الأكبر (الذي نجله ونحترمه)، ومرورا بجميع الآراء ووجهات النظر المعتبرة، بما في ذلك رأي الدكتور الخشت وغيره، حتي نصل إلي ما نأمله من تجديد فكري وثقافي يتناسب مع عصرنا ومعطياته وظروفه، تجديد وليس إحياء لبعض علوم أو مفاهيم بينها وبين مانعيشه الآن مابين السماء والأرض، تجديد يحترم العقل والمنطق ويساير العلوم والتطور ، بغير مساس بالقرآن الكريم وما صح من السنة ووافق القرآن والعقل والمنطق والعلم الحديث، فلا أحد يملك الحقيقة وحده، وكل يؤخذ منه ويرد، مع خالص الاحترام والتقدير لفضيلة الإمام الأكبر والدكتور محمد عثمان الخشت وجميع السادة العلماء.