وصل جمال عبدالناصر إلى القاهرة يوم 2 مايو، مثل هذا اليوم، 1955، قادما من أفغانستان، ووجد استقبالا شعبيا حافلا تم على غير رغبة جمال سالم زميله فى مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، حسبما يذكر أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو».
غادر «عبد الناصر» القاهرة يوم 8 إبريل 1955 لحضور مؤتمر «باندونج» من 18 إلى 24 إبريل 1955، وكان النواة الأولى لتأسيس كتلة «عدم الانحياز».. يؤكد «حمروش» أن الدول الاستعمارية حاولت مقاومة عقد هذا المؤتمر، وحاولت قوى كثيرة تعطيل سفر عبدالناصر، وكتب محمد حسنين هيكل قائلا، إنه غير متحمس للذهاب إلى باندونج، لكن «عبدالناصر» اشتعل حماسا، ولم يتردد لحظة فى الذهاب على رأس وفد مكون من صلاح سالم وزير الإرشاد ومحمود فوزى وزير الخارجية، وقائد الجناح على صبرى الذى عين مديرا لمكتب عبدالناصر، والشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف»...يذكر حمروش، أن عبدالناصر زار باكستان فى طريقه إلى الهند التى أمضى بها عدة أيام رافقه فيها الزعيم الهندى «نهرو»، وأتاح له فرصة الخطابة فى جمع حاشد يبلغ نصف مليون شخص، وألقى خطابا أمام برلمان الهند».
كان لجريدة الأخبار موقفا غريبا من المؤتمر، يتذكره حمروش قائلا: «كان غريبا أن تصدر جريدة الأخبار «الموالية للأمريكيين» خلال بعض أيام المؤتمر بمانشيتات مثيرة لعلامات الاستفهام، فيوم وصول عبد الناصر إلى باندونج 18 إبريل 1955 صدرت بمانشيت أحمر رئيسى يقول: سيدة بلا رأس فى قطار الإسكندرية.. وفى اليوم التالى لخطاب عبد الناصر فى برلمان الهند، كان المانشيت الرئيسى: براءة 6 متهمين فى قضية قتيل شبرا، ومانشيتات فرعية بنفس المقياس تقول:عبدالناصر خطب فى البرلمان الهندى.. وتقول أيضا: براءة زوج فاطمة أخت القتيل ورجوات زوجة ابنه.
يذكر «حمروش»: «على قدر ما لقى عبدالناصر من استقبالات حافلة فى كل دولة زارها، على قدر ما كانت هناك محاولة لعدم استقباله فى القاهرة استقبالا شعبيا يناسب نجاح المؤتمر».. يكشف: «كان جمال سالم خلال الزيارة قد عين رئيسا بالنيابة، واجتمع عبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وكمال رفعت ولطفى، وأكد مدير مكتب جمال عبد الناصر فى ذلك الوقت للبحث فى استقبال شعبى، ولما عرض الأمر على جمال سالم لم يوافق، وطلب أن يكون الاستقبال عاديا، ولكنهم رفضوا رأيه ونفذوا إجراءات الاستقبال وحدهم ماجعله مفاجئا له عند وصوله إلى المطار».
يؤكد «حمروش»: «لم تكن محاولة منع الاستقبال الشعبى من جانب جمال سالم وحده، ولكن هنرى بايرود السفير الأمريكى فى مصر أقنع السفراء الغربيين بعدم مقابلة عبد الناصر فى المطار بحجة اعتقاده أن استقباله يجب أن يبقى مظاهرة آسيوية أفريقية فقط»، يضيف «حمروش»: «كان موظفو السفارة الأمريكية يطلقون على مؤتمر باندونج «لعبة المحتلين من سكان المدن السود».
وصل «عبدالناصر» إلى القاهرة يوم 2 مايو 1955، وكان استقباله شعبيا حافلا، وصفه الكاتب الفرنسى «جان لاكوتير» فى كتابه «عبد الناصر» بقوله: «هبت موجة حارة على الرجل وعلى الجماهير، ففى ميدان التحرير حيث أقيمت أقواس النصر تحمل أسماء عبد الناصر ونهرو وشوين لاى، شاهدنا سيارة جيب تخترق الجماهير، ويقف فيها ناصر مبتسما ابتسامة عريضة تفرج لأول مرة عن انكماش وجهه الصلب، بينما يجرى وراءه الشعب الذى طالما واكب فى الماضى النحاس باشا أو محمد نجيب.. فماذا جرى الآن؟
يجيب «لاكوتير»: «ذلك أن العهد قد ولج طريقا جديدة، فقبل سفر البكباشى إلى آسيا بأسبوع، ولم يكن تأكد أنه سيذهب بنفسه، اعتقل رجال المباحث عشرات الشيوعيين وزجهم فى غياهب السجون، ولكن عندما قرر ناصر السفر إلى إندونسيا تلقى برقية من المعتقلين تقول: «عاش المناضل فى المعركة ضد الإمبريالية».
كان «حمروش» أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة 23 يوليو 1952، ويقول إنه ابتعد عن ممارسة أى نشاط سياسى بعد أزمة مارس 1954، نتيجة المراقبة الشديدة، ويؤكد: «كنت الوحيد من خريجى كلية أركان الحرب الذين يعملون فى «الجيش المرابط فى قويسنا» الذى كان مكلفا بحراسة المنشآت».. يتذكر أنه ذهب إلى رئاسة مجلس الوزراء فاستقبله عبدالناصر مع البكباشى عبد الحكيم الأعسر، زميله فى مجموعته من الضباط الأحرار بالإسكندرية، يقول: «عندما دخلنا عليه كان متهلل الوجه وبادرنى بقوله..أخيرا..رجعت ورضيت تيجى لنا».. يتذكر حمروش رده: «قلت له صادقا: الشعب كان معك فى خطوتك، وأنا واحد من الناس، وجلست معه..كان منشرح الصدر، تحدث عن معركته ضد الأحلاف بثقة متناهية».