فى الوقت الذى تراجعت فيه أسعار الغاز عالميًا، مدفوعة بانخفاض أسعار النفط، فإن الأسعار ما تزال ثابتة للمصانع المصرية، فسعر المليون وحدة حرارية والتى تساوى 28.2 متر مكعب غاز، ما يزال فى حدود 4.5 دولار، وهو سعر يزيد عن السعر العالمى كثيرا، حيث انخفض سعر المليون وحدة حرارية بريطانية من 2.5 دولار إلى نحو 2 دولار ثم وصل ل1.78 دولار .
والنتيجة المترتبة على ثبات سعر الغاز للمصانع المصرية وانخفاضه بشكل كبير للصناعة العالمية، هو انخفاض تنافسية صناعتنا لصالح الشركات العالمية.
وفى قضية سعر الغاز يوجد اتجاهان لا ثالث لهما، الأول الاتجاه الداعم لاستمرار السعر عند حده الحالى، على أساس انه سعر مناسب ، خاصة أن الحكومة خفضته من 8 دولارات تدريجيا ل 6 دولارات ، ثم 5.5 دولار، وأخيرا تم تخفيضه ل 4.5 دولار .
هذا الاتجاه يرى أن السعر مناسب للصناعة، وداعم لها ، بدليل استفادة قطاعات كبيرة من الخفض ، كما يرى أنه تم إنفاق مليارات الدولارات على البنية الأساسية ، من اجل تحول مصر لمركز اقليمى للغاز، وبالتالى من المهم استمرار معدلات السعر الحالية ، بما ينعكس على موارد قطاع البترول.
وقد يكون هذا الاتجاه على حق فى ذلك، لتعظيم موارد البترول ، وهو ما ينعكس على موارد الدولة ، إلا إنه تجاهل أمرين ، الأول هو الانخفاض الكبير فى سعر الغاز عالميًا ، فى ظل خضوع الغاز كغيره من مشتقات النفط لسعر عالمى فى ظل تجارة عالمية حرة ، والدليل أن سعر برميل نفط تكساس انخفض حتى سالب 42 دولارا للبرميل، نتيجة الظروف العالمية وضعف الطلب وصعوبة الشحن .
الأمر الثانى الذى تجاهله أصحاب الاتجاه الأول، هو تعرض الصناعة لأعباء كثيرة، نتيجة ارتفاع السعر فى الوقت الذى أصبح لدينا قانون للغاز وإمكانية دخول القطاع الخاص كمستورد للغاز بالسعر العالمى، وهذا حقه أيضا لخفض أعباء تكاليف الانتاج .
أيضا من المهم التوصل إلى بعض النقاط الجوهرية حول تأثير سعر الغاز الحالى على الصناعة وحجم مكاسب قطاع البترول منه ،وحجم ما يتم توريده للخزانة العامة، وتأثير خفض السعر تدريجيا، لحين ربطه بالسعر العالمى ،من حيث انعكاسه على الصناعة، وحجم خفض تكاليف الإنتاج وحجم ما سيتم توريده للخزانة العامة .
من المهم أيضا أن نحدد ماذا نريد تحديدا ؟، هل نريد سعر مرتفعًا للغاز، أم نريد صناعة قوية منافسة توفر ملايين فرص العمل ، وتصدر وتتوسع وتجذب مستثمرين أجانب وتوفر عملة صعبة؟.
والواقع أننا لن نخترع العجلة، فأغلب التجارب الاقتصادية الناجحة، هى تجارب منقولة من تجارب سبقتها فى النجاح، وبالتالى إذا نظرنا للدول صاحبة التجارب الناجحة، سنجدها تحرر سعر الغاز، وتربطه بالسعر العالمى، وفى حقيقة الأمر ليس الغاز فقط ،بل الطاقة كلها بما فيها الكهرباء، والتى تمثل مشكلة كبيرة أيضا لمصانعنا التى تحولت من تحقيق أرباح عالية إلى تحقيق خسائر مرتفعة، مثل شركة مصر للالومنيوم والسبائك الحديدية، بخلاف تعرض بقية الشركات الصناعية لأعباء كبيرة.
مما سبق يتضح لنا إنه بحساب ما ستحصل عليه الدولة من خفض سعر الغاز مرحليا حتى 3 دولار، سيكون عائده أعلى بكثير من استمرار السعر عند رقم 4.5 دولار، خاصة أن الغاز يستخدم كخامة وكمدخل انتاج فى العديد من الصناعات، بجانب استخدامه كطاقة .
واعتقد أن شركات الحديد والصلب والمعادن والكيماويات والسيراميك والأسمدة ،ستكون الأكثر استفادة من قرار خفض سعر الغاز، هذا بخلاف استفادة القطاع الزراعى والداجنى لاعتماده على الغاز أيضا.