سعيد الشحات يكتب "ذكريات صحفية ".. الإعلامي الرائد أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب من 1953 إلى 1967 يأتمنني على مراجعة مذكراته الضخمة في ثرائها.. وعدد صفحاتها ومازالت بحوزتي

اتصلت بالإعلامي الكبير أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب في عصرها الذهبي من عام 1953 حتي إقالته بعد نكسة 5 يونيو 1967، لأبلغه بأن هناك شيكا أرسلته جريدة "البيان " الإماراتية إليه عبر مكتبها في القاهرة الذي كنت نائبا لمديره الأستاذ الكبير جلال عارف، وكان مقابل مقالا طويلا كتبه حول "الإعلام ودوره"، وطلبته أنا منه بناء علي إلحاح من الجريدة في دبي، وكان هذا أول اتصال لي معه. رد :"يا ابني أنا لا أتقاضي أجرا نظير ذلك، دي مهمة قومية ندرت نفسي لها"، واقترح :" أعيدوه مع توصية مني بأن تذهب قيمته إلي أي جهة خيرية"، فاقترحت عليه أن يصرفه هو، ويوجهه إلي الجهة الخيرية التي يراها "، لكنه رفض قائلا :" لا ، لا ،أصرفه أنا، يعني أوقع علي استلامه ،وهذا يعني أنني تقاضيت قيمته"، وأعادنا الشيك إلي مصدره مع الخطاب الذي أوصانا به، وبعدها طلبت منه زيارته لإجراء حوار معه، فوافق كنا في عام 2000 حين ذهبت إليه في مسكنه بحي الزمالك، وبالرغم من أنه وقتها مضي علي تركه إذاعة صوت العرب 33 عاما، إلا أنه بقي علي موعد كل عام مع السهام الجارحة كلما تجدد جنازات الحديث عن نكسة 5 يونية 1967، وكأنه كان سببا فيها، وبالرغم من ذلك، وجدته إنسانا متصالحا مع نفسه، معتزا بتاريخه، ودوره الوطني والقومي الذي كان فيه المجهول أكثر بكثير من المعلوم، ويجعله من هؤلاء الذين أعطوا بسخاء لمصر وللمنطقة العربية دون أن ينتظروا أي مقابل. كنت جاهزا بأدواتي المعرفية للحوار، وأدي اتصالي به في المرتين إلي حميمية تولدت بيننا ،تعمقت أكثر منذ الدقائق الأولي لجلوسي معه، ولأني أعرف قيمته الكبيرة، وقيمة "صوت العرب" كإذاعة كانت هي الأداة الإعلامية الأهم في معاركنا القومية العربية طوال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، خططت لأن يكون حواري معه ليس مجرد حوارا عابرا، وإنما شهادة للتاريخ، ولهذا طلبت منه أن نبدأ من فترة تكوينه، والانتقال منها إلي باقي مراحل حياته ،فوافق، وتكررت اللقاءات حتي كانت الحصيلة سبع حلقات، نشرتها في جريدة "البيان" وجريدتي الأصلية "العربي". كان صدي الحلقات طيبا خاصة وأنها اختلفت عن محاولات سابقة قام بها زملاء آخرين، كما حملت أسرار كثيرة في قصة تأسيس صوت العرب، ثم استلامه الراية في رئاستها بعد شهور قليلة من رئاسة "صالح جودت" لها الذي لم يعجب أداؤه جمال عبد الناصر، ومعارك صوت العرب في مساندة، ثورة الشعب المغربي ضد قرار الاحتلال الفرنسي بخلع السلطان محمد الخامس ونفيه إلي مدغشقر، ثم معركة استقلال الجزائر ،وقصته مع قائد ثورتها "أحمد بن بيلا " الذي كان أول من اكتشفه حين جاءه متخفيا تحت اسم "مزياني مسعود " ثم تسليمه له إلي "فتحي الديب" ضابط المخابرات المصرية ورجل عبد