قضى المئات من عمال التراحيل واليومية القادمين من أعماق صعيد مصر بحثا عن الرزق بسيناء، يوم عيد العمال، وهم ينتظرون مثل كل يوم على أرصفة الميادين من ينادى عليهم، أن عنده عمل فى هذا اليوم.
"عيد العمال للموظفين إحنا مالناش عيد ياخال واليوم بنعيد على الرصيف ومعانا كوريكاتنا"، بهذه الكلمات عبر "محمد العريان" عن حاله وزملائه، وهو رجل تجاوز عمره الستين ولم تقطع سنوات عمره كفاحه للبحث عن الرزق لتوفير لقمة عيش لأسرته القاطنة فى محافظة المنيا ولأجلها قطع مئات الكيلو مترات للعمل باليومية فى مدينة العريش وهو على هذا الحال منذ 17 سنة مضت ولا يزال.
وأشار أنه لم يأت هنا للنزهة ولكن مشقة الحياة أجبرته على ذلك، وكان فى الماضى الرزق وفير والعمل متاح بوفرة فى مدن شمال سناء، ولكنه تراجع الآن، ومع ذلك لم يترك العريش، ويحرص يوميا على الحضور مبكرا والجلوس على الرصيف مع زملائه من مختلف الأعمار فى انتظار رزقهم.
وأردف "العريان الذى كان يجلس مع آخرين على رصيف على جانب ميدان الرفاعى وسط مدينة العريش قائلا، "عيدنا يوم نلاقى شغل يوم ما الوضع يرجع زى زمان ونرجع لبلادنا ومعانا مصروف عيالنا اللى علشانهم اتغربنا".
هذا العامل المسن هو ضمن مئات آخرين يتجمعون فى ساعات الفجر على الأرصفة، وأمام المساجد الشهيرة فى انتظار أصحاب الأعمال الخرسانية والحفر من المقاولين والأهالى، ليصطحبوهم فى يومية عمل جديدة، وأشهر أماكن تجمعهم فى مدينة العريش فى منطقة المحطة على ساحل العريش بجوار أحد الفنادق الشعبية، ووسط مدينة العريش بجوار مسجد الرفاعى، وميدان الفواخرية، وبجوار حديقة المالح قبالة مقر مجلس المدينة.
جميعهم حريصون على ارتداء أزيائهم التقليدية وبصحبة كل واحد منهم أدوات تستخدم فى أعمال الحفر والبناء والتحميل، ويتخذون من منازل شعبية قديمة أماكن مبيت لهم فى الأحياء الشعبية حول مدينة العريش، يستأجرونها بأعداد تتراواح ما بين 5 إلى 9 أشخاص فى كل منزل، ويجمعهم قاسم مشترك وهى "الغربة"، فهم حريصون على ترك أسرهم فى قراهم بمحافظاتهم، والحضور للعريش فرادى والعودة لأسرهم فى إجازات كل عدة أشهر لا تتجاوز أيام قليلة.
"حسن أحمد حسن" من أسيوط، والذى يعمل فى مدينة العريش منذ عدة سنوات، وهو أحد الناقمين على الأوضاع التى وصلت إليها سيناء، مشيرا إلى أن العريش كانت مدينة جاذبة للعمال من كل محافظات صعيد مصر، ولكن الحال تغير، وتابع قائلا أتمنى من الحكومة فى يوم عيدهم الذى لا يحتفلون به أن تتذكرهم وتتعامل معهم كما فى الدول المتقدمة بصرف إعانة لهم وإيجاد بند يسمح بالتأمين على حياتهم وحقهم فى التأمين الصحى.
وبدوره قال "أحمد السيد سالمان" وهو من أبناء محافظة قنا ويبحث عن رزقه على أرصفة مدينة العريش منذ 17 سنة، إن العمال الصعايدة يعملون فى سيناء فى الأعمال الخرسانية والحفر والنقل والتحميل، وهى أعمال شاقة، وأضاف أن أملهم أن ينصلح حال البلد وأنهم لم يشغلهم عيد العمال ويعتبرونه ليس عيدا لهم، ولكنه عيد لموظفى الحكومة، الذين يستريحون فى هذا اليوم فى منازلهم ويصرفون مكافئة العيد، وقال بنبرة يكسوها الحزن "مافيش عيد عمال".
ولم يخف الشاب "سعيد محمد" أحد عمال اليومية بالعريش منذ 8 سنوات، أسفه على وضعهم، مشيرا إلى أنه أب لـ 3 أطفال ويعمل فى أعمال الحفر، وأنه قانع بحاله، وأن الرزق بيد الله، وإن كان لم يأخذ نصيبه فى التعيين فى وظيفة حكومية فكلما سعى لذلك لا يحالفه الحظ، لأنه لا يملك واسطة.
العمال الموزعون فى تجمعات قهروا قلة العمل فى يوم عيد العمال بتبادل الضحكات وتذكر أيامهم فى بلدانهم، فيما بدأت حركة الحياة اليومية من حولهم هادئة لأنه يوم إجازة رسمية.