كل منا تمنى فى لحظة من حياته أن يولد ابنًا لرجل أعمال، بكل الأساطير التى تتوارد للعقول بمجرد ذكر كلمة «رجل أعمال».. الأحلام تتضمن التعليم فى مدرسة 5 نجوم، والتنقلات بسيارة فاخرة، والخدم الذين يملأون جنبات القصر المنيف، هذا النوع من الحياة الذى لخصه المصريون فى كلمة واحدة «مولود وفى فمه ملعقة ذهبية».
ولكن، هل فكر أحد فى الدخول لتفاصيل حياة أبناء رجال الأعمال بشكل حقيقى، بعيدًا عن الأفلام السينمائية، وتصورات الأعمال التليفزيونية التى دائمًا ما تحصر حياتهم فى المعارك على الفتيات والسهرات وحياة الترف، والسفر والتباهى باقتناء أغلى الأشياء؟
الأمر على أرض الواقع يبدو مختلفًا إلى حد ما، الملعقة الذهبية ليست دائمًا موجودة، بل تظهر فى المشهد رحلات كفاح من نوع خاص، كفاح لاستكمال مسيرة ضخمة قطعها أب من قبلهم، تحدٍ لأن تكون بنفس قدرات وإمكانات من حفر فى الصخور قبل سنوات.
ويقولون دائمًا إن الوصول للقمة صعب، لكن الحفاظ عليها أصعب، وهذا تحديدًا هو الذى يحمله العديد من أبناء رجال الأعمال، رحلة الحفاظ على القمة وتدعيمها والبناء فوق ما تركه الآباء، رحلة ليست بسهولة ما يتخيله الكثيرون، رحلة كثيرًا لا تكون بها مساحة للترف، أو الاستهتار، وربما لا يحظون بالحرية التى يحظى بها الكثيرون من أبناء العامة وأصحاب المهن التقليدية.
«انفراد» خاضت رحلة لهذا العالم مع اثنين من أبناء كبار رجال الأعمال فى مصر، لنطلع على الجانب الآخر من العملة، وتحديدًا الأجزاء المختفية تحت السطح الذى يبدو براقًا وأخاذًا وحلمًا يحاول الجميع الوصول إليه.. طرحنا عليهم العديد من الأسئلة حول بداية الرحلة، وهل تختلف رؤيتهم فى الحياة عن رؤية آبائهم، وهل يمكن الخروج من جلباب الأب الذى صنع بجهد سنوات طويلة، وهل يراودهم حلم السياسة ليجمعوا بين نفوذ السلطة وقوة المال؟!
سيف ثابت.. من «مندوب مبيعات» لـ«الرئيس التنفيذى لجهينة»
نجل صفوان ثابت: «أنا لبّان زى أبويا».. وتدربت كعامل بألمانيا
تولى الشباب الصغير السن للمناصب المؤثرة والكبيرة فى مصر دائمًا ما يكون مثيرًا للتساؤلات، وربما يصل إلى حد الاتهام بالمجاملات، وإعطاء الثقة لمن لا يستحقها، وهذا ما يحدث كثيرًا مع أبناء كبار رجال الأعمال فى مصر، لذا حاول البعض كسر تلك الصورة والتدرج فى الخطوات بشكل نسبى إلى حد ما، منهم سيف صفوان ثابت، الرئيس التنفيذى لمجموعة «جهينة» للصناعات الغذائية، والذى روى تفاصيل مسيرته للوصول إلى ذلك المنصب.
وقال سيف ثابت: «بدأت العمل فى جهينة بعد تخرجى عام 2004 فى كلية الإعلام، بناءً على اختيارى، وأول عقد وقعته مع الشركة كان بعد عام، أى فى 2005، وللعلم كان مندوبا للمبيعات، وبالفعل لم أجلس على مكتب إلا عقب 3 سنوات بالتمام والكمال».
وحول الصعوبات التى واجهته كمندوب مبيعات، أوضح «سيف»: «العمل كان مرهقًا بكل تأكيد، نزلت الأسواق، وقمت ببيع الزبادى والأزمة الكبرى بالنسبة لى تمثلت فى انتشار أنباء عن أننى نجل صفوان ثابت، لذا كنت ألجأ إلى تغيير المنطقة، وهكذا فى كل منطقة يعلمون فيها صلتى بمالك الشركة».
