أعلن الرئيس السادات فى حديث صحفى، نشرته وسائل الإعلام المصرية، ما يمكن اعتباره «قرارا رسميا بالتدخل فى أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتى الذى بدأ يوم 27 ديسمبر 1979، ووفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الزمن الأمريكى، من نيويورك إلى كابول»، فإن حديث السادات كان يوم 1 أبريل، مثل هذا اليوم، 1980 وقال فيه: «إننا على استعداد بأسرع ما يمكن لكى نساعد فى أفغانستان، وأن نتدخل لنصرة إخواننا المجاهدين هناك سواء طلبوا من المساعدة أم لم يطلبوها».
يضيف هيكل: «حين سئل متحدث رسمى من الاستعلامات المصرية عن تصريح الرئيس، وهل تتضمن مساعدته لمجاهدى أفغانستان، شحنات أسلحة؟.. كان رده بالإيجاب، ثم أضاف: أن ما سوف نعطيه لإخواننا من الأسلحة هو بعض ماكان عندنا ولم نعد فى حاجة إليه، وذلك أبسط واجب نؤديه نحو إخواننا فى الإسلام».
سبق هذا الإعلان مفاوضات وتحركات، بدأت بلقاء بين السادات و«برجنيسكى» مستشار الرئيس الأمريكى «جيمى كارتر» لشؤون الأمن القومى، يوم 3 يناير 1980 نقل خلاله رسالة من«كارتر»تدعو «مصر الإسلامية»، أن تقوم بدور فى «جهاد إسلامى» ضد «الاتحاد السوفيتى»الذى غزا بجيوشه بلدا إسلاميا هو أفغانستان.
ويؤكد هيكل أن اللقاء استمر ثلاث ساعات ونصف، طرح فيها «بريجنيسكى» حججه، وكانت:«إن مصر بمكانتها الخاصة فى العالم الإسلامى مؤهلة لدور فى الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وإنه لايصح ترك شعارات الإسلام العظيمة يحتكرها«آية الله الخمينى» لنفسه أو للإسلام الشيعى، وإن دخول مصر فى هذا العمل «الجهادى» يعطى السادات نفوذا أوسع فى المنطقة إزاء أطراف عربية تعارض سياسته فى السلام مع إسرائيل ومنها سوريا والعراق وليبيا.. وأن قيام السادات بدور فى «الجهاد الإسلامى» يرد بشدة على أولئك الذين يتهمونه بـ«التفريط» فى فلسطين، ويهيئ له قاعدة إسلامية أوسع من «الحيز المحدود» لدول الجامعة العربية».
وأضاف «بريجنيكسى»:«مصر تملك مؤهلات تيسر لها العمل فى أفغانستان، بينها أنها بلد الأزهر الذى يقبل المسلمون مرجعيته، وموطن جماعة الإخوان التى تفرعت منها جماعات إسلامية عاملة فى باكستان وأفغانستان، والرئيس السادات كرئيس لمصر يملك سلطانا على الأزهر، وكسياسى فهو يحتفظ بعلاقة طيبة مع بعض زعماء الإخوان».. وأضاف:«برغم حساسيات أعرفها فإن ميدان «الجهاد الإسلامى» يستطيع جمع السلطة المصرية والأزهر والإخوان على عمل مشترك يواجه شرور الإلحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى تذوب به حساسيات - مع الإسلام السياسى- مترسبة من ظروف سابقة أوتلين معه مفاصل فى العلاقات بين الطرفين متصلة- فى الوقت الراهن».
وأكد بريجنيسكى:«أن مصر لن تتكلف شيئا لأن أمريكا ستنشئ صندوقا خاصا للجهاد فى أفغانستان تموله دول الخليج أولها السعودية، وهو يحمل رسالة حول هذا الموضوع من الرئيس كارتر إلى الملك والأمراء فى السعودية، والمملكة سوف تستجيب سياسيا وماليا، ومصر تستطيع أن تستفيد بأكثر من أجر الجهاد وثوابه، لأن الجهاد فى أفغانستان يضمن عقودا سخية للصناعات العسكرية المصرية، لأن ذلك الجهاد بالذات يلزمه سلاح سوفيتى الصنع».. يوضح هيكل:«كان بريجنيسكى يقصد بذلك إغراء الرئيس السادات بأن «الجهاد الإسلامى» سيحتاج أن يشترى من مصر أسلحة سوفيتية الصنع لم تعد تريدها.
واختتم «بريجنيسكى» حججه قائلا:«مشاركة مصر فى «الجهاد الإسلامى» ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، تساعد الرئيس كارتر على مواجهة أصدقاء إسرائيل فى الكونجرس، لأنها ترد على دعايات يقوم بها «مناحم بيجن» «رئيس وزراء إسرائيل وقتها» تزعم أن مصر ليست صديقا للولايات المتحدة إلا بمقدار ما تريد منها، وتلك حجة سوف تبطل عندما يظهر على رأس التصدى الإسلامى للسوفيت فى أفغانستان».. يؤكد هيكل، أن كل المصادر ومنها مذكرات «بريجنيسكى» نفسه تجمع، أنه توجه إلى السعودية، ومعه رسالة من السادات للملك وولى العهد ووزير الدفاع فى السعودية، مؤداها أنه «جاهز ومستعد للعمل، والتعاون معهم اليوم قبل غد فى عمل جهادى ضد الإلحاد».
فور هذه الزيارة، بدأت التحركات الشعبية فى مصر، ووفقا لكتاب «العائدون من أفغانستان» لحسنى أبواليزيد، فإن السادات ترأس اجتماعا للمكتب السياسى للحزب الوطنى الحاكم، يوم 6 يناير 1980 الذى قرر تنظيم أسبوعا للتضامن مع الشعب الأفغانى، وفى افتتاحه ألقى كمال حسن على نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كلمة نيابة عن السادات، وانتهت فعاليات هذا الأسبوع باقتراحات أبرزها، خصم 2% من المرتب أوالمعاش لجميع موظفى الدولة على ألا يقل المعاش أوالمرتب عن 50 جنيها، وفرض ضريبة جهاد لصالح أفغانستان، ودعوة الجمعيات الخيرية إلى جمع التبرعات لصالح الشعب الأفغانى، وفتح المساجد لتقلى التبرعات، وبعد ذلك تم السماح للتطوع بالذهاب إلى أفغانستان.