أغلقت زوجة الفريق سعد الدين الشاذلى التليفزيون، وهى فى قمة غضبها وانفعالها، وقالت «ما هذا التهريج.. هى تمثيلية سخيفة؟، فقام الزوج بتهدئتها من غضبها، وطالبها بإعادة فتح التليفزيون لاستكمال مشاهدة الحدث الذى ينقله، حسبما يتذكر فى مذكراته «حرب أكتوبر».
كان غضب الزوجة بسبب ما قام به الرئيس السادات أثناء تكريمه لقادة الجيش الذين خاضوا حرب 6 أكتوبر 1973، وحققوا انتصارا عظيما على إسرائيل، حيث تجاهل اسم الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء هذه الحرب ومنذ 16 مايو 1971، وكان التكريم فى اجتماع لمجلس الشعب يوم 19 فبراير، مثل هذا اليوم، 1974 وبحضور الرئيس الليبى معمر القذافى، ورئيس زائير «الكونغو حاليا» موبوتو سيسكو.
كانت الخلافات احتدمت بين «الشاذلى» والرئيس السادات أثناء الحرب بسبب «ثغرة الدفرسوار»، وأقاله السادات من منصبه يوم 12 ديسمبر 1973، وعينه سفيرا لمصر فى بريطانيا، وفى صباح يوم 19 فبراير 1974 توجه السادات ومعه القذافى وموبوتو إلى مبنى مجلس الشعب لحضور اجتماعه المخصص للاحتفال بالنصر، وتنفيذ الاتفاقية الأولى للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، وكان فى مقدمة الحضور، وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل، والفريق عبدالغنى الجمسى رئيس أركان الجيش، واللواء محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية، واللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى، واللواء فؤاد ذكرى قائد البحرية، واللواء أحمد بدوى قائد الجيش الثالث الميدانى.
ووفقا لجريدة الأهرام فى عددها الصادر يوم 20 فبراير 1974 ، فإن حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب ألقى كلمة الافتتاح، ثم ألقى الرئيس السادات كلمة مطولة تحدث فيها عن تطورات الحرب وبطولات الجيش المصرى فيها، وبعد ذلك بدأت عملية توزيع الأوسمة والأنواط العسكرية مصحوبة بترقيات، حيث تم ترقية الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية إلى رتبة المشير، والفريق عبدالغنى الجمسى رئيس الأركان إلى «فريق أول»، واللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية إلى «فريق»، واللواء محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى إلى «فريق» و«اللواء فؤاد ذكرى قائد البحرية إلى «فريق»، واللواء أحمد بدوى إلى «فريق»، وقام «القذافى» و«موبوتو» بالمشاركة فى تعليق الرتب الجديدة للقيادات العسكرية.
كان حدث «ثغرة الدفرسوار» حاضرا بطريقة ما فى الاحتفال بالرغم من انتهائه، فقبل أن يحصل «أحمد بدوى» على تكريمه، استجوبه السادات علنا بتوجيه عدة أسئلة له: «ادعى العدو أن السويس قد احتلت، فهل احتلت السويس؟».
وأجاب بدوى: «لم يتمكن العدو من احتلال السويس وتم تدمير جميع دباباته التى حاولت دخول السويس، وتمسكنا بالسويس وظلت صامدة، ولم ينل العدو منها أبدا»، وتابع السادات: «كانت قوات بدر تحت قيادتك حوالى 50 ألف كيلو بأسلحتها ومعداتها، فهل حافظت على المعدات والأسلحة ؟، رد بدوى: حافظت على جميع أسلحتى ومعداتى، وقاتلت العدو، ورديت على جميع اشتباكاته بعنف، وطورت الهجوم، واكتسبت أرضا جديدة، واستطرد السادات: فى لحظة من اللحظات حين تصور العدو أنه قد حاصركم وقطع عنكم الإمدادات، أصدرت أوامرى للقائد العام أن تبقوا فى أماكنكم حتى ولو فنيتم، هل حافظت على أبنائى الجنود والضباط؟».
أجاب بدوى: حافظت على الجنود والضباط وصمدنا، ولم يستطع أن ينال منا العدو وكان فى جميع اشتباكاته معنا، وفى محاولاته كان هو الخاسر..كان يخسر أكثر مما خسرنا، ونتيجة لهذا لم يجرؤ العدو أن يقوم باقتحام مواقعنا بعد أن كبدناهم خسائر جسيمة.
كان لهذا الاحتفال جانبا دراميا من نوع خاص، ففيما حصلت قيادات على التكريم اللائق نظير بطولتها فى الحرب، كان هناك تجاهل لآخرين، ويعبر سعد الدين الشاذلى عن ذلك عنه بأسى قائلا فى مذكراته «وزع السادات الأوسمة والأنواط على القادة الذين حاربوا خلال حرب أكتوبر، وحدثت همهمة بين الناس وأخذوا يتساءلون فيما بينهم: أين الشاذلى؟.. أين سعد مأمون؟.. أين عبد المنعم واصل؟.أين عبدالمنعم خليل؟».
يذكر الشاذلى، أن من سخريات القدر أنه بينما كان مجلس الشعب يحتفل، وكان هو يتابع هذا الاحتفال على شاشة التليفزيون فى منزله، تذكر ما سبق أن قاله سعد مأمون قبل الحرب: «إذا فشل العبور فسوف تطير ثلاثة رؤوس فى الهواء»، ولم يكن سعد يتصور وهو يقول هذا الكلام أن الرؤوس الثلاثة نفسها سوف تطير لو نجح العبور».
يضيف الشاذلى، أنه بينما كان السادات يقوم بعملية تسليم الأوسمة والأنواط متجاهلا اسمه، أنعمت سوريا على سعد الدين الشاذلى بأعلى وسام عسكرى، وذلك فى الحفل الذى كان يذاع على الهواء، ويتذكر الشاذلى: «حين ذكر اسمى ضحت القاعة بالتصفيق مدة طويلة حتى ظن المستمعون المصريون أننى هناك فى دمشق».