فى نفس التوقيت من كل عام، قد تخرج من بيتك صباحا لتجد رصيف شارعك يهد ويعاد بناؤه دون سبب واضح بالنسبة لك، أو أن الطريق يعاد رصفه رغم أن ممهد بصورة كافية منذ فترة قريبة ولا تجد تفسيرا واضحا أيضا.
هذه الوقائع أصبحت تمثل ظاهرة متكررة على مدار عشرات السنوات، والتى تعانى منها الموازنة العامة فى نهاية العام المالى سنويا، حيث تطلب كافة الجهات الحكومية من وزارة المالية صرف اعتمادات بمليارات الجنيهات فى نهاية العام المالى حتى تستنفذ كافة المخصصات المالية المرصودة لها بالموازنة العامة، لضمان حصولها على نفس المخصصات أو أزيد فى العام المالى المقبل، وهى الظاهرة التى يطلق عليها "حرق الموازنة".
ورغم تكرار الظاهرة سنويا، بما يحرق مخصصات مالية فى إزالة رصيف وإعادة بنائه دون أى عائد حقيقى على الاقتصاد القومى، بل إهدار المليارات، فلم تقم الحكومة بأى إجراءات جادة لوقف نزيف الموازنة.
وحسبما أفاد مسئول بارز بوزارة المالية لـ "انفراد"، فإن كافة الوزارات والهيئات تقدمت للوزارة بطلبات لصرف اعتمادات مالية بمليارات الجنيهات خلال الأيام الماضية، حيث قامت الوزارة بإجراء احترازى قبل حوالى ثلاثة أعوام أو أكثر بقليل بوقف صرف اعتمادات استثمارية خلال آخر شهر من العام المالى فى يونيو فى محاولة لتقليل ظاهرة "حرق الموازنة"، وهو ما قابلته هذه الجهات بتقديم مواعيد طلب المخصصات فى أبريل ومايو، سعيا للحصول عليها قبل يونيو.
وأكد المسئول أن طلبات صرف الاعتمادات مكدسة فى انتظار موافقة وزير المالية منذ مطلع الشهر الجارى، حيث أدركت هذه الجهات عدم صرف اعتمادات فى يونيو وقدمت مواعيد الطلب.
من جانبه قال الدكتور كريم سالم أستاذ المالية العامة بالجامعة البريطانية وعضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن الحل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة هو تغيير نمط الموازنة العامة وتحويله من موازنة تقليدية إلى موازنة البرامج والأداء، لمواجهة حرق المخصصات المالية سنويا، دون أى عائد حقيقى من هذا الإنفاق.
وأكد سالم أننا نواجه موروث بيروقراطى من عشرات السنوات فى التعامل مع الموازنة العامة، يجب تغييره ولكن هذا التغيير لم يتم فى لحظة ويحتاج لوقف حتى يمكن حدوثه.
وينص تعديل قانون الموازنة العامة الصادر عام 2005 على أن تتحول وزارة المالية إلى موازنة البرامج والأداء بصورة كاملة خلال بحلول عام 2010، ولكن حتى الآن لم تتخذ وزارة المالية خطوات جادة نحو التحول إلى موازنة البرامج التى تحقق فعالية الإنفاق العام، ونص البيان المالى لموازنتى العام المالى الحالى والسابق على التحول التدريجي من خلال تطبيق هذا النوع من الموازنات على الوزارات الخدمية وأبرزها الصحة والتعليم، ولكن لم تتخذ أى خطوات فعلية نحو تحقيق هذه الأهداف حتى الآن.
من جانبه طالب الدكتور خالد زكريا أستاذ الإدارة المالية الحكومية بكلية الاقتصاد خلال جلسات المجلس الوطنى للتنافسية، ربط الإنفاق العام بأهداف واضحة من خلال إطار متوسط للإنفاق، أى لا تكون مجرد موازنة سنوية، وتكون هناك موازنة متوسطة الأجل 3 – 5 سنوات، ترتبط بتحقيق أهداف واضحة للإنفاق وليس مجرد صرف الأموال فى سنة مالية، بما يمكن من المحاسبة والمساءلة وترحيل الفوائض المالية، والخروج من الموازنة الضيقة المرتبطة بالبنود والتى وصفها بـ"موازنة أضعف الإيمان"، والانتقال لموازنة أكثر تعقيدا تؤدى لتحسين عملية صنع القرار.