الناصر"السري" في حركات التحرر العربية، وقصة الإذاعة في سقوط حلف بغداد ،وقصتها مع الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 ، وقصتها مع نضال دول الخليج العربي ضد الاحتلال البريطاني، وغيرها من المعارك القومية الأخرى . تواصلت لقاءاتي الإنسانية به حتي أنني كنت أقضي أجازتي الصيفية في"مرسي مطروح" عام 2001، وتصادف أنه كان يقضي أجازته فيها، فزارني هو وزوجته الطيبة، وكان يرتدي ترنج وكوتش، ويتحرك كما لوكان شابا في الثلاثين من عمره، وأنصرف حديثنا يومها إلي وفاة الفنانة سعاد حسني في لندن التي صادف رحيلها وقتئذ، ويوما بعد يوم أصبحت قاسما مشتركا بينه وبين اثنين من القريبين منه وهما "فتحي الديب" والشاعر الغنائي الكبير أحمد شفيق كامل. ومع مرور الوقت ومع تطور علاقتي به، ومعرفتي للكثير من أسراره التي فيها ماهو أكبر من دوره الإذاعي ولم يذكره لي في حلقاتي السابقة، ألححت عليه أكثر من مرة في أن يكتب مذكراته، واستعدادي أن أساعده فيها بأي طريقة يراها، لكنه ظل مترددا حتي حسم الأمر في لقاء جمعه بالصديق الكاتب الكبير عبد الله السناوي وقت أن كان رئيسا لتحرير العربي، وتشجع أكثر حين قال له "السناوي":"سعيد الشحات أفضل حد يساعدك فيها لأنه بيحبك وانت تحبه". اتصل بي وأبلغني بما دار بينه وبين "السناوي"، وبدأنا نخطط في كيفية تنفيذ مشروعه، وتبلور النقاش علي أن نتحدث سويا شفهيا باللقاء أوبالتليفون حول الفكرة التي سيكتبها كنوع من التحضير، ثم يعكف علي كتابتها، ويرسلها لي بعد انتهائه منها لقراءتها، ثم نتناقش فيها من جديد، وإجراء التعديلات في حالة تطلب الأمر ذلك، وبالفعل دارت العجلة بهمة كبيرة، ومحبة صافية، ونقاش ثري. كان يكتب بخط يده الصغير جدا وبحبر أسود، وعلي ورق أبيض مسطر غالبا، وبدأ بقصة "تأسيس صوت العرب عام 1953" والجهود العلمية والفكرية العميقة التي رافقت ولادتها من إعداد الخطاب الإعلامي وطريقة اختيار المذيعين وتثقيفهم قوميا وفكريا، ثم توالت الفصول "ثورة المغرب" و"معركة الأحلاف" و"تأميم قناة السويس " و"ثورة الجزائر" و"الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958" و"انتهاء الوحدة بالانفصال عام 1961 " و"الشريك المخالف ،مصر والسعودية" و" نكسة 5 يونية 1967 وإقالتها من الإذاعة". احتوت المذكرات علي تفاصيل ووقائع مدهشة، كتبها بذاكرة حية، وتأريخ دقيق، يؤكد عظمة وقيمة الدور المصري قوميا وقتئذ، وبين سطورها حكايات لعظماء وهو واحد منهم، بعضهم أعطي وذهب في صمت، وبلغت صفحات كل فصل من هذه الفصول حدا يجعل كل منها كتابا مستقلا، ومن ضخامتها فكر أن تكون جزئين، وبعد أن أنهينا المهمة، بقيت مهمة دفعها إلي دار نشر، لكنه بقي مترددا، حتي توفاه الله يوم 4 يونيو عام 2018، ومازالت صورة منها بحوزتي تنتظر موفقة الأسرة، ومازال موقفه برفض الشيك دالا عندي علي قيمة استغناءه وعلي ما أعطاه في حياته.
























الاكثر مشاهده

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

;