تخيل نفسك مطربا كبيرا، تربت على أصواته أجيال وأجيال وصار هناك جمهور أو لنكن أكثر دقة شعب يتحدث باسمك ومعك ويذهب ورائك فى أى مكان مهما ابتعدت المسافات، وقبل حفلك بـ48 ساعة تصلك معلومة أن حفلك قد تم إلغاؤه!! مع الوضع فى الاعتبار أن هذه ليست المرة الأولى بل العاشرة وكأنه لا أحد يغنى سواك أو كأن صوتك يحمل تهديدا ما؟.
أتخيل أن "الكينج "محمد منير عندما علم بخبر تأجيل حفله _ مع الوضع فى الاعتبار أنها ليست المرة الأولى _ فى ظنى أنه جلس فى أحد أركان منزله صامتا لفترة لا يجد كلمات تعبر عن تلك الحالة، ينظر للأرض لحظة وللوجوه التى تلتف حوله لحظات ثم يمسك برأسه مرددا بصوت خفيض إزاى وليه ومش معنى؟ أنا؟ ثم بعدها ينفجر فى موجة غضب عارمة صارخا بأعلى صوت: "ما حدش يقولى غنى فى مصر تانى؟ مش هغنى تانى؟ أعتقد أن هذه هى الجملة التى ظل يرددها الكينج لأكثر من مرة وبطبقات صوتية مختلفة؟ ومن حوله يحاولون احتواء ثورته وغضبه.
ومن بعدها جلس الكينج بمفرده لا يرغب فى الحديث أو حتى أن يقترح أحد حلولا أو أن يقتنع بما يردده البعض من أنها مجرد صدف سيئة متكررة؟ وأن القادم قد يكون أحلى وأنه سيحيى حفلات ويصول ويجول كما عود جمهوره دائما.
لم أكن مع منير فى الوقت الذى تلقى فيه هذا الخبر الصادم بالنسبة له كمطرب، ولم أحدثه لأننى أعرف جيدا كيف ستكون حالته النفسية؟ وكل ما صغته من تفاصيل تخيلتها لأنها ببساطة رد فعل إنسانى تلقائى لمطرب كبير وفنان فريد لم ولن يتكرر، هناك من يخشى من جمهوره ويخشى من أن "يعلى صوته بالغنا".
وعن نفسى صار ما يحدث مع الكينج لغزا يحتاج إلى تفسير خصوصا وأنه عندما تحتاجه الدولة ليغنى فى حب مصر ولمصر تجد أن كل شىء تم تسهيله، ولا نسمع من يخرج علينا قائلا: "إن هناك دواعى أمنية".
غنى فى شرم الشيخ ومر الحفل بسلام وغنى فى جامعة القاهرة وحضر الآلاف وكانت الدولة حاضرة، ولم يتحدث أحد عن الأمن والخوف من عدم السيطرة على شعبه من المنايرة، وغنى على مسرح الصوت والضوء وسط حضور عدد كبير من المسئولين والدبلوماسيين فى العيد القومى للجيزة ومر كل شىء بسلام وسلاسة، الكينج عندما تحتاجه الدولة فى أى مكان تجده، ولكن عندما يحتاج هو إلى الحكومة أو لأى أحد من المسئولين لا يجد أحدا؟ وهذا هو الشىء الغريب والمستفز وكأن للدولة كل الحقوق ومنير وجمهوره ليس لهم حق فى أن يستمتعوا بصوته معه، وأن يقف هو وسط جمهوره ليغنى معهم ولهم، ويلهب حماستهم ويحدثهم عن الولاء والانتماء واحترام القيم.. وبفرض أن المنظمين لحفل منير تأخروا فى الحصول على التصريح الأمنى كان من السهل حل المشكلة وتداركها، لو كانت هناك رغبة حقيقية فى أن يقام الحفل، خصوصا وأنه سبق تأجيله أم أن أرقام التذاكر التى تم بيعها وتجاوزت الـ40 ألفا، أربكت الحسابات وأقلقت الأمن.
والمفارقة أنه جمهور يبحث عن الغناء عن الحب يبحث عن صوت مطربه الذى نصبوه ملكا على مشاعرهم ووجدانهم فما الذى يقلق من جمهور ذهب بحثا عن الحب والحياة فى الموسيقى.
منير صاحب المشروع الغنائى المكتمل على مستوى الاختيارات والكلمة واللحن والتطوير فى الموسيقى منير الذى لم ينزل يوما من عرشه.. يملك جمهورا يذهب وراءه أينما حل.. لم يتوقف منير يوما عن الغناء لمصر والتى هى أبدا ودوما حاضرة فى أغنياته.."يا مصر وأنت الحقيقة" أو "مانرضاش يخاصم القمر السما مانرضاش تدوس البشر بعضها ما نرضاش يموت جوه قلبى ندا، مانرضاش تهاجر الجذور أرضها" أو "حبيتى ياحبيتى غصب عنى ومش بخاطرى ياللى ساكنة فى خواطرى" مصر كانت ولا تزال دوما هى الحبيبة التى يتغنى لها وبها منير ينظر إليها يتأمل وشوش أبنائها يعاتبها ينتقدها ويصرخ فى وجهها أحيانا: "إزاى ترضيلى حبيبتى أتمعشق اسمك وانتى عماله تزيدى فى حيرتى ومانتش حاسة بطيبتى ازاى".. ويبدو أن منير كان صادقا فلا أحد يشعر به ولا من غنى وتغنى لها تقدر حاجته وحاجة جمهوره اليه.