هاجم الرئيس جمال عبدالناصر وبعنف، نظيره السوفيتى خرشوف من داخل المسجد الأموى الكبير فى العاصمة السورية دمشق يوم 16 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1959.. قال: «دفاع خرشوف عن الشيوعيين فى بلادنا أمر لا يمكننا قبوله، ويعتبر تحديا لإجماع الشعب فى وطننا.. إننا لن نبيع بلادنا لا بملايين الدولارات، ولا بملايين الروبلات، وخرشوف حر فيما يقول ويفعل فى الاتحاد السوفيتي، أما نحن فلسنا تحت وصاية أحد».
كان عبد الناصر فى سوريا بصفته رئيسا للجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا».. كان حدث الوحدة بين مصر وسوريا «22 فبراير 1958» يسيطر على المنطقة وعلى صراع القطبين الأمريكى السوفيتي، وفرضت أحداث ثورة العراق 14 يوليو 1958 نفسها لترتفع حدة الخلافات بين «عبد الناصر» و«خرشوف»، وكان وضع «الشيوعية» كأيدلوجية فى المنطقة العربية والشيوعيين العرب هو محور هذه الخلافات.
يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»: «فى شهر فبراير 1959 انعقد فى موسكو المؤتمر الواحد والعشرون للحزب الشيوعى السوفيتي، ودعيت كل الأحزاب الشيوعية العربية إلى المشاركة، وكان ذلك شيئا مألوفا، ولكن الذى بدا خارجا عن المألوف أن زعماء الأحزاب الشيوعية العرب، وعلى رأسهم «خالد بكداش» زعيم الحزب الشيوعى السورى أخذوا أماكن متميزة فى قاعة المؤتمر، كما تهيأت لهم الفرصة لإلقاء خطابات من على منصاته، وجاءت حافلة بالهجوم على الجمهورية العربية المتحدة لأنها تحل الأحزاب الشيوعية العربية، وتعادى الشيوعية كعقيدة، وتطاردهم فى العراق، وتحرض عليهم وتحاصر نشاطهم الديمقراطي، وأن هذا كله يضع حكامها فى صف «الفاشيست» و«الهتلريين».. يضيف هيكل، أنه بدا غير مألوف أن «خرشوف «دعا خالد بكداش إلى الوقوف بجواره على منصة المؤتمر، حيث التقطت لهما صور تذكارية نشرت إحداها جريدة «برافدا» (لسان حال الحزب الشيوعى السوفيتى)، ومعنى هذا بوضوح فى القاهرة ودمشق أن القيادة السوفيتية ممثلة فى خرشوف وجدت أن الفرصة مناسبة لكى تقف علنا مع الشيوعيين العرب».
يرى هيكل: «أن خرشوف كان يقدر أن احتياج الجمهورية العربية المتحدة للسلاح السوفيتي، ولتمويل السد العالى سيكون قيدا على حركتها، وأضيف إلى ذلك أيضا أن القاهرة كانت قد وضعت لنفسها برنامجا نوويا طويل المدي، وكانت الخطوة الأولى فيه هى إقامة مفاعل نووى، وقد فوتح الاتحاد السوفيتى فى إمكانية بيعه إلى مصر، وأبدى استعدادا طيبا لبحث الموضوع، ومن مجمل هذه العوامل قدر «خرشوف» أنه يستطيع أن يعطى تشجيعه العلنى للشيوعيين العرب مطمئنا إلى وجود موانع موضوعية، تمسك بأية محاولة للرد على تشجيعه».
وفى هذا السياق يضع «هيكل» الهجوم المتبادل بين خرشوف وعبد الناصر الذى كان يقوم بجولة واسعة فى محافظات سوريا.. قال يوم 26 فبراير: «نحن لا نستلهم الوحى، ولن نستلهمه من أى عقيدة غير عقائدنا».. وفى أول مارس فى اللاذقية قال: «نحن لسنا مستعدون لقبول التبعية لأى طرف فى الغرب أو فى الشرق، وفى «جبل العلويين» يوم 3 مارس، قال:إن الشيوعيين العرب يلعبون دور الطابور الخامس فى خدمة الاستعمار سواء كانوا يعرفون ذلك أويجهلونه».. وفى ساحة الجلاء فى دمشق وصف الشيوعيين لأول مرة بأنهم» عملاء للأجنبى ولا يتحركون إلا بتعليمات».
ارتفعت حدة الهجوم المتبادل فى 16 مارس 1959، وطبقا للجزء الرابع من «جمال عبد الناصر– الأوراق الخاصة» إعداد الدكتورة هدى جمال عبدالناصر، أنه فى حفل استقبال تكريما للوفد الاقتصادى العراقى فى موسكو، قال خرشوف: «يجب أن نعترف أننا استأنا جميعا بسبب الخطب التى ألقاها الرئيس جمال عبدالناصر أخيرا فى دمشق، واستخدم فيها لغة الاستعماريين فى حديثه عن الشيوعية والشيوعيين، لقد وصف الشيوعيين أنهم عملاء دولة أجنبية، فهل لنا أن نسأل إذا، من هى الدولة التى يمكن أن يقال أن الشيوعيين عملاؤها؟ يضيف هيكل: «اختار خروشوف أن يلقى فى هذا الاجتماع خطابا ينتقد فيه فكرة القومية العربية، ويبدى رأيه بأن القومية ليست أساسا للوحدة، وإنما الأساس هو وحدة الطبقة العاملة فى العالم، ثم انتقد سياسة «جمال عبدالناصر» واتهمه بأنه يتصرف بأسلوب أحمق، وأن رأسه ساخن، وهو يتصور أنه يستطيع أن يفرض سياسته على العالم، ثم انتقد خروشوف لأول مرة سياسة كتلة «عدم الانحياز» قائلا: «إنها سياسة ذات وجهين»، وهاجم أحد زعمائها وهو الرئيس اليوغسلافى تيتو بأسلوب خارج قال فيه: «تيتو يعطينا خده لنقبله، ويعطى مؤخرته للرأسماليين الغربيين».