«هل سمعتم عن قسيس قبطى يعقد عقد فتاة مسلمة على فتى مسلم؟».. كان السؤال غريبا وشد انتباه الموجودين على مقهى السنترال فى ميدان الأوبرا بالقاهرة، وطرحه «القمص سرجيوس» الكاهن بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وذلك أثناء .
«المظاهرة الكبرى» يوم 8 إبريل، مثل هذا اليوم عام 1919، أثناء الثورة الشعبية التى عمت مصر منذ 9 مارس 1919ووفقا لعبدالرحمن فهمى فى الجزء الأول من مذكراته «يوميات مصر السياسة» عن «دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة»:«كانت هذه المظاهرة احتفالا بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وامتازت بفخامتها وجلالها، وفى مقدمة الجميع علم عليه الهلال يعانق الصليب، والجميع ينادون ويهتفون بحياة مصر والاستقلال والزعماء»، واصل سرجيوس «1882 -1964» دوره الوطنى العظيم فى هذا اليوم كواحد من خطباء الثورة العظام، وتحتفظ الذاكرة التاريخية له بأنه اعتلى منبر الجامع الأزهر خطيبا أثناء الثورة، ووفقا لـ«قاموس التراجم القبطية»،«توجه إلى الجامع الأزهر، حيث لاقاه شيوخ الأزهر بالترحاب، وأخذ يلقى خطبا وطنية تحض على الوحدة الوطنية تأييدا لسعد زغلول واستقلال مصر، واستمر على ذلك 59 يوما متتالية، كما ألقى عددا آخر من الخطب الحماسية فى جامع ابن طولون والكنيسة القبطية فى الفجالة»، مما دفع السلطات الإنجليزية إلى نفيه إلى سيناء.
كان لسرجيوس أسلوب خاص فى الخطابة يجذب إليه الناس، حسب تأكيد الدكتور محمد عفيفى، فى كتابه «الدين والسياسة فى مصر المعاصرة.. القمص سرجيوس» عن «دار الشروق– القاهرة»..مضيفا:«تميز بروح الدعابة والفكاهة واستخدم ذلك فى خطابه الجماهيرى، وأدرك بذكاء مدى ولع الجماهير المصرية بهذا الأسلوب»، استخدم «سرجيوس» أسلوبه الفريد فى خطبته أثناء مظاهرة 8 إبريل، وبدأها بطريقة صادمة، لكنها جاذبة، يتذكرها أحد شهودها وهو الشيخ عبد الهادى النجار فى مذكراته «الأيام الحمراء» عن «دارالكتب والوثائق القومية، القاهرة» وهى عبارة عن توثيق يومى لما شاهده واستمع إليه أيام الثورة.
يقول النجار:«راقتنى خطبة خطبها سرجيوس بميدان الأوبرا، إذ وقف فقال مسمعا الجمع المزدحم وهم جلوس على قهوة السنترال:«هل سمعتم؟»، وكرر هذه الجملة عدة مرات، فانتبه الحاضرون له، ليواصل خطبته:«هل سمعتم فى أجيالكم وفى محاكمكم الشرعية، أوأخبركم علماؤكم أن قسيسا قبطيا مسيحيا يعقد عقد فتاة مسلمة قبطية تعتنق الإسلام وتدين به على فتى مسلم يدين بالإسلام؟»، يتذكر «النجار» أنه رد عليه:«ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين»، وأيد الجمع ما قاله، لكن سرجيوس أصر قائلا:«أنا فعلت ذلك أمس».. فسأله الحاضرون: كيف فعلت ذلك، فأجاب قائلا: «مررت بفتاة قبطية الأصل مسلمة هيفاء القد، بارزة النهد، كحلاء، زجاء نحيلة الخصر، وردية الخدين، فتانة المحاسن، تعلق بها فتى غربى سكسونى، وحشى الطباع خشن الجانب، يقول: هذه زوجتى لا أفارقها.. وهى تقول:لا أتزوجك ولا أحبك ولا يميل إليك قلبى، هو الزواج بالزور يا مسلمين؟». يضيف سرجيوس:«اقتربت منه وقلت له: يا فتى أنت أقمت بين القوم سبعا وثلاثين سنة ولا تعرف عاداتهم وطباعهم، فإذا كانت الفتاة لا تميل إليك ولا تحب الاقتران بك فلماذا لا تتركها؟.. فقال: زوجتى ولا أتركها ولا تفلت من يدى، فلما لم أجد بيده عقد زواج صحيح بالرضا والاختيار حكمت بطلاقها منه، أما الفتاة فهى مصر، وأما الفتى فالدولة الإنجليزية، وإذا بفتى معتدل القوام جميل الصورة بهى الطلعة، فالتفت إليه فإذا معه زغلول وأصحابه ورشدى وعدلى وثروت ،فسألتهم: أتعرفون الفتى؟ فقالوا: نعم، هذا الدكتور استقلال، فسألت الفتاة: هل تحبين هذا وترغبين فى زواجه؟ فقالت: نعم ولا أميل إلى سواه، فعقدت عليها..«بسم الله الرحمن الرحيم، عقدا صحيحا شرعيا لا اعتراض للمحكمة الشرعية عليه، ولم أنس أنى قسيس مسيحى فعقدت لهما عقدا مسيحيا عقدا مباركا وأملاكا مباركا أبديا دائما، وبذلك صارت العروس للعريس والجرى للمتاعيس، ثم قالت الفتاة: أخشى أن يهجرنى هذا الفتى ولا يميل إلى، فعملت له تحويطة، وعلقت عليها تميمة من كتابنا المقدس، وذلك أن القديس بولس مر بفتاة فيها شيطان، فخاف الشيطان من الرسول بولس، وقال له: أيها القديس إنك مبارك من الله.. وصار يتملقه بأنواع التملقات، فالتفت إليه بولس وقال: اخرج منها».
«يؤكد النجار:«أشعل نداء اخرج منها» الذى اختتم سرجيوس قصته به والحاضرون رددوه وراءه، وصار القسيس يقول، والناس يقولون بقوله».