"الشيخ خلف الخلفات" أحد أبرز رموز قبائل سيناء، فى مثل هذا اليوم قبل 34 عاما، شارك فى رفع العلم المصرى على أرض مدينة رفح المصرية، بعد جلاء الاحتلال الإسرائيلى عنها.
رمز وطنى لا يزال أثره الوطنى حاضرًا وبقوة فى منطقة جنوب الشيخ على وجه الخصوص، وعموم سيناء حتى بعد رحيله، ولايزال أبناؤه ومحبوه يتذكرون دوره فى التمسك بالأرض وتعليمه لهم معنى الصمود عليها، ومقاومة بيعها لعصابات الصهاينة، ومواجهة الاحتلال بالدهاء والصبر والتأكيد أن سيناء مصرية، ولن تكون غير ذلك وأن التفريط فيها خيانة.
زاوية الجورة..
فى زواية الجورة والتى تحمل اسمه بقرية الجورة جنوب الشيخ زويد وتتكون من مسجد ومجلس ودار ضيافة وساحة، وضريح الشيخ، المكان عامرا بتواجد أحباب "الشيخ خلف"، رغم ما يحيط بهم من مخاطر العمليات الأمنية التى تشهدها مناطقهم، وحضور الشيخ لا يغيب حتى بعد رحيله عن المحبين له فهم حريصون على اقتفاء أثره وتنفيذ وصيته فى إحياء المكان، وعدم تركة تحت أى ظرف، وكل أهل سيناء الذى يمثل لهم رمزا وطنيا وقبليا.
علم مصر
" علم مصر" هو الحاضر فى مشهد ملامح المكان، والذى حرص الشيخ خلف ألا يخفق من سماء المنطقة حتى فى ظل احتلال إسرائيل لها، وهو العلم الذى كان حريصا على أن يشارك فى رفعه مع القيادات التنفيذية والسياسية والشعبية على سماء مدينة رفح فى مثل هذا اليوم لإعلان جلاء آخر جندى إسرائيلى وإنهاء احتلال سيناء.
رجل وطنى
قال الشيخ عرفات خضر سالمان، وهو خليفة الشيخ "خلف" فى زاوية الجورة، إنه كان رحمة الله عليه رجل وطنى من طراز فريد من نوعه كانت قضيته وهمه الأول الأرض ومقاومته تركزت فى عدم التفريط فيها للمحتل الذى منذ أن وطأت قدماه لها، وهو يحاول استمالة ضعوف النفوس لبيع أرضهم والحصول على وثائق بذلك، وكان الشيخ واضحا وصريحا فى رفضه لذلك، وهو ما أزعج الصهاينة فى حين مضى فى تكوين جبهة رفض للاحتلال وتصدى لمحاولة إسرائيل عقب احتلالها لسيناء فى تهويد الأرض وشرائها، كما كان ظهيرًا للمقاومين ومدافعًا عن حق أبناء سيناء.
مجموعة فدائية
وأوضح أن الشيخ خلف ولد فى عام 1930، وهو ابن لزعيم قبلى حرص فى وقته على أن يعطيه حقه من التعليم، وبدأت نوازع الفعل الوطنى فى تكوين شخصيته الوطنية على أثر حرب 1948 فقام بتأسيس مجموعة فدائية، أشرفت عليها وقتها المخابرات المصرية بقيادة "مصطفى حافظ"، قائد المخابرات المصرية فى غزة وسيناء فى ذاك الوقت، حيث كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، نفذت هذه المجموعة أعمالا فدائية استهدفت مراكز الجيش الصهيونى وخطوط المياه والمستوطنات، وتنبهت إسرائيل لخطورة المجموعة وحاولت مجموعة كوماندوز إسرائيلية اغتياله عام 1952، ثم محاولة اغتياله بواسطة أحد العملاء الذى استدرجه إلى مدينة رفح بعبوة ناسفة فى رحل البعير الذى يركبه، وتنبه للأمر بذكاء وتمكن من انتزاعها كما وجهت قوة تستقل طائرة عسكرية هجوما بالرصاص على منزله، وكان بيت شعر فى منطقة تسمى العجراء جنوب قرية الجورة ولم يكن بمنزله وقتها.
