فى الثالث والعشرين من شهر مارس الماضى أعلن مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى إعلان حظر التجوال الجزئي فى مصر لمدة 15 يوما، والتى امتدت إلى مدة مماثلة تنتهى فى 23 أبريل، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية التى تهدف إلى حصار ومنع انتقال فيروس كورونا ليصيب أعداد إضافية من الضحايا، إلا أن هناك من المهن البسيطة التى لم تستتر وراء حجاب الحظر ومضت تقدم خدماتها والعون لكل من يطلبها دون النظر إلى المخاوف من الفيروس أو بهدف الحصول على المبالغ مالبة حيث لا يتحصلون إلا على جنيهات قليلة باعتبارهم من العمالة الموسمية ولكن من باب المساعدة ويقينًا بأهمية أعمالهم أو كما عبروا عن ذلك بقولهم " مش عاوزين غير محبة الناس ورضا ربنا ونعيش مستورين".
عامل الصرف الصحى: أسال الله أن يكون عملى فى ميزان حسناتى
تقترب من الساعة الثامنة تتسارع خطوات المارة للوصول إلى منازلهم يهدأ الصخب وصولا للهدوء كامل تنفيذا لقرار حظر التجوال الذى لا يقطعه سوى حركة الدراج بـ"أ.ج" والذى تم إخفاء أسمه بناء على طلبه حتى لا يتسبب فى إحراج لأولاده، أحد عمال الصرف الصحى الذى يسارع بتلبية النداءات العاجلة الذى تصل إليه عبر هاتفه المحمول الذى لا يكف عن الرنين طلبا له لتسليك إحدى البالوعات أو لتصريف مياه الصرف التى تراكمت فى مدخل إحدى العقارات غير عابئ بمخاطر السير فى الشوارع أو عمله فى الصرف الصحى وما يتم تناقله عن خطر الإصابة بـ فيروس كورونا ذلك مخاطر الوحش الصغير الذى فتك بالمئات من الضحايا فى العديد من دول العالم .
قبل عدة سنوات لم يكن "أ.ج" يتوقع أن يلتحق بمهنة والدة كعامل صرف صحى حيث كان يمنى نفسه بالانتقال من المنوفية محل ٌإقامته إلى القاهرة والحصول على مهنة كتابية لكن جاءت وفاة والده المفاجئة وانقطاع مصدر الدخل الوحيد للأسرة المكونة من والدته وأربعة من الشقيقات لتضطره إلى خلافه والده فى العمل وفى الإنفاق على المنزل.
ويقول "أ.ج" مسترجعا بداية التحاقه كعامل فى شركة الصرف الصحى:"بعد وفاة والدى تم تعيينى عامل بشركة الصرف الصحى كوسيلة للحصول منها على خل يمكننى من الإنفاق على الأسرة باعتبارى الأبن الوحيد مسئول عن والدته وأربعة من الشقيات يجب عليه التخفيف من وطأة فقد الأب، فى البداية وجدت صعوبات عديدة فى التعامل مع البالوعات ومياه الصرف الصحى ولكن مع الوقت أصبحت معتادا على ذلك العمل وسعيد به خاصة مع نجاحى فى تزويج شقيقاتى الأربعة ثم زواجى فيما بعد وإنجاب 6 ممن الأبناء فى مراحل التعليم المختلفة".
ويضف ""أ.ج":" بجانب أنها عمل إنسانى فى المقام الأول حيث نعمل على دفع الأذى والقاذورات عن السكان فى مختلف الأحياء".
وعلى الرغم من سعادته بمهنته وما حققه من خلاله إلا إنه لا يخفى حزنه من بعض التصرفات والنظرة الدونية لمهنته التى يقابلها من جانب البعض وهو ما يعبر عن ذلك بقوله:" نعمل فى ظل ظروف بالغة الصعوبة خاصة مع الحديث عن الإصابات اليومية بفيروس كورونا وهو ما يعرضنا للخطر خاصة وأننا معرضين للإصابة بالفيروسات المختلفة، ولكننا نقبل على عملنا من منطلق الأمانة وشعورنا بالمسئولية تجاه الناس حتى ولو لم تربطنا بهم صلة قرابة أو معرفة سابقة، ومع ذلك قد نفاجئ بنظرة غير لائقة من جانب البعض أو التهكم على عملنا ولكن الغالبية العظمى تقابلنا بترحاب كبير وتقدر عملنا أنا وزملائى العامليين فى تطهير البالوعات فنحن جنود نعمل فى خدمة الناس ليس بالكلام ولكن بالفعل مختتما حديثه بقوله:" أسال الله أن يكون عملى فى دفع الأذى عن الناس بميزان حسناتى" مشددا على أهمية اتباع إجراءت الوقاية من الفيروسات حيث يتم الحصول على حقنة شهرية من الهيئة للوقاية من الفيروسات وذلك بخلاف الفحصى الطبى الشمل الشهرى فى المستشفيات الحكومية للتأكد من سلامتهم وعدم إصابتهم بأى أمراض، بجانب ارتداء زى معين عند أداء العمل لتوفير السلامة والحماية لهم عند نزول البيارات .
"محمود" المساعدة رغم الظروف الصحية
داخل غرفته بحى روض الفرج انهمك محمود عبد العزيز فى البحث عن أدوات عمله التى فارقها منذ فترة وتحديدا بعد إصابته بمتاعب صحية فى فقرات ظهره منذ عدة أشهر، وحرصه على الأستماع لتعليمات الأطباء حتى لا تتفاقم إصابته وهى التحذيرات التى تم مخالفتها فور تلقيه استغاثة عاجلة من أحد السكان الذى أخبره بغرق شقته نتيجة كسر فى ماسورة الحمام ليأتى رده سريعا "هاجيب العدة وأجيلك".
قالها بتصميم ليقطع محاولات زوجته إبقاؤه بالمنزل لظروفه الصحية وامتثالا لدعوات عدم الخروج من المساكن خلال هذه الفترة ليكون رده عليها " لا يمكن تجاهل استغاثة محتاج".
يعمل "محمود"، فى مهنة السباكة منذ صغره حيث توراثها عن والده واستمر بها حتى بعد زواجه و إنجابه أربعة من الأبناء فى مراحل التعليم المختلفة.
ويقول:"لا أعلم مهنة أخرى تربيت على السباكة منذ صغرى وأحببتها وعلى الرغم من معاناتنا مع البطالة فى أوقات كثيرة حيث أننا ننتمى للعمالة غير المنتظمة ولكن لم أفكر يوما فى تركها نظرا لشعورى بأنها خدمة وليست مهنة حيث تعمل على إنهاء معاناة ناتجة عن خلل ما فى الصرف المنزلى".
مضيفًا:" لذلك أحرص على تلبية أى استغاثة واردة بأى وسيلة من الجيران على الرغم من تقديرى الكامل للتعليمات والأجراءت الوقائية من فيروس كورونا ولكن أشعر بأن مهنتى ذات طبيعة خاصة لا يمكن التأخر بها عن محتاج طالما طلب المساعدة لذلك فنحن فى حماية الله".
عم عيد صاحب الإشارة
فى الوقت الذى يعتبر فيه تراكم القمامة مشاهد مفزعة ينبغى تجنبها والابتعاد عنها عشرات الأمتار هناك من يقبل عليها راضيا بهدف إبعادها وإزالتها وتجنب المارة رائحتها الكريهة ومخاطرها الصحية وهم عمال النظافة الذين يضربون أعظم الأمثلة فى التفانى والعمل فى ظل ما يقدمونه من تضحيات وخدمات تؤدى إلى محاصرة الفيروسات ومنع انتشارها وفى مقدمتها فيروس كورونا .
عم عيد أحد عمال النظافة الذى أكتسب شهرة واسعة داخل حى شبرا بالكامل نظرا لابتسامته الدائمة ومبادرته لتقديم يد العون لكل من يطلبه أو يقصده.
" اظبط ساعتك على عم عيد ".. عبارة شهيرة يتم ترديدها بين سكان شبرا ويتم تسليمها من جيل لأخر تعبيرًا عن دقة مواعيد عم عيد وحرصة على مباشرة عمله مبكرا على الرغم من بعد مسكنه عن القاهرة حيث يقيم فى محافظة المنوفية فور وصوله للحى يحرص عم عم عيد على اتباع البرنامج اليومى الذى يمارسه منذ سنوات وهى إطلاق الإشارة كما تعرف بين سكان الحى الذين يحبونه وينظرون له بنظرة تقدير حيث يمثل جزءا من طفولتهم وشبابهم، والخاصة بمناداة العديد من سكان الحى بأسمائهم فور وصوله للتأكد من ذهابهم لأعمالهم كما اعتاد من سنوات :"أنا معتاد على ذلك الأمر منذ سنوات فأغلب من تخرج فى الجامعات واستلم الوظائف ومنهم من يعمل فى مهن مرموقة كانوا بالأمس طلبة فى المدرسة كنت أحرص على مداعبتهم خلال ذهابهم للمدرسة بصحبة أبائهم والأن كبروا وأصبحوا موظفين وأباء وأكرر معهم نفس الأمر ولكن للتأكد من ذهابهم لأعمالهم".
وبعدها مباشرة يبدأ عمله بكنس وجمع القمامة وإلقائها فى الصناديق المخصصة لها ثم ينتقل لشارع أخر وهكذا دون ملل أو تعب أو خفض معدل مجهوده على الرغم من تقدمه فى السن .
لم تكن مهنة المنظف أو جامع القمامة هى المهنة الأولى لـ"عم عيد"، حيث التحق بالعديد من لمهن لكنه لم يقبل الأستمرار لظروف متعددة حتى التحق بمهنته التى استمر بها عشرات السنوات وهو ما يعبر عنها بقوله:"انتقلت للقاهرة فى سن صغيرة والتحقت بمهن عديدة ولكن زهدت فيها جميعا ولم أتعلق بها وانجذبت لمهنة عامل النظافة وازداد حبى لها بعد ما اكسبتنى حب الناس ودعواتهم ".
وعن ما تخوفه من امكانية إصابته ببعض الأمراض أوالفيروسات بسبب عمله قال :"ربنا سخرنا للمهنة ديه لذلك لن يضيرنا فيروس أو غيره".. هكذا يعبر عم عيد الرجل الستينى العمر والأب لعدد من الأولاد حرص على الحاقهم بالمدارس وتعليمهم عن رؤيته لعمله ويقينه بعدم تعرضه لأى إصابة أو مخاطر صحية لأنه كما يقول يعمل بهدف إزالة " الأذى والميكروبات عن الناس" بحسب وصفه مضيفا:" بس لازم برضه نعمل بتعليمات الأطباء والأخذ بكل الأحتياطات اللازمة للحماية من الميكروبات والفيروسات حيث أحرص على النظافة الشخصية وعدم مخالطة أى من أفراد أسرتى بعد العمل مباشرة إلا بعد الأستحمام واستخدام المطهرات والتخلص من ملابس العمل .