وسط أكوام من القمامة، فى مناطق عشوائية بمحافظة بورسعيد، هنا تقطن عدد من سيدات الأعمال.. هؤلاء هن المليونيرات على الورق؛ "م. ع" امرأة خمسينية تقطن "عشة" عبارة عن حجرة خشبية بمنطقة السيد متولى، التي تعد من أفقر مناطق محافظة بورسعيد وأكثرها عشوائية، تروى قصة مثلت حال مئات الضحايا من السيدات الفقيرات، التي استغلت عصابة من المهربين فقرهم وحاجتهم الملحة للمال، لخداعهن واستخدام أسمائهن في تأسيس شركات استيراد وهمية أغرقت مصر بآلاف البضائع المغشوشة وغير المطابقة للمواصفات، ربحوا المليارات التي أهدروها على اقتصاد الدولة، وراح ضحيتهم المئات من الفقيرات اللاتى لا ناقة لهن ولا جمل.
في عام 2008، تعرضت "م.ع" لحبس زوجها 15 عاما، وترك لها أطفالا صغارا وأمها المريضة التي تسكن معها، فوجئت في إحدى الأيام بزيارة من جارة لها تدعى فاطمة أو أم أحمد كما يعرفها أبناء المنطقة، تعرض عليها عرضا يتمثل في العمل مع محام تعمل لديه، يأخذ منها بطاقتها وتقوم بتوقيع بعض التوكيلات التي لا تدرى ماذا يفعل بها، مقابل 5 آلاف جنيه، تحصل عليها على دفعات، وهو العرض الذى قبلته "م.ع" لتجد وسيلة تنفق على أبنائها.
مؤخرا فوجئت "م.ع" بأن الشرطة تبحث عنها لتنفيذ أحكام غيابية بالسجن، في قضايا تهرب ضريبى وجمركى، قامت بها شركات عدة مسجلة باسمها، لا تعرف عنها شيئا، ورغم أنها مليونيرة على الورق إلا أنها تعمل خادمة في البيوت حتى تجد قوت يومها.
أحلام أيضا وقعت في ذات الفخ، وهى القاطنة في حى الزهور ببورسعيد، يروى محمود على زوجها المريض المسن وابنتها، قصتها حيث كان يعانى الزوج من أزمة صحية تطلبت إجراء عمليات جراحية فى عام 2012، ولم يكن بمقدوره تحمل تكلفتها، وفى وقت احتجازه بالمستشفى، جاءت نفس السيدة والتي تدعى فاطمة أم أحمد، إلى الزوجة أحلام وأقنعتها بتوقيع التوكيلات للمحامى مقابل 5 آلاف جنيه على دفعات، حصلت منها على 3 آلاف جنيه فقط، ووعدتها الجارة هي وغيرها من السيدات اللاتى يعانين ظروفا صعبة في المنطقة بأن هذا الأمر لا يسبب أي ضرر على الإطلاق، حتى إن كافة نساء هذه العمارة وقعن توكيلات لهذا الشخص لا يعرفن عنها شيئا، مقابل هذا المبلغ الزهيد من المال.
ومرت سنوات، حتى فوجئت ساكنات البناية بالشرطة التي تبحث عن الكثير منهن في قضايا تهرب جمركى وتعويضات ضريبية بملايين الجنيهات اللاتى لا يملكن حتى القليل منها، وتم القبض على السيدة أحلام ضمن الحالات التي تم القبض عليهن قبل أيام، بحسب ما يروى الزوج المكلوم، ولا يعرفن شيئا عنها ولا كيف تخرج من هذه المصيبة.
ولم تكن حال "و.ع" الشابة الثلاثينية أفضل حالا من غيرها من الضحايا، فلا يمكنها الحصول على أي مزايا اجتماعية أو معاشات كتكافل وكرامة رغم استحقاقها الشديد الذى أثبته فريق البحث الاجتماعى الذى بحث حالتها، بسبب الشركات العديدة المسجلة باسمها والتي تؤكد أنها "مليونيرة على الورق".
تقول "و.ع": "لا يمكننى تحمل الحبس، ليس لأجلى ولكن لأجل بناتى الثلاثة اللاتى ليس لهن سواى"، وتؤكد أن آخر أمل لديها هو الحصول على شقة الإسكان الاجتماعى التي تقدمت بطلب الحصول عليها من المحافظة، لتنقذها وهى وبناتها من العيش 12 عاما في شقة حماتها، دون أن تجد مكانها آخر تعيش فيه، وقد لا يمكنها الحصول عليها بسبب هذه الشركات الوهمية، مطالبة بمساعدتها في إيجاد حل للتخلص من هذه المشكلة.
ويوضح طارق محمد محامى 40 من الضحايا، أن الموضوع يتلخص في قيام شخص ضمن تشكيل عصابى منظم يعمل في بورسعيد، باستغلال أسماء هؤلاء السيدات في تأسيس شركات وهمية تستورد بضائع غير مطابقة للمواصفات تخرج من الجمرك على السبيل التحفظ، ويقوم ببيعها، وعندما تنتهى نتائج التحاليل لعدم صلاحية البضائع، يتم تحرير محاضر تبديد وتهريب جمركى لهذه الشركات، ويتم عمل 10 – 15 قضية لكل حالة في وقائع مشابهة، خلال الفترة من 2011 حتى 2018 ومازال يعمل حتى الآن، وتكون النتيجة أن تجد هؤلاء السيدات أنفسهن مطلوبات للمثول أمام العدالة في قضايا تهريب وتعويضات بالملايين وهن لا يجدن قوت يومهن ومقضى ضدهن بأحكام جنائية غيابية، وفى المقابل ينعم الجانى بحياته الطبيعية دون أن يحاسبه أحد على جرائمه.
وأكد المحامى إنه تقدم ببلاغ للمحامى العام، طاعنا بالتزوير في أوراق رسمية، حيث لم توقع أي من الضحايا على أوراق تأسيس هذه الشركات، وهناك من يقوم بالتهريب وغسل الأموال والإضرار بالاقتصاد القومى، وفى النهاية تقع العقوبة الجنائية على سيدات بسطاء في جريمة لم يرتكبنها ولا يعرفن عنها شيئا.
من جانبه قال النائب مدحت الشريف عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن الحل الوحيد لإخراج هذه السيدات من القضايا، هو الطعن على صورية العقود وأنهم ليسوا الأشخاص الحقيقيين المديرين لهذه الشركات والفاعلين لهذه المخالفات، حتى تصدر النيابة العامة قراراتها بعملية التحرى وتكليف المباحث أو الجهات الرقابية لعمل تحرياتها عن صورية هذه العقود.
وشدد الشريف، على أن هذه الوقائع تطلق صافرة إنذار بأن فكرة الكحول أو ما يطلع عليه الحبسنجى، الذى يوضع كستار لممارسة عمل غير شرعى، أمر يجب مراجعته من الأجهزة الرقابية بشكل عام، وأن تكون تحرياتها أدق في هذا الشأن حتى تحمى الكثير من البسطاء وتحمى اقتصاد الدولة.
وفى الوقت الذى ينعم فيه المهربون بالملايين دون أن يمسسهم أحد على جرائمهم، تعانى الضحايا من الفقر والهرب من أحكام السجن والغرامات، لتبقين في نظر الجهات الرسمية "مليونيرات على الورق".