أطلع سامى شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر، الرئيس اللبنانى فؤاد شهاب بأنهم سيقومون بعملية حساسة للغاية من الأراضى اللبنانية، وترجاه ألا تتسبب فى إزعاجه أو إحراجه.
كانت العملية هى تهريب عبدالحميد السراج نائب رئيس الجمهورية للإقليم الشمالى وقت الوحدة بين مصر وسوريا 1958، وتم القبض عليه وإيداعه سجن المزة العسكرى فى دمشق بعد الانفصال وإنهاء الوحدة 28 سبتمبر 1961، وقرر عبد الناصر تخليصه من السجن بعد أن جاءته تقرير عن عمليات تعذيبه، وأسند إلى مدير مكتبه سامى شرف هذه المهمة التى شارك فيها شخصيات لبنانية وسورية، حسبما يذكر سامى شرف فى الكتاب الرابع من مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر»، وكان يوم 8 مايو، مثل هذا اليوم، 1962 هو اليوم التالى الذى بدأت فيه السلطات السورية فى البحث عن أسرار العملية.. «راجع.. ذات يوم 7 مايو 1962».
يذكر «شرف» أنه سافر إلى بيروت لإطلا الرئيس شهاب على المسألة تنفيذا لطلب عبد الناصر له: «ادخلوا البيوت من أبوابها»، ويؤكد أنه كان على علاقة صداقة به.. يذكر: «كان يستقبلنى كصديق قبل أن يستقبلنى كمسؤول، وينادنى باسم «الهمشرى».. يؤكد أن رد شهاب عليه كان إيجابيا، لكنه طلب فقط البعد عن توريط السلطات اللبنانية، وأعطاه رسالة لتسليمها إلى عبد الناصر يقول فيها: «إن كل حبة رمل فى أرض لبنان الشقيق رمال مصرية نحافظ عليها بأرواحنا».
يتذكر «شرف»، أنهم فى هذه الأثناء وصلتهم معلومات من دمشق تفيد بموافقة منصور رواشدة، حارس السجن على التعاون مع السراج فى تهريبه من باب خلفى مفتوح على المجارى، وطلب نوعية معينة من الملابس البدوية، وتوفير جمل أوجملين وحصانين، على أن تتواجد فى نقطة معينة على الحدود اللبنانية السورية حددها هو مابين الساعة الحادية عشرة ومنتصف الليل.
يضيف شرف، أن ما ذكره «رواشدة» تتطلب إعادة التفكير، واختيار خط السير الذى يمكن أن تسلكه القافلة وتفادى نقاط المراقبة الحدودية داخل الأراضى السورية، وعلى الحدود مع لبنان داخل الحدود اللبنانية أيضا.. يتذكر «شرف» أن ذلك تتطلب مناقشات جديدة ومطولة مع الزعيم اللبنانى كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى، ومعروف سعد، وشوكت شقير، واتفقوا على أن يتولوا هم مسئولية استلام السراج من لحظة خروجه من السجن إلى أن يدخل الحدود اللبنانية.
يؤكد شرف: أشاروا بعدم وجود حاجة إلى ندخل نحن الأراضى السورية، وأنهم سيسلموننا السراج على الحدود السورية اللبنانية، وداخل أراضى لبنان فى إحدى النقاط المتفق عليها سلفا، ولما عرضوا علينا خطوط السير المقترحة تم اختيار أصعبها وأطولها حتى يكون بعيدا عن أى تصور، واتفقنا على عدم إشراك أى عنصر رسمى لبنانى، كما تفادينا استخدام أية إشارات لاسلكية قد يمكن التقاطها، وأن تقتصر الاتصالات على الرسائل المكتوبة أو الشفوية التى ينقلها أشخاص موثوق بهم، وفقا لكلمة سر تم التعارف عليها وهى «ميم نون» «محمد نسيم».
يؤكد «شرف» أنه كتب رسالة خطية للرئيس عبد الناصر حلمها مبعوث خاص من بيروت، فيها تفصيلات الخطة فى شكلها النهائى، ووجهات نظر كمال جنبلاط، ومعروف سعد، وشوكت شقير، وحديثه مع الرئيس شهاب.. يضيف: «بعث إلى ٍجمال عبد الناصر، برسالة بخط يده، أيد فيها جميع الخطوات التى رسمناها مع بعض إيضاحات وتوصيات وتحذيرات قبل وأثناء التنفيذ، وختمها بقوله: عزيزى سامى، موافق على كل الإجراءات التى اتخذتها، مع تمنياتى بالتوفيق وفى انتظاركم بالقاهرة بإذن الله».
يضيف «شرف»: أخطرنى الرئيس برسالة أخرى، جاء فيها أنه أصدر تعليمات بترتيب عملية الانتقال من بيروت، وذلك بوضع الطائرة التى كانت تقوم برحلة فى منتصف الليل يوميا إلى بيروت، وتسمى طائرة الصحافة، حيث تنقل الصحف المصرية إلى لبنان وسوريا عبر لبنان، تحت تصرفى يوميا حتى تتم العملية، وأن يتولى الإشراف على رحلة الطائرة عبد المجيد فريد ومنير حافظ، وأن غواصة ستتواجد فى المياه اللبنانية فى مواجهة السفارة المصرية فى بيروت، يمكن استخدامها إذا لم يتيسر الانتقال جوا لأى سبب من الأسباب، وبحيث تنقل الغواصة طاقم العملية إلى الأسكندرية أو بورسعيد، وأنها ستتواجد فى النقطة المحددة أمام مبنى السفارة المصرية فى ساعة محددة هى منتصف الليل»، وفى الموعد المحدد بدأ التنفيذ، فكيف تم ذلك؟