فى الوقت الذى أصبحت فيه كثير من الأعمال تتم عبر الإنترنت مع تفشى وباء كورون، لم تكن الدبلوماسية والعلاقات الدولية بعيدة عن ذلك، بل أصبحت أغلب الأنشطة الدبلوماسية والقمم والاجتماعات الدولية وحتى المحلية تتم عبر الفيديو كونفرانس، لكن كثيرا من الدبلوماسيين يشككون فى إمكانية أن تسود هذه الطريقة دون أن يكون لها تأثير سلبى على عملهم.
وفى تقرير لها عن هذا الأمر، سلطت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية الضوء على الصعوبات التى تواجه العمل الدبلوماسى فى زمن كورونا، وقالت إنه فى الأسبوع الأول من إبريل، ومع ذروة تفشى وباء كورونا فى نيويورك، أمضى مجلس الأمن الدولى أسبوع من المداولات المكثفة حول البروتوكولات التى تتطلب إجراء الاجتماعات الرسمية فقط فى غرفة خاصة بمقر الأمم المتحدة. ورغم أن الروس وافقوا أخيرا على الفيديو كونفراس، فإن المناقشات الإلكترونية لم تفعل الكثير لإنهاء الجمود السياسى الأوسع الذى غالبا ما أعاق التوافق بين الدول الخمس الأعضاء.. ومن ثم، فإن المجلس الموكل بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين فشل فى تبنى أى قرار فى أكبر أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد فرض وباء كورونا قيودا جديدا على المهنة الدبلوماسية، فالدبلوماسيون لا يستطيعون الالتقاء بشكل شخصى والقيام برحلات خارجية أو تنظيم تبادلات رفيعة المستوى، ولم تنجح البعثات فى الأرجح فى إنجاز أحد مزاياها الأساسية وهى لقاء المحليين والشعور بما يحدث على أرض الواقع.
واضطرت الخدمات الأجنبية عبر العالم فى أداء جزء كبير من عملها إلكترونيا، من خلال شبكات غير مؤمنة وأصبحت الاجتماعات الثنائية عن بعد على المستوى السياسى شائعة، