"قبل عامين ،وتحديدا يوم 28 أبريل عام 2018 ،روت ابنة سيناء "سلوي سالم الهرش" أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء الندوة التثقيفية للقوات المسلحة ال28 احتفالا بعيد تحرير سيناء، قصة والدها البطل الشيخ "سالم الهرش" الذى طلبت منه إسرائيل أن يقف أمام العالم ويشهد أن سيناء ليست مصرية وأن يضعوا صورته على العملة، لكنه ذهب إلى المخابرات المصرية ليخبرهم ما حدث معه، وتبدأ واحدة من مئات القصص البطولية التي سطرها أبناء سيناء في مقاومة إسرائيل أثناء احتلالها بعد نكسة 5 يونيو 1967
كان الشيخ سالم الهرش ابن قبيلة "البياضة" بمركز بئر العبد ، يجلس فى خيمته بسيناء، بعد نحو ثلاثة شهور من نكسة 5 يونيه 1967، وفوجئ بأشخاص يدخلون عليه وقدموا أنفسهم على أنهم ضباط من الجيش المصري، ثم طلبوا نصيحته في كيفية دخولهم إلي المجتمع القبلي في سيناء، ليكونوا قريبين من معسكرات الاحتلال الإسرائيلي، وجاء هذا المطلب تنفيذا لمخطط مقاومة شعبية وضعته وأشرفت عليه المخابرات الحربية بقيادة اللواء محمد أحمد صادق، وبدأ بتأسيس "منظمة سيناء العربية" التي ضمت عناصر من مدن القناة .
كان "الهرش" المولود عام 1910 واحدا من الأبطال الشعبيين الذين اعتمدت عليهم المخابرات الحربية، وكان ذهاب "الضباط " إليه في خيمته، وطلبهم نصحه بالدخول إلي المجتمع القبلي في سيناء مفتتحا لذلك، حيث قام بتدريبهم علي اللهجة السيناوية، وألبسهم زيا بدويا سيناويا، ثم أخذهم إلي قيادات المعسكر الإسرائيلي، وقدمهم علي أنهم مجموعة من قبيلته لم يكونوا موجودين وقت حصارها مما فات عليهم فرصة استخراج بطاقات هوية لهم، ونجحت الخطة ليبقي الضباط في سيناء يعملون مباشرة ضد الاحتلال، ويشرفون علي تنفيذ عمليات المقاومة، ويرصدون كل المحاولات الإسرائيلية للتواصل مع القبائل وشيوخها حتي كان الحدث الكبير الذي وقع فى "26 أكتوبر 1968"، وهو حدث مجيد فى تاريخ سيناء يؤكد بطولة أهلها.
تسلط مذكرات الفريق صادق والتي نشرتها مجلة أكتوبر الضوء علي الحدث، وكذلك نعرفه من استعراض "المجموعة 73 مؤرخين" (الكترونية) له، فبينما كانت المقاومة تتم علي قدم وساق، كانت المخابرات الإسرائيلية تتحرك للحصول علي توقيع شيوخ القبائل علي وثيقة لتدويل سيناء، وتبدأ بحصولها علي الحكم الذاتي تحت رعاية إسرائيل ومظلة أمريكا، وعرضت فكرتها علي شيوخ القبائل الذين وجهتهم المخابرات المصرية بمسايرة العرض وإظهار الموافقة عليه.
اعتزمت إسرائيل علي أن تعلن ذلك للعالم، عبر مؤتمر عالمي ضخم يحضره شيوخ القبائل ووكالات الأنباء والصحف العالمية وشخصيات أخري، ويحضره موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، ويعقد في منطقة الحسنة يوم 26 أكتوبر 1968، ويتم إذاعته مباشرة لكي يراه العالم بالصوت والصورة، وأغرقت إسرائيل القبائل والعائلات بالهدايا ظنا منها أن هذا الأسلوب سيحقق لها ما تريد، ونقلت طائرات "الهل" الإسرائيلية الطعام للحضور، وشمل جدول اللقاء كلمات يلقيها عدد من الحاضرين، واتفقت قبائل سيناء علي أن يلقي كلمتهم الشيخ سالم الهرش، والحقيقة أن المخابرات الحربية هي التي اختارته .
اعتلي الشيخ سالم الهرش المنصة، وبدأ كلمته :"أنتم تريدون سيناء دولية، يعني أنا الآن لو أعلنت سيناء كدولة ستضعون صورتي علي الجنية السيناوي"، بدا السؤال وكأنه مداعبة من"الشيخ "، والتقطها "ديان" علي هذا النحو، فابتسم مهللا، وكأنه يعطي موافقة للرجل الذي سيعلن للعالم انفصال سيناء عن مصر، غير أن الشيخ سالم زرع القنبلة في قلب إسرائيل وفجرها لتحرق المخططات الصهيونية والأمريكية .
قال الهرش :"أشهد الله، وأشهد هذه الأرض المباركة أننا نرفض فكرة التدويل من أساسها ونرفض الاحتلال، ونرفض ما ذكر بشأن ملكية إسرائيل لهذه الأرض، فأنتم لستم إلا قوة احتلال ،وأن هذه الأرض مصرية، وستظل إلي الأبد مصرية، وأننا مواطنون مصريون نؤمن بوطننا وقيادتنا في مصر، ولن نفرط في شبر واحد مهما كان الثمن، وأن مصلحتنا ومستقبلنا نحن أدري به وهو في الأيدي الأمينة التي تتولي أمورنا، والتي لا يمكن أن نؤمن بأن هناك قيادة أو شرعية سواها، نحن هنا تحت أسر الاحتلال، ونحن جزء من كل وهو مصر، ومن يريد الحديث عن سيناء يتكلم مع قائدنا ورئيسنا جمال عبد الناصر ".
علت الهتافات باسم مصر وجمال عبد الناصر، وحاول الحاكم العسكري الصهيوني لسيناء أن يغطي علي خيبتهم، فأمسك بالميكرفون وبأعلي صوت قال :"غير الموافق علي رأي الشيخ سالم يرفع يده"، بالطبع لم ترفع يد واحدة وفشل المؤتمر بتلقين إسرائيل درسا لم تنساه أبدا .
استكملت المخابرات مخططها فهربت "الهرش" وأسرته إلي الأردن عبر ميناء العقبة، وبعد فترة استقبله جمال عبد الناصر وقدم له "عباءة وطبنجة وسيارة جيب، لكنه احتفظ فقط بالعباءة تذكارا من عبد الناصر.