على ما يبدو فإن فيروس كورونا لم يشعل بعد كل الحرائق التي أتى ليشعلها، فمازال في جعبته الكثير، ومازال هذا الفيروس اللعين قادرا على استخراج الكثير من مكنون الشر في داخلنا، فبعد إشعال حرب التصريحات ما بين أمريكا التي تطلق عليه اسم "الفيروس الصيني" والصين التي تطلق عليه اسم "الفيروس الأمريكي" وبعد إشعال حرب الصراع بين شركات الأدوية العالمية، وبعد إشعال حرب القرصنة بين الدول للاستيلاء على الكمامات والمطهرات وأدوية التنفس الصناعي، لنعود إلى أخلاق العصور الوسطى، كانت هناك حرب أخرى في الانتظار، حرب على الأخلاق الحميدة والفكر الرشيد، حرب على إنسانية الإنسان التي اتضح بمرور الأحداث أنها غير محصنة على الإطلاق من هجمات فيروس كورونا.
في مصر كانت تلك الهجمة البربرية التي قادها بعض من أهالي شبرا البهو ضد الطبيبة المصرية "الشهيدة" سونيا عبد العظيم والتي رفضوا أن تدفن في مدافنهم دون أدنى شعور بالمسئولية ودون أدنى مراعاة لحرمة الموت الأمر الذي اضطر الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى عمل تصريح تليفزيوني ليوضح إثم هذا الفعل وإجرامه في حق الإنسانية والإسلام على حد سواء، كان في الجانب الآخر من العالم طبيبان فرنسيان يقترحان أن يتم تجربة عقار جديد لعلاج كورونا على أفريقيا، وهو أمر أقل ما يوصف به أنه عنصرية بيضاء مقيتة، نالت من الجميع ما تستحق من لعنات، حتى من المجتمع الفرنسي ذاته.
هنا في مصر قلنا إن سبب تلك الهجمة البربرية من بعض أهالي "شبرا البهو" هو الجهل، وفي الفقه الإسلامي يوجد مبدأ متعارف عليه باسم "العذر بالجهل" فالجاهل الذي لا يعلم قد يكون بريئا من الإثم مادام لم يحصل على ما يجب من العلم الفهم، وعلى هذا فقد نلتمس بعض العذر لبعض أهالي شبرا البهو الذين أرادوا أن يحرموا سيدة كريمة من قبرها بحجة أنها قد تصيبهم بفيروس كورونا، فما العذر الآن في حالة الطبيبين الفرنسيين
جان بول ميرا، رئيس قسم العناية المركزة فى مستشفى كوشين فى باريس، وكاميل لوكت، رئيس قسم الأبحاث فى مجموعة أبحاث إنسبرم الصحية، اللذان أصبحا وصمة عار في تاريخ بلد النور، بعد دعوتهما إلى التعامل مع شعب أفريقيا وكأنه "فأر تجارب"؟
كانت الوقاحة واضحة في حديثهما المذاع تليفزيونيا، حيث قال الطبيبان الفرنسيان، إنه بما أن أفريقيا ليس لديها أقنعة ولا علاجات ولا رعاية مكثفة للأشخاص الذين يعانون من الفيروس، فهذا يعنى أن الناس تعرضوا للمرض بشدة وأنهم لا يحمون أنفسهم"، وقال الدكتور ميرا، على قناة LCI التلفزيونية: "إذا كنت أستطيع أن أكون استفزازيًا، ألا يجب علينا إجراء هذه الدراسة فى إفريقيا، حيث لا توجد أقنعة ولا علاجات ولا إنعاش؟" وأضاف رئيس قسم العناية المركزة فى مستشفى كوشين بحسب الخبر المنشو في انفراد نقلا عن الديلي ميل البريطانية: "يشبه إلى حد ما كما هو الحال فى أماكن أخرى لبعض الدراسات حول الإيدز مع "البغايا"، نحاول فعل الأشياء لأننا نعرف أنهم يتعرضون بشدة وأنهم لا يحمون أنفسهم"، وقد وافق الدكتور لوكت، وقال "أنت على حق"، وأضاف أنه يجرى بالفعل دراسة فى إفريقيا.. وتابع "نحن فى صدد التفكير فى دراسة بالتوازى فى إفريقيا".\
هكذا بلا خجل، هكذا بلا تردد، هكذا بلا تأنيب ضمير، لم يتورع الطبيبان الفرنسيان عن التحدث عن شعوب أفريقيا وكأنهم "أشباه بشر" إن لم يكونوا "حيوانات" والأنكى من هذا هو تصريحهم بأن هناك تجارب مشابهة جرت على فتيات الليل وأنه يجري بالفعل دراسات في أفريقيا!
لا التدين نفع في مصر، ولا التعلم نفع في فرنسا، ولاحلم الزعامة الواهي نجح في كبت روح اللص الكامنة في أردوغان الذي استولى على أجهزة تنفس صناعي كانت في طريقها إلى أوربا، هكذا يخرج الفيروس اللعين أسوأ ما فينا، لكن على الوجه الآخر من المأساة تبرز صورة مصر الرسمية مشرقة، حيث قدمت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي مثالا راقيا في التعامل مع الأزمة داخليا وخارجيا، فحرص الرئيس على إشاعة جو من الطمأنينة بين المصريين موفرا كل سبل الأمان والحماية من هذا الفيروس، مستعدا لكل الاحتمالات الواردة، ليس هذا فحسب بل مدت مصر يد العون للدول التي تفشت فيها الأزمة وقد وصلت رسالة مصر السامية عالميا وإقليما ومحليا، لتظهر مصر بين العالم كله سامية متحضرة، في الوقت الذي تظهر فيه دول أخرى سارقة منحدرة.