أحدث قرار فصل 64 كاتبا يوم 4 فبراير 1973ونقل بعضهم إلى الهيئة العامة للاستعلامات ردود فعل واسعة خارج مصر منذ اليوم التالى لصدور القرار «5 فبراير، مثل هذا اليوم، 1973»، غير أن القائمة لم تتوقف على الـ64 وإنما شهدت إضافات حتى وصل العدد إلى 111 اسما، وذلك بسبب توقيع هؤلاء على بيان توفيق الحكيم الذى انتقد السادات بسبب عدم وضوح الرؤية فى الحرب ضد إسرائيل، وتأييد البيان لمطالب طلاب الجامعات فى مظاهراتهم .. «راجع ،ذات يوم 4 فبراير 2020».
كان أحمد بهاء الدين رئيسا منتخبا لاتحاد الصحفيين العرب وكان أحد الذين شملهم قرار الفصل الذى أصدرته «هيئة النظام» بالاتحاد الاشتراكى.. يتذكر فى كتابه «محاوراتى مع السادات» أن القرار أثار ضجة خارجية، وأمام ذلك فكرت الدولة فى حلها فاهتدت إلى أن تعيد إلى العمل الأسماء المشهورة من المفصولين، بما لا يزيد على ستة أو سبعة كتاب، على اعتبار أن ذلك سيؤدى إلى إسكات الحملة فى الخارج، وتنتهى مع الزمن علاقة الباقين بالصحافة، وقرر المفصولون رفض هذا الرأى وانتدبوا «بهاء الدين» كى يقابل اللواء ممدوح سالم وزير الداخلية لإبلاغه رسالة باسمهم لرفض ما تنتوى الدولة فعله.
ذهب «بهاء الدين» للقاء ممدوح سالم، ويشهد بهاء: «أذكر كل لقاءاتى بالسيد ممدوح سالم فى مكتبه كوزير للداخلية أو كرئيس للوزراء بكل خير، فهو رجل شديد التهذيب، هادئ الأعصاب محيط بأى قضية تحدثه فيها، ومستعد لمناقشتها أيا كان رأيه».. يعلق بهاء أنه يحكم على كثير من الوزراء والمسؤولين من جو مكاتبهم.. يقول: «هناك وزير تذهب إليه فتجد غرف سكرتارية تعج وتضج بالناس، أو تجد موظفيها فى حالة ذعر واستنفار، فإذا دخلت على الوزير وجدت مكتبه مغطى بالأوراق والدوسيهات، ولا تعرف أن تدير معه حديثا من كثرة التليفونات والداخلين للحصول على توقيعات.. ممدوح سالم كان على العكس تماما، تذهب إليه وأنت تعرف طبعا مسؤولياته الثقيلة والكثيرة سواء كوزير للداخلية أو كرئيس للوزارة فى ظروف قلقلة ومضطربة، فتدخل إليه فى الموعد المحدد لك بالضبط بدون دقيقة تقديم أو تأخير، وتجد الهدوء هو السائد وتجلس إليه بالساعة أو الساعات وهو متفرغ لك، وكأن ليس هناك ما يشغله، ونادرا ما يقاطعه تليفون أو موظف، ولاحظ هذه الملاحظة ذاتها المرحوم الأستاذ الدكتور على الجريتلى، فقد عرض عليه أن يكون نائبا لرئيس الوزراء لقطاع الاقتصاد..وزار ممدوح سالم ثلاثة أيام متتالية للحديث مطولا فى هذا الموضوع الذى انتهى باعتذار الدكتور على الجريتلى عن قبول المنصب، لأنه كما قال لى: «فهم أن الحكم لن يغير أسلوبه وأن قرارات السادات السياسية سوف تعلو على أى قرار اقتصادى».
ينقل «بهاء الدين» الحوار الذى دار بينه وبين ممدوح سالم.. يقول: «قلت له بما سمعناه وأبلغته أننا قررنا ألا يعود أحد منا إلى العمل، إلا إذا عاد الجميع، وأن الذين يفكرون فى إعادتهم من «الكبار» ليس لديهم أى مشكلة، فالدكتور لويس عوض مثلا ثلاثة عروض من ثلاث جامعات أمريكية كبرى للتدريس فيها، وأنا وبعض زملائى انهالت علينا العروض للعمل فى الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج.. ولذلك فنحن نرى أن المشكلة هى مشكلة الشباب الذين لم تتح لهم الفرصة بعد ليصنعوا سمعة كبيرة يستحقونها جميعها فهم الأولى بالعودة، ولا داعى لصدور قرار بإعادة البعض منا سيضطرونه إلى الرفض وتزداد المشكلة تعقيدا وتوترا».
ينتقل «بهاء» بعد ذلك إلى الأكثر إثارة فى مقابلته مع ممدوح سالم، قائلا: «لا أنسى أننا فى غمرة هذا الحديث، قال لى ممدوح سالم ما معناه: إن كل التقارير التى تتلقاها أجهزة الأمن ضد الصحفيين يكتبها صحفيون منكم».. رد بهاء: «هذا طبيعى، فأدق التقارير عن الطلبة لا بد أن يكتبها طلبة، وهكذا الشأن فى كل مجال ونحن نعرف الصحفيين الذين يحترفون كتابة التقارير السرية لأجهزة الأمن ضد زملائهم، ولكنكم لو تحريتم عنهم قبل أن تأخذوا بكلامهم لعرفتم أنهم من أردأ أنواع الصحفيين الفاشلين المملوء ة قلوبهم بالضغينة ضد كل صحفى ناجح».
يتذكر بهاء: «رد ممدوح سالم ردا لا أنساه لطرافته وصدقه معا فقد قال على الفور: طبعا ونحن نعرف ذلك، ولكن هل تتوقع من صحفى مستقيم حسن الأخلاق، ابن ناس، وناجح فى عمله، أن يكتب تقارير للمباحث نظير أجر، هات لى عشرة من هؤلاء ولو كانوا من متخرجى «أكسفورد» يرضون أن يكتبوا تقارير للمباحث، وسوف تستغنى المباحث فورا عن النوعية التى تكتب التقارير عادة (....)..يعلق بهاء: «أغرقنا فى ضحك طويل».