وأشار نجل صفوان ثابت إلى أنه كان يمارس حياته كأى شاب فى مقتبل العمر، قائلًا: «كنت أنزل للأسواق وأفطر مع السائقين، وأقوم بتوزيع البضاعة بنفسى»، مضيفًا: «بعد العمل فى إدارة المبيعات، انتقلت للتسويق، وأخذت فكرة عنه، ثم انتقلت للمبيعات، ثم لإدارة المشروعات، وأسهمت فى بناء مصنع جديد، وعملت كمنسق بين المسؤولين عن بنائه والإدارة، مضيفا: «للعلم فى فترة الجامعة، أنا خريج كلية إعلام من إحدى الجامعات الخاصة دفعة 2004، لم أكن أذهب مع أصدقائى لقضاء الإجازة الصيفية فى الساحل أو الإسكندرية، بل تقريبًا فى كل أعوام الدراسة كنت أسافر إلى ألمانيا للعمل كعامل على ماكينة»، مضيفًا أن السفر كان فرصة جديدة للتعرف على خبايا الماكينات.
أوضح سيف صفوان أنه سافر إلى ألمانيا مرة أخرى بعد التدرج فى عدة مراحل بالشركة، لكنه عاد بعد تلك الفترة لإدارة أحد المصانع الجديدة، مضيفًا: «قمت بعمل زيادة فى عدد من خطوط الإنتاج، وعينت فريقًا جديدًا»، مضيفًا: «بعد ذلك انتقلت إلى إدارة الموارد البشرية بالمجموعة والإمداد والتموين ونظم المعلومات، وتداخلت أيضًا فى قطاعات التسويق والمالية والبورصة».
وحول علاقته بوالده بعد توليه زمام الأمور، قال: «يمكن أن تتخذ قرارات دون الرجوع للوالد لأننا فى مؤسسة بها عدد كبير من المديرين الأقوياء، لكن فى أوقات يجب الرجوع إليه للاستفادة من خبراته، خصوصًا أنه لا يزال يعمل ونشيط للغاية فى عمله»، مضيفًا: «هناك موضوعات يفضل أن يعرف تفاصيلها، خاصة أنه يهتم للغاية بإدارة التسويق، لأنه يحبها ويستمتع بالعمل فيها، ولديه موهبة فيها، ورغم ثقتى فى فريق التسويق فإننا مازلنا نتعلم منه، ومازالت لديه رؤية، ومهما اختلفنا معه فيها يكون على صواب فى النهاية».
أما عن مبدأ صراع الأجيال المعروف فى حال تولى الابن محل أبيه، قال سيف ثابت: «ليست لدى رؤية مختلفة عن جيل المؤسسين، وبالتأكيد الطريقة التى قادت المؤسسة لتلك المكانة قادرة على إبقائها فى المقدمة»، مضيفًا: «أنا على عكس بعض أصدقائى الذين يعملون مع أهلهم ويدخلون فى صراع مع الأجيال القديمة بداعى أن الشباب يريدون التطور، والجيل القديم متعنت وهكذا، لكن هذا لا يحدث عندنا».
وحول نيته اقتحام مجالات جديدة، أكد سيف ثابت أنه لن يفعل ذلك، قائلًا: «أنا دخلت مجال الصناعات الغذائية ومستمتع بيه جدًا، وأنا لبان وأبويا لبان».
عمر صبور: لدينا توسعات فى أسواق الإمارات وعمان
رئيس مجلس إدارة «رويال»: نحاول تجاوز أزمة السياحة الحالية
يعد حسين صبور من أشهر رجال الأعمال فى مصر، ومن الطبيعى أن يكون حريصًا على تأهيل أبنائه منذ صغرهم، حتى يصبحوا قادرين على إدارة تلك المؤسسة التى تتعدد فروعها الكبرى فى يوم من الأيام، وهذا ما كشف عنه عمر صبور، رئيس مجلس إدارة شركة رويال للسياحة، مساعد رئيس مجلس إدارة المكتب الهندسى.
وروى عمر صبور تفاصيل بداية علاقته بالمجموعة، قائلًا: «بدأت منذ تخرجى فى الجامعة عام 95، حيث عملت كمهندس إشراف على تنفيذ مبنى البنك الأهلى بمدينة نصر، ثم مطابع الأهرام بأكتوبر، ثم انتقلت لشركة الأهلى للتنمية العقارية، وعملت بقطاع المشروعات، وبدأت فى قطاع دراسة السوق قبل أن أنتقل كعضو منتدب لشركة رويال للسياحة وعمرى 26 عامًا، ثم حاليا رئيس مجلس إدارتها». وتابع حديثه: «أحب الاستقلال فى عملى، فقد أسست حديثًا شركة جرين تك لتوفير الطاقة مع مجموعة من أصدقائى من جمعية شباب الأعمال، لتعمل فى حلول البيئة وتوفير الطاقة»، مضيفًا: «والدى علمنى الجرأة فى اتخاذ القرارات، وأعطانا جميع الصلاحيات منذ صغرنا، أحيانًا فى إدارة شركتى أتخذ قرارات بشكل فردى، وفى أوقات أخرى أعود إليه عندما أشعر أننى أحتاج المشورة».
أما عن وجود اختلافات فى الرؤى بينه وبين الجيل المؤسس، فقال نجل حسين صبور: «بالنسبة لشركة السياحة، فى ظل الظروف الحالية ليست هناك رؤية للتطوير، بقدر أننا نريد أن نمر بأزمة السياحة الحالية بأقل الخسائر، وفكرة التطوير ليست معروضة حاليًا، ونحاول أن نمر من الخسائر دون الاستغناء عن العمالة لدينا، وحتى الآن تحملنا 5 سنوات وأعتقد الباقى سيكون أقل حدة».
وحول وجود مجالات جديدة يعتزم الاستثمار فيها، أكد عمر صبور: «لا، ليس هناك سوى الشركة التى أسستها مع مجموعة من أصدقائى، وفكرة تأسيس الشركة أصبحت ضرورة ملحة، وهى توفير الطاقة، وذلك بعدما رفعت الحكومة من أسعارها وأعلنت رفع الدعم نهائيًا».
وأوضح رئيس مجلس إدارة شركة «رويال للسياحة» أنه يتمنى العمل فى مجال الصناعة، مضيفًا: «فكرة الإنتاج تعجبنى أيضًا، ولكن لم أعمل بهار ولم تستهونى صناعة بعينها، لكن من حببنى فيها هو رئاستى لفترة جمعية شباب الأعمال، وارتباطى بأصدقائى الصناع، وعلى رأسهم حسام فريد، ونحن فى المجموعة لا ندخل مجالات جديدة إلا مع شركاء لديهم الخبرة». وعن خطط التطوير المستقبلية، أوضح عمر صبور: «لدينا توسعات، كمجموعة صبور فى أسواق الإمارات وعمان، بسبب أن الأسواق العربية ترى أن مكاتب الهندسة المصرية مقنعة بالنسبة إليها، كما كانت لدينا استثمارات فى سوريا وليبيا».
واختتم نجل حسين صبور بالحديث عن رفضه للعمل فى السياسة قائلًا: «أنا لا أحب السياسة، ولم أعمل بها أنا أو والدى، وكنت مؤمنًا بثورة يناير، لأن وقتها كانت هناك مشاكل كبيرة فى حاجة لإصلاح، وأتمنى تحسن تلك المشاكل فى الفترة المقبلة».
وأضاف عمر صبور أن قطاع الفنادق والمشروعات التجارية سيشهد طفرة تنموية واضحة خلال السنوات المقبلة، مدفوعاً بخطة التنمية التى تقودها الدولة عبر التوسع بالمشروعات الفندقية والتجارية.
وأكد أن تردى الأوضاع خلال السنوات الماضية الذى أسهم فى خروج العديد من الشركات الكبرى عن العمل بالسوق المحلية، ألقى بظلاله السلبية على حركة تشغيل الفنادق بالمدن الساحلية، وخاصة بداخل منطقة سيناء والبحر الأحمر.