احتلال سيناء
وعقب احتلال سيناء، رفض الهجرة منها، وكان يأمر أتباعه بأن يلتزموا أماكنهم والتصدى لمغريات الاحتلال تسهيل هجرتهم لتنفيذ مخططات استعمارية ببناء المستوطنات، ووجه الأهالى أن التمسك بأرضهم وعدم تركهم مقاومة الكل يستطيع أن يقوم بها، وهو ما أزعج سلطات الاحتلال وتم إلقاء القبض عليه واحتجازه رهن التحقيق لمدة 3 أشهر متواصلة، وبعد خروجه من غرف التحقيق لم يخنع وكانت مقولته الشهيرة التى يرددها للأهالى "أن هذه الأرض أرضكم أرض الآباء والأجداد وقد عدنا إليها بقوة السلاح فلا تفريط فيها".
مخطط الإخلاء
ورأى الشيخ خلف أن المقاومة بالفعل وأن على الأهالى اتباع أسلوب جديد وهو استبدال العشش بمنازل أسمنتية لتزيدهم تمسكا والتصاقا بأرضهم، وفى 2 سبتمبر 1973 فى هذا اليوم عقدت القيادات الإسرائيلية اجتماعا مع قيادات المنطقة القبلية وأخبرتهم بسرعة إخلاء منطقة الجورة وما حولها إلى ما بعد قرية الخروبة غربا إلى العوجة حفير جنوبا وإلى الحدود الدولية شرقا وإلى أبوطويلة شمالا تلك المساحة التى تقدر بحوالى 1450 كم مربعا وتقطنها خمس قبائل.
وواجه الشيخ هذا المخطط بعقد لقاء مع مشايخ القبائل أخبرهم خلاله أن يثبتوا وألا يخبروا الأهالى بهذا الأمر، وعند علم القيادة الإسرائيلية بهذا الموقف أرسلت له الحاكم العسكرى فى وقتها "إسحاق سيجاف"، الذى وصل إليه بمجلسه، وطلب منه الجلوس معه منفردا ورفض المقابلة، فعاد الحاكم.
وقرر أن يذهب بنفسه لمقر الحكام العسكرى الإسرائيلى لسيناء ويبلغه رفض القبائل لهذا الأمر، وبالفعل ذهب لمقر القيادة بالعريش فى قوتها وقال للحاكم لن نرحل، هذه أرضنا إما أن نحيا على ظهرها أو ندفن فى باطنها وبعد عودته واصل الحث على التمسك بالأرض.
حرب أكتوبر
وعند اندلاع حرب أكتوبر وتحقيق النصر، وفى 10 أكتوبر ألقت قوة من الجيش الإسرائيلى القبض عليه، واقتادته لمقر قيادتها بالعريش وتوجهت فى نفس اللحظة قوة إسرائيلية تأمر الأهالى بإخلاء جانب من القرية تحت تهديد السلاح.
وخلال التحقيق معه وعرض عليه من القيادات المخابراتية، أن يتم بناء قرى حديثة لهم وبها مساجد ومجالس تتناسب وطبيعتهم، ولكنه رفض كل تلك العروض مستندا إلى أن حقهم فى أرضهم لا يقبل تفاوضا وأنهم قد لا يستطيعون مقاتلة إسرائيل ولكنهم سيموتون دون أرضهم، واستمر الاعتقال أكثر من 6 شهور أعقبها الإفراج عنه بعد ما فشلت كل الحيل للنيل منه.
رفع العلم
وتابع الشيخ عرفات سرده جانب من سيرة الشيخ خلف أنه كان سعيدا وهو يرفع العلم على سيناء بعد تحريرها فى مدينة رفح، وكان حريصا حتى بعد جلاء احتلال سيناء على تذكير كل من حوله بالأهداف الخفية للاحتلال وأطماعهم فى سيناء حتى توفاه الله صباح الثلاثاء 2 سبتمبر فى عام 2009.
حالة صمود
أضاف الشيخ عرفات، أنهم بعد رحيله لا يزالون متمسكين بأرضهم ولم تقتلعهم منها كل ما يحيط بهم الآن من أحداث، لافتا أن الوضع فى مناطقهم ليس بالسهل فهم يفتقدون كل ما يعينهم على البقاء من نقص الخدمات ومع ذلك لايزالون فى حالة صمود ويقينهم أن الأرض عرض ولن يبرحوها.