انتصار «شم النسيم» على فتاوى التحريم...كل عام يقول شيوخ الظلام: «من أكل فسيخا أو بصلا أو لون بيضا فهو آثم».. فهل أتى الإسلام ليحارب البيض والفسيخ والبصل؟

نقلا عن العدد اليومى...

الحوينى صرخ: «إزاى المرا منتقبة وتطلع تشم هوا فى اليوم ده.. وإزاى نبقى مسلمين وناكل فسيخ؟» محرما ما أحله الله حسين يعقوب فى خطبة على اليوتيوب: «هو ربنا قال فى القرآن إن فيه شم الفسيخ؟!» غير مدرك أن الله أيضا لم يقل لأحد أن ينشئ حسابا على اليوتيوب الشيخ «كشك» لم يكتف بتحريم شم النسيم لكنه حرم الاحتفال بانتصار أكتوبر وحتى عيد العمال يوم عمره خمسة آلاف عام، يأتى فترى المصريين فى كل مكان وقد أحاطت بهم البهجة، يوم لا يفرق بين أحد من المصريين، يشمل الجميع، ويبتسم له الجميع، يوم نستعيد فيه ذاكرة حب الحياة، نحتفل فى الطبيعة، بالطبيعة، تخرج الأرض ما بداخلها من ثمار وزرع وأزهار، ويخرج المصريون ما بداخلهم من تقديس للحياة وحب للتجدد والبعث بعد الركود، يصبح المصريون إخوة للطبيعة، فكما يخرج الزهر من باطن الأرض، يخرج المصريون من جوف البيوت، وكما تلون الأزهار عيوننا بكل أشكال التنوع، يلون المصريون الشوارع بابتساماتهم المطلقة، وألوان ملابسهم الزاهية، ومأكولاتهم الخضراء، يسمعون رجاء صلاح جاهين وهو يقول «يا ملونين البيض فى شم النسيم.. لون الحنين والشوق وخمر النديم.. ما تعرفوش سايق عليكم النبى.. تلونوا الأيام بلون النعيم؟ فيقولون: نعم، سنلون هذا اليوم بلون النعيم، ونعيمنا هو مصر، ولونها هو الفرح.

خمسة آلاف عام تفصلنا عن بدايات الاحتفال بهذا اليوم، بل إن بعض المؤرخين يؤكدون أن الاحتفال بهذا اليوم يعود لأكثر من خمسة آلاف عام، لكن برغم البعد الزمنى عن بداية الاحتفال فمن ينظر إلينا فى هذا اليوم سيعرف أن المصرى لا يتغير، نفس الطقوس، نفس المأكولات، نفس الابتهاج، نفس الروح المنطلقة، مصر بخير مادامت تحتفل بهذا اليوم الذى تعود فيه إلى أصلها، فيعود إليها أصلها، يوم منزوع من الانتماءات الدينية والعقائدية، يوم للحياة فحسب، حيث كان المصرى القديم يعتقد أن فى هذا اليوم خلق الله الخلق، فاحتفل بتقديس الخلق وشكر الخالق فى آن.

يمر العام بعد العام، والعقد بعد العقد، والقرن بعد القرن، والألف بعد الألف، ويظل هذا اليوم خالدا فى الوجدان، ليبعث فى كل عام من جديد بكامل نشوته، لا يؤثر فى احتلال، ويغيره اضطراب، ولا يقدر عليه مهاجم، مر عليه شعوب حاولت أن تزيله من التاريخ، فزالت الشعوب وبقى هو، مر عليه جبابرة يريدون اقتلاعه من الذاكرة، فذهبوا إلى حيث لا يتذكرهم أحد وبقى هو، مر عليه كهنة، ومر عليه قادة، كلهم ناصبوه العداء وأرادوا اجتثاثه من فوق الأرض، فلم يستطع تجار الموت اجتثاثه لأنه ببساطة رمز من رموز الحياة.

