لا شىء تحت سماء بكين يشير لحياة تذكر، القلق العابر للحدود أصاب الجميع، فبرغم قدرة الصين على هزيمة وباء كورونا القاتل، إلا أن ذعراً ما لا يزال حاضراً فى النفوس، وخوفاً من المجهول لا يزال مسيطراً على الجميع.
من داخل الغرفة 520 فى الدور الخامس، ببناية فى شارع شاو يانج بالعاصمة الصينية بكين، حيث العزل الإلزامى لكل القادمين من خارج البلاد، أتأمل تلك الشوارع التى كانت قبل بضعة أشهر لا تستطيع أن تجد فيها موطئ قدم، فالبلد الآسيوى ذو التعداد المتجاوز لحاجز الميار و400 ألف نسمة بات أقل ازدحاماً ونشاطاً وحيوية، والسبب عدو غير مرئى تتسابق مختبرات العالم أجمع على إيجاد دواء له.
فى العزل الإلزامى لا مجال لرؤية البشر إلا عبر التطبيقات الإلكترونية، لا شيء يدل على وجود آخرين فى هذا المبنى سوى طرقات على الباب تذكرك بأن الساعة الآن التاسعة صباحاً، وأن شخصاً ما أحضر وجبة الإفطار وتركها على باب الغرفة دون أن يراك أو تراه مهما كانت استجابتك سريعة، ومهما كنت مترقباً للحظة اللقاء.
قوائم المحظورات لا تنتهى.. فالبلد الآسيوى الذى يقدس النظام، فرض منذ ظهور وباء كورونا قيودا أكثر حدة وأكثر صرامة، ويكافح حتى لا يخسر ما حققه من انتصارات فى معركته مع المرض المجهول.
سجن انفرادى.. بهذه العبارة يمكن إيجاز الحياة داخل الجدران الأربع رغم أناقتها، فالعزل الإلزامى للعائدين من خارج الصين منذ 16 مارس الماضى، كان قراراً اتخذته الصين للحد من انتشار وباء كورونا أملاً فى ألا يعاود الخروج عن السيطرة.
وداخل جدران العزل، لا تجد فى وسعك رغم قسوة ساعات الوحدة سوى أن تحمد ربك على البقاء حياً فى وقت تعانى فيه دول العالم من ويلات الوباء الذى أربك دولاً كانت قبل بضعة أشهر فى قوائم الأكثر أمناً وتقدماً وتطوراً.
اليوم فى العزل الصحى ممل وبطئ، لكن مع الرياضة والعمل عبر الإنترنت والتحدث مع الأصدقاء والأهل قد يتغير يومك قليلا، حيث لا يوجد شيء آخر قد تستطيع فعله فى هذه الفترة، أتابع بشكل دورى أخبار أهلى وأصدقائى وبلدى وأخاف بشدة من أن تسوء الأمور، وأدعو الله يوميا فى صلاتى لأن تعود الأمور إلى طبيعتها وترجع القاهرة إلى المدينة التى لا تنام.
راسلنى الكثير من أصدقائى للتعبير عن حبهم ومنهم من عرض على أن أتحدث أو اتصل بهم فى أى وقت فى اليوم، لقضاء الوقت معى فى العزل الصحى، ومنهم من قال " أنت بطل"، وكانت هذه الجملة بمثابة الشعلة فى حياتى، حيث قررت أن أكون صامداً للنهاية لحين انتهاء فترة العزل، بعد هذه الكلمات الجميلة التى غمرتنى بالحب تغيرت حياتى كثيرا، بدأت أفكر كيف أكون ناجح بشكل كبير فى حياتى وكيف أدير وقت بشكل أفضل.
فكرة أن تقيس حرارتك يومين مرتين ليست سهلة تماما، لأن كل مرة ينتابك شعور أن شيء ما سيحدث، يتملكنى الخوف لمدة من الوقت حتى أتاكد أن حرارتى أقل من 37.3 درجة وهى الدرجة التى أبلغنى الأطباء فى الحجر الصحى أن وصلت درجة حراراتى إليها يجب أن أخبرهم بذلك، لأنه من الممكن أكون أصبت بكورونا.
وعند مشاهدتى للتلفاز يوميا لروية ماذا يقدم الإعلام الصينى لشعبه فى هذا الوقت العصيب، وجدت أن القنوات الرسمية تعرض كل عشر دقائق نصائح بشأن النظافة واستخدام المطهرات والمناديل المعقمة، لتذكير الناس دوما بما يلزم لمواجهة الفيروس، وقصص نجاح من جميع المدن الصينية وخاصة مدينة ووهان التى قضت على الفيروس بشكل كبير، والتى لم تسجل حالات جديدة لمدة أيام.
ورسالتى من هنا إليكم أيها الشعب المصرى، نحن لسنا كشعب الصين الذى عاصر أزمات وكوارث طبيعية مكنته من إدارة أزماته بطريقة تتسم بالهدوء والوعى، ونحن أيضا ليس مثل الدول الأوروبية التى تأخرت كثيرا فى اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لاحتواء المرض، مما ساهم فى انتشار المرض فى القارة العجوز بشكل مخيف، ولكن هذه المرة تمكنت حكوماتنا من إدارة الأزمة بشكل جيد فعلينا أيضا كشعب النظر إلى ذلك والاهتمام بالنظافة الشخصية واتباع تعليمات السلامة.