واصل فيروس كورونا حرمان المسلمين في شهر رمضان من التردد على المساجد وإقامة التراويح والتهجد في العشر الآواخر من الشهر، بالإضافة إلى حرمانهم من الاعتكاف والذى هو سنةٌ باتفاق، ولا يلزم إلا بالنذر، أو بالشروع فيه عند المالكية، وقال الحنفية: إنه سنَّة مؤكَّدة في العشر الأواخر من رمضان، ومستحب فيما عدا ذلك؛ بناءً على التفريق بين معنى السنة والمستحب عندهم.
ومكان الاعتكاف هو المسجد؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ ، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتكف إلا في المسجد.
والسنة اعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك.
وأقلُّ مدَّةٍ للاعتكاف هي أقل ما يُطْلَقُ عليه اسم الاعتكاف عُرْفًا، وهذا ما ذهب إليه الجمهور؛ فإن الاعتكاف في اللغة يقع على القليل والكثير، ولم يحده الشرع بشيء يخصه فبقي على أصله؛ ولذلك استحب جماعة من الفقهاء للمصلِّي إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مهما كان مكثه فيه؛ ليحصل له ثوابه.
دار الإفتاء: الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد والمعذور مأجور
وقال الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، ومكث المسلم في منزله إذا اقترن بالعبادة من ذكر أو تلاوة قرآن أو صلاة ربما يسمى خلوة، وفي الخلوة إذا تحقق شرطها والمراد منها من الفوائد والعوائد شأن عظيم في عبادته لربه وتزكية نفسه وسمو روحه، ومن اعتاد الاعتكاف في المساجد في السنوات الماضية فليزم العبادة والذكر والتلاوة والصلاة في بيته، ولا شك أنه يحصل له الثواب المرجو لقيامه بالميسور، ولأن الذي يحول العذر دون فعل ما تعود عليه من العبادات فإنه له الأجر كاملا فالمعذور مأجور.
وأضاف في تصريحات لـ "انفراد"، قد وسع الله تعالى في الثواب والأجر لمن يريد الثواب، وجعل في المشي في حوائج الناس وقضائها ما يعوض ثواب الاعتكاف في خير المساجد، وهذا من تنوع عطاءات الله تعالى بتنوع العبادات، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا فُلَانُ أَرَاكَ كَئِيبًا حَزِينًا، قَالَ: نَعَمْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ، لَا وَحُرْمَةِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَلَا أُكَلِّمُهُ فِيكَ، قَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْتَقلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَنَسِيتُ مَا كُنْتَ فِيهِ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْرًا مِنِ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى جَعَلَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبَعْدَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ ". رواه الطبراني.
فعلى مريد الثواب أن يرتب أولويات العبادة على كل حال بحسب النفع؛ فالذي يعم نفعه أولى مما يقتصر نفعه على الفرد الواحد، وأن لا يجعل من عبادته ما يتسبب في ضرر للناس وقد تقرر شرعا أن الضرر يزال.
احمد كريمة: لا يقام هذا العام وليس فيه مشكلة لن نجترئ على أحكام الشرع
من جانبه قال الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الاعتكاف للرجال والنساء سنة بالمسجد لقوله تعالي" وانتم عاكفون في المساجد" ولفعله-ص- وأزواجه -ض-من بعده، وما عليه عمل ال البيت و الصحابة-ض-،الراجح المعتمدة لدي جمهور الفقهاء.
وردا على عدم إمكانية إحياء السنة بسبب فيروس كورونا قال :لا تعمل ما المشكلة ؟ هل نخترع في الدين مالم يأذن به الله ورسوله؟!لست ممن يجترؤون علي أحكام الشرع.
احمد المالكى: هناك أمور بنفس أجر المعتكف
إلى ذلك قال احمد المالكى ، الباحث الشرعى بمشيخة الأزهر الشريف، أن الاعتكاف من السُّنن المهجورة التي قلَّ العمل بها، وغَفل عنها كثير من الناس، وإن وجَدْنا أنه بدأ يَظهر من جديد في السنوات الماضية ؛ بفضْل الله.
قال الإمام الزُّهري- رحمه الله-:"عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف مع أنَّ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- ما تركه منذ قَدِم المدينة حتى قبضَه الله- عزَّ وجلَّ".
والاعتكاف له مقاصد عظيمة ، من أهمها:صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله- تعالى- بِلَمِّ شعثه، بالإقبال على الله- تعالى- وترْكِ فضُول المباحات، وتحقيق الأُنس بالله- تعالى- والاشتغال به وحده، والتفكُّر في تحصيل مراضيه.
واعتكاف الروح والجسد إلى جوار الربِّ الكريم المنان في خلوة إيمانية تتخلَّص النفس من أوضار المتاع الفاني، واللذَّة العاجلة، وتُبْحِر الرُّوح في الملكوت الطاهر؛ طالبةً القرب من الحبيب، مالك الملك، ملتمسة نفحاته المباركات، و الخلوة الصادقة مع الله تفكُّرًا في آلائه ومِنَنه وفضائله، واعترافًا بربوبيَّته وألوهيته وعظمته، وإقرارًا بكل حقوقه، وثناءً عليه بكل جميل ومحمود، و قيام وذِكْر وقراءة قرآن، وإحياء لساعات الليل بكل طيِّب وصالح من قول وعمل.
لكن من شروط صحة الاعتكاف أن يكون في مسجد ، سواء كان المعتكف رجلاً أو امرأة، وقيل :يصح للمرأة أن تعتكف في مصلى بيتها وكذا الرجل، ولكن الأصح عدم صحة ذلك في البيت ؛ لقول الله تعالى: { وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. (البقرة:187)، فبين أن محل الاعتكاف هو المسجد.
وإذا لم يستطع الإنسان الاعتكاف لظروف ألَمَّت به، كمرَض أو عمل أو موانع أخرى، فيستطيع أن يأخذ أجرًا مثل المعتكف بـقضاء حوائج الناس: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((من مشَى في حاجة أخيه، وبَلَغ فيها كان خيرًا من اعتكاف عشرين سنة، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله جعَل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعدهما بين الخافقين))؛ أخرجه البيهقي في "شُعَب الإيمان"
- قيامه بدور الفاعلية في المجتمع ، فعن عبد الكريم أبي أمية قال: "لأَنْ أردَّ رجلاً عن رأي سيِّئ أحب إلي من اعتكاف شهر".