2500 عاما، وقعت مصر فيها تحت الاحتلال، منذ عصر الفراعنة، فمنذ الفرعون «بسماتيك» لم يحكم مصر مصريا سوى جمال عبد الناصر، وحتى قبل بسماتيك بسنوات طويلة كانت مصر محتلة، أو عانت من فترات احتلال، ومعروف أن أى احتلال، خاصة لو كان احتلالا استيطانيا مثل الذى عاشته مصر يريد محو عادات المواطنين الأصليين وأعيادهم، ليسهل القضاء على هذه البلد بانتزاعها من قلوب أبنائها، ولهذا فقد ناصب المحتلون لهذا اليوم العداء لأنه بمثابة اليوم الوطنى الأول فى مصر، فهزم شم النسيم الفرس، وهزم اليونانيين، وهزم الرومانيين، وهزم الهكسوس وهزم جحافل الجهل المقبلة من الصحراء، فى كل معركة يخوضها، وخرج منتصبا شامخا، لأنه يرسخ قيمة الحياة فحسب.

فى كل عام أيضا يخرج «شيوخ الصحراء» من جحورهم، ليصدعونا بحديث ملؤه كراهية، وقوامه موت، يصيحون فى فى كل عام، من خرج من بيته فهو آثم، ومن أكل من فسيخا فهو آثم، ومن أكل بصلا فهو آثم، ومن لون بيضا فهو آثم، ومن باع كل هذا فهو أيضا آثم، فتبدو الصورة كما لو أن الإسلام أتى ليحارب البيض والفسيخ والبصل والهواء.

فى كل عام نبدأ حرب الفتاوى والفتاوى المضادة، شيوخ الصحراء لا يعجبهم أى شىء، يريدوننا نركب الجمال ونأكل الثريد ونكثر الرماد حول الدار، غير عابئين بما تمليه البيئة على الناس، وما تفرضه الطبيعة على السلوك الإنسانى، وغير مدركين للفوارق الحضارية بين مجتمع وآخر، يقدسون «النقل» ويحرمون «العقل» غير معترفين بقوانين الطبيعة والفيزياء التى تؤكد أن أى شىء ينتقل من مكان لآخر تحدث به العديد من التغيرات، وفقا لظروف البيئة واختلافها، فما يصلح الزرع فى الصحراء لا يصلح فى الأراضى الطينية، وما يثمر فى الدلتا يتأخر عما يثمر فى الصعيد، وما يلائم القاهرة قد يكون مستبشعا فى بورسعيد، لكن هذه الكلمات ربما تقنع من يعقل ويرى، أما من اعتاد أن يضع عقله فى أذنيه فلا ينفعه سوى الأمر والطاعة، مثله مثل الآلات أو ربما الآلات أعقل منه، فعلى الأقل تقوم الآلات بما هو مطلوب منها وما خلقت من أجله، أما هو فلا يدرك حكمة خلقه، ولا يعرف كيف يتواءم مع إمكانياته وظروفه.

أسماه محمد حسين يعقوب «شم الفسيخ» وأسماه الشيخ كشك «سم النسيم» وصرخ أبو إسحاق الحوينى: جميع العلماء حرموا مشاركة المشركين فى أفعالهم، وصرخ مستنكرا: «مين اللى بيطلع الحدائق ويملأ الطرقات»، وتساءل: «إزاى المرا تبقى منتقبة وتطلع تشم هوا فى اليوم ده.. إزاى أفهم الموضوع ده؟ ثم أطلق مدفع الفتاوى التحريمية، لا يجوز بيع البيض والرنجة والفسيخ ومن باع ذلك فهو آثم ورزقه حرام، غير مدرك أنه بهذه الفتاوى التى لا أصل لها يحرم ما أحل الله ويساوى بين الأكل الحلال الذى أمر الله عباده بأن ينعموا به والأكل المحرم الذى أمر الله عباده بالابتعاد عنه، أما محمد حسين يعقوب فيقول فى خطبه الكوميدية المسجلة على قنوات اليوتيوب: «هو ربنا قال فى القرآن إن فيه شم الفسيخ ولا الرسول احتفل بيه، هو إحنا بنقرا الفاتحة ولا معانا تميمة حورس» وهو لا يدرك أنه بهذه المقارنات لا يظلم إلا نفسه ولا يدين إلا «محمد حسين يعقوب»، لأنه ببساطة لو كان الأمر كذلك، فالله لم يقل لأحد أن ينشئ حسابا على اليوتيوب، وأن يقرأ الإنترنت، كما أن الله لم يحرم ما أتت به الحضارات السابقة على الإسلام مادام لا يهدم الدين، فلم يحرم طب الفراعنة ولا هندسة الفراعنة، ولا علوم الفراعنة، فلماذا يضع الإسلام نفسه فى موضع العداء مع «البيض والبصل والفسيخ»؟ أما الشيخ «كشك» فبرغم أنه صاحب شعبية كبيرة بسبب النكات التى يرددها وليس العلم الذى لديه، لكن وصل تطرفه إلى مداه، إذ لم يحرم شم النسيم فحسب وإنما حرم أيضا كل الأعياد الوطنية المصرية بما فى هذا «عيد النصر» أى عيد نصر أكتوبر العظيم قائلا: لا تحتفلوا بهذه الأعياد فليس لدينا عيد للعمال، ولا عيد للثورة، ولا عيد النصر، حيث لا نصر»، وهو بذلك لا يؤكد أنه يكره شم النسيم فحسب، وإنما يكره كل ما هو مصرى حتى حرب أكتوبر التى لا أعرف أن أحدا يكرهها سوى الصهاينة.

الناس أعداء لما يجهلون، هذه هى القاعدة، وطبيعى أن تعادى ثقافة الصحراء القاحلة التى لا يختلف فيها صيف عن شتاء ولم تلونها الطبيعة سوى بلون الرمال كل هذا التنوع الثراء فى الحياة، طبيعى أن تكره الورد وتأجج الخصومة بينها وبين الزرع، وأن تحقد على الزهور والعبير، وطبيعى أيضا أن تجد كراهية الحياة لديهم مسكنا، وأن يصبح الاحتفال بالحياة فى نظرهم جريمة تستحق العقاب بالنار والسعير.

خمسة آلاف عام سار فيها عيد شم النسيم حتى وصل إلى أيامنا هذه، تخطى كل العواقب، وقفز فوق كل المعوقات، وكانت العقبة الكبرى التى عايشناها فى العام 2011 و2012 و2013 فى 2011 تحدى الفوضى وغياب الأمن والاضطراب فى الشوارع والانقسام ما بين نعم ولا فى استفتاء 19 مارس من ذات العام، وفى العام 2012 تحدى المد الدينى وتوغل الإسلاميون فى مجلسى الشعب الشورى وصراعهم للوصول إلى سدة الحكم فى مصر، وفى العام 2013 تحدى الإسلاميين وهم فى الحكم، وتحدى عداءهم الواضح لكل ما هو مصرى أصيل، وفى الحقيقة فإن هذه التحديات لا تذكر أمام ما تخطاه يوم «شم النسيم» على مر العصور.

البيض رمز الحياة المتجددة، والخس رمز الخصوبة والنماء، والملانا رمز الابتهاج بالربيع، والسمك المملح رمز الخلود والبقاء، والبصل رمز قهر الشياطين والأرواح الخبيثة، أكلات رمزية، تبرز كيف تحدى المصرى كل معوقات الحياة بالحياة ذاتها، فمن البيض أو «البويضة» يأتى كل شىء حى، ومنذ قديم الأزل كان المصرى يمسك ببيضتين الأولى يتركها على حالها، والثانية يكتب عليها أمنياته للعام الجديد، ثم «يطقش» البيضتين فى بعضهما البعض، فإن بيضة الأمنيات البيضة الأخرى يتفاءل بتحقيق أمنياته، وإذا حدث العكس ينتظر حتى العام المقبل، أما الخس فقد كان رمزا للخصومة ويقدمه المصريون قربانا لإله الخصوبة، وقد أثبتت الدراسات العلمية أنه يحتوى على مواد وفيتامينات تقهر العجز الجنسى وتساعد على تحقيق الكفاءة الجنسية، أما الملانا التى كان المصرى القديم يسميها «أجراس الربيع»، فقد كانت تطيب فى هذا الوقت من العام، ولأنها «حمص أخضر»، فما أن تجف قليلا حتى تصدر صوتا يشبه رنين الجرس، ولهذا كان المصرى يقبل عليها كما لو أن وظيفتها أن تخبره بأن يحتفل بالربيع، أما السمك المملح، فقد كان المصرى يقبل عليه بروح التحدى، فقد استطاع أن يحتفظ بالأسماك لمدة طويلة، أى استطاع أن يخلدها، وكأنه حينما يأكل هذا «الخلود» يثبت لنفسه أنه قادر على تحدى الموت والعبور إلى الحياة الأخرى.

رموز بسيطة، لكنها موحية، ولا تقف بلاغة الرمز عند حدود فعله، وإنما تتعداه إلى ما ترنو إليه، فخروج المصريين فى هذا اليوم إلى الحدائق وممارسة طقوس قهر الموت دليل حى على أن مصر لن تموت، وأنها ستعبر إلى النور كما يعبر الإنسان من الشتاء إلى الربيع، ومن الموت إلى الحياة، ومن الظلام إلى النور، تاركة خلفها كل عام، أهل الظلام يصيحون ويصرخون، بينما المصريون يغنون «يلا مباراة يلا مسابقة.. مين أشطر فى الضحكة الرايقة؟».

من جانبه، قال الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن اللجنة ستبحث مع الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، ووزارة الأوقاف قانونا يجرم إصدار فتاوى تثير الفتن، وتخرج من غير أهل المتخصصين من قيادات الدعوة السلفية. وأضاف أن اللجنة ستناقش فى أول اجتماع لها الفتاوى التى تصدر وتتعلق بتحريم أشياء غير محرمة، وستتواصل مع المؤسسات الدينية الرسمية، لمواجهة مثل تلك الفتاوى عبر تشريعات قانونية، موضحا أن اللجنة لديها أجندة ستتعامل معها خلال الفترة المقبلة بالتنسيق مع الأزهر والأوقاف.

وقال الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن من يصدرون فتاوى التحريم من التيار السلفى، وآخرها فتوى تحريم الاحتفال بعيد شم النسيم هم مجرد باحثين عن شهرة فقط، ولا علم لهم بأصول الفتاوى وعلم الفقه، مطالبا إياهم بالتوقف عن إصدار الفتاوى التى تثير الفقتن. وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه على قيادات التيار السلفى أن يرجعوا إلى أصول الفقه، مشيرًا إلى أن هذه الفتاوى تشوه التيار الإسلامى، ولا تستند إلى أصول صحيحة من التراث، واصفا إياها بالفتاوى المتشددة.

شم النسيم والفسيخ والفتاوى الغريبة فى كل سنة يخرج علينا بعض الشيوخ المتربصين بالمصريين وحياتهم ويفتون بالحق والباطل فى كل شىء، ومنه «شم النسيم».

ولعل آخر ذلك فتوى الشيخ سامح عبدالحميد، الداعية السلفى، حيث أكد بأن المسلمين لهم عيدان «الفطر والأضحى»، وشم النسيم عيد لغير المسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يُشارك غير المسلمين فى أعيادهم الدينية، ولكن يجوز للمسلم أن يُهنئ المسيحى بنجاح ابنه أو بزواجه أو بشفائه، ويجوز عيادته عند المرض، ومواساته عند المصيبة.

وأضاف «عبدالحميد» فى بيان اليوم، وإذا ثبت أن الفسيخ يترتب على تناوله ضرر، وذلك من خلال أهل الخبرة والاختصاص الموثوقين فلا يجوز للمسلم أن يضر بنفسه، لقوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» «النساء: 29»، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألبانى.












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;