فى الوقت الذى سجلت فيه قرية "العزيزة " فى محافظة الدقهلية موقفا مشرفا بجمعها مليونين ونصف مليون جنيه لمساعدة أهل القرية المتضررين من أزمة "كورونا "، كانت هناك قرية "شبرا البهو" التابعة لنفس المحافظة تسجل سلوكا شائنا، بتجمهر البعض من أهلها لرفض دفن الدكتورة "سونيا عبد العظيم" فى مدافنها، وهى زوجة أستاذ جامعى من أبناء القرية، ووفقا لشهادات أهل البلدة هو من أكثر الناس الخيرين فى البلد، ودائم التبرع للمشروعات والجمعيات الخيرية فى أى وقت.
هذا الحدث جاء دون أدنى اعتبار لقيمة "حرمة الموتي"، ودون الالتفات إلى الظرف الصعب الذى يعيش فيه الجميع فى ظل هذه الأزمة التى تتكاتف فيها أجهزة الدولة مع المواطنين لتجاوزها بأقل الخسائر، وفيما يعيش الجميع على أطراف أصابعه يضيف بعض الجهلاء هما فوق الهم، ويصرون على الرفض لمدة خمس ساعات كاملة بدأت من الساعة السادسة صباحا إلى الساعة الحادية عشرة، ولا ينصتون إلى تفاوض الأجهزة الأمنية معهم، ولايهتمون بالمعلومات المطمئنة التى قالها الأطباء هناك حول عملية الدفن التى لن تشكل خطرا على الأهالى، بل وصل الأمر إلى وقوفهم أمام عربة الإسعاف لمنع نزول الجثة منها، ومع تصاعد الموقف قامت أجهزة الأمن التى قادها نائب مدير أمن الدقهلية بفرض النظام، والقيام بعملية الدفن.
ضرب هؤلاء عرض الحائط بكل التطمينات التى أعلنتها وزارة الصحة من قبل عن الإجراءات التى تتبع فى دفن ضحايا "كرونا "، وهى إجراءات حددتها الوزارة خطوة خطوة ومعلنة فى كل وسائل الإعلام، وإذا كان هناك من يجهلها، فالمؤكد أن الغالبية تعرفها الآن، خاصة وأنها فرضت نفسها من قبل بعد واقعة مماثلة فى قرية "كفر بولس "بكفر الدوار وقعت قبل أيام، لكن تم تجاوزها سريعا بتدخل أمنى لم يستغرق وقتا كالذى حدث فى "شبرا البهو".
فى جريمة "شبرا البهو" تضافرت عوامل لصنعها، أهمها بالطبع هو غياب الوعى، فى وجود من يستثمره ويوجهه لأغراض خبيثة، وهنا يجب التوقف أمام شهادات ذكرها مواطنون من أهل البلدة ل" انفراد " تؤكد عدم احترام القانون والاستهتار به..حيث قال الأهالى أنه تم استخدام ميكروفون المسجد لتحريض الناس على الخروج لمنع دفن المتوفية، وأن مقيمى الشعائر بالمسجد فتحوه لهذا الغرض رغم أن هذا الوقت لم يكن مخصصا للصلاة، وهو مايفتح قوسا كبيرا أمام دور رجال الدين فى مثل هذه الأزمات، واللافت أنه وطبقا لشهادات أهل البلدة، فإن الأمر لم يقتصر على ميكرفون المسجد بل تم وضع ميكرفون على سيارة لفت شوارع القرية لدعوة الناس إلى الخروج،وهذا تصرف يستدعى معرفة كيف تم السماح به.
مع الغضب العام مما حدث أحسنت الأجهزة الأمنية والنائب العام فى التعامل بحسم ضد الذين تسببوا فى هذه الجريمة، وأحسن محافظ الدقهلية فى قراره بإطلاق اسم الدكتورة "سونيا عبد العظيم" على مدرسة البلدة، وذلك فى رسالة مهمة وقوية إلى كل الذين يستثمرون الظرف ويؤججون مشاعر الناس، وينشرون الأكاذيب والشائعات، كما أنه تصرف من شأنه أن يرد الاعتبار إلى هذه السيدة، وزوجها وأسرتها التى جرحها بكل تأكيد هذا التصرف الذى لن تهمله ذاكرتهم أبدا، وربما يؤدى إلى شروخ فى النفس نحو البلد بأكملها.
غير أن الأزمة كلها تستدعى ضرورة الانتباه إلى خطر غياب الوعى فى مثل هذه الأزمات لدى شرائح واسعة من فئات المجتمع المصرى، مما يعطى الفرصة للجماعات الإرهابية إلى نشر أكاذيبهم وشائعاتهم المغرضة، كما تستدعى هذه الأزمة ضرورة إقدام مجلس النواب على الانتهاء من قانون المحليات حتى تعود المجالس المحلية لممارسة دورها، فهى التى كانت تعين فى مثل هذه المواقف، واعتقد أن أزمة كورونا بما حدث فيها من مبادرات تطوعية قادها شباب فى العديد من القرى، أفرزت كفاءات شبابية يمكنها أن تجد دورها مستقبلا فى هذا المجال.