يتذكر الإعلامى أحمد سعيد أن مفاجأة حدثت فى الاجتماع الذى انعقد تحت مظلة الجامعة العربية، لقادة أحزاب دول المغرب العربى اللاجئين فى القاهرة يوم 3 إبريل 1954، لبحث تقديم المساعدات لتحرير بلادهم من الاحتلال الفرنسى، يؤكد «سعيد» فى مذكراته «غير المنشورة وبحوزتى نسخة منها»: «كادت هذه المفاجأة أن تحول دون الاجتماع، ثم لم تلبث أن أصبحت محل فخر له واعتزاز به».
كان فتحى الديب المسؤول عن «الشؤون العربية» برئاسة الجمهورية وضابط المخابرات هو الذى يقف سرا وراء الاجتماع، بتكليف من جمال عبد الناصر لتنفيذ خطة دعم مصر لحركات التحرر العربية من أجل تحرير بلادها، وكان أحمد سعيد أحد أعمدة هذه الخطة بوصفه رئيسا لإذاعة صوت العرب التى كانت الأداة الإعلامية الأبرز لعبدالناصر فى تنفيذ خطة التحرر العربى.. «راجع، ذات يوم ،3 إبريل 2020».
وعن خصوصية الجزائر فى هذه الخطة يؤكد «سعيد»: «عشت أعظم تجربة من حيث لا أدرى ولا أحتسب، ووجدت نفسى مع صوت العرب نعيش جزءا أصيلا فى العملية الثورة الجزائرية، طليعة لها، حاشدا شعبها، أمينا على أسرارها، ضابطا لإيقاعها، طرفا فى مشاكلها، وكدت أن أكون شهيدا من شهدائها يوم تعمدت طائرات العدوان الفرنسى البريطانى سنة 1956 تدمير أجهزة بث الإذاعة فى أبى زعبل».
يذكر «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر»، أن اجتماع «3 إبريل» ترأسه الأمين المساعد للجامعة العربية عبد المنعم مصطفى، وحضره «الديب» و«عزت سليمان» على أنهما مساعدان له فى الجامعة، بما يعنى أن دورهما الحقيقى كان سريا..ويكشف «سعيد» المفاجأة التى كادت تنهى الاجتماع قائلا: «كان الاتفاق على أن يقتصر الاجتماع على الزعماء اللاجئين المعتمدين من الأمانة العامة للجامعة، غير أن شابين مجهولين دخلا قاعة الاجتماع خلف محمد خيضر ممثل حزب الشعب الجزائرى، وأحمد بيوض ممثل حزب البيان».. يتذكر سعيد: «همس «مصطفى» فى أذن «الديب» يسأله عنهما، فاستدار بدوره نحوى يسألنى، فأجبته بأننى لا أعرف قمحى اللون، أما الثانى هو «مزيانى مسعود».. ونفهم من كلام سعيد، بأن «الديب» لم يعترف على «مسعود» شخصيا حتى هذا اليوم، لكن كان يتابعه عبر اتصالات أحمد سعيد به منذ مجيئه إليه فى مكتبه بصوت العرب لأول مرة يوم 27 سبتمبر 1953، ويكشف «سعيد» أن هذه الفترة تخللها سفر الديب فى آخر ديسمبر 1953 فى جولة استطلاعية سرية إلى سوريا ولبنان والأردن.
يذكر «سعيد»، أن الديب طالبه بالتوجه إلى حيث يجلس «خيضر» للاستفسار منه عن سبب وجود الشابين رغم ما سبق وتم عليه الاتفاق، فأجابه خيضر بأنه هو يمثل حزب الشعب، ويمثل مزيانى الشباب المتمرد، وحضورهما اجتماعا عن كفاح مسلح أهم من حضورى كمسؤول سياسى.. يتذكر سعيد، أنه عاد بهذه الإجابة إلى الديب، فترجى «الديب» أمين الجامعة المساعد التغاضى عن الأمر..يضيف: «توالى القادة السياسيين لأحزاب المغرب وتونس، وعلى امتداد ساعات الاجتماع، يتحدثون كل عن حزبه ومكانته وقدراته بأسلوب مثير للإحباط، خاصة عندما حاول بعضهم الانتقاص من قدرات الشعب الجزائرى على مواكبة ثورة المغرب ضد خلع الاحتلال الفرنسى للسلطان محمد الخامس ونفيه، أو حتى عمليات المقاومة التونسية المتباعدة».
يتذكر «سعيد» أن عبدالمنعم مصطفى انتبه إلى ما يمكن أن يسفر عنه هذا التعريض بقدرات الجزائر، فنظر إلى ساعته هاتفا أنه انتصف الليل، ورفع الجلسة إلى مساء الغد 4 إبريل، مثل هذا اليوم، 1954 لسماع ممثلى الجزائر، يكشف سعيد، أنه والديب وعزت سليمان توجهوا إلى مكتب صوت العرب القريب من مقر جامعة الدول القديم بشارع البستانى، يقول: بقينا حتى قرب الفجر نلخص ونناقشة ما سمعناه من قيادات أحزاب تونس والمغرب وخاصة نظرتهم السلبية بشأن الجزائر، بينما «خيضر» يقرر أن يرافقه فى الاجتماع مزيانى مسعود المحسوب على الشباب المتمرد المطالب بالكفاح الثورى المسلح».
يؤكد «سعيد» أن الثلاثة اتفقوا على أن يتصل هو صباحا بخيضر وبيوض ومزيان مسعود لمعرفة رأيهم فيما قيل فى الاجتماع، بالإضافة إلى جمع معلومات عن الشاب الجزائرى الأخر الذى حضر مع مزيانى.. يكشف «سعيد» أنه قبل بد اجتماع 4 إبريل بدقائق التقى «الديب وعزت سليمان» فى مكتب أمين مساعد الجامعة، وأبلغهما بأن الجزائريين فى حالة غضب شديد لما شعروا به من محاولات تونسية مغربية، لاستبعاد شعبهم من شرف المشاركة فى كفاح مسلح موحد بزعم خصوصية النظرة الفرنسية الاستيطانية للجزائر، وأن هذا الغضب سيرفع حرارة جلسة الليلة بكل ما يمكن أن يؤدى إلى تفجير مدمر لفكرة عبدالناصر فى توحيد النضال ضد الاستعمار فى كل الشمال الأفريقى. أما عن الشاب الذى كان مع «مزيانى» فقال سعيد، إن اسمه «حسين آية أحمد»، وهو قبلى يحمل شهاد البكالوريا التى لا يحملها فى ولايته الجزائرية غير عدد قليل بحكم سياسات الاستعمار، وأنه مؤمن مثل «مزيان» بحتمية الكفاح المسلح، وبدأ الاجتماع، واستمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى 5 إبريل، فماذا جرى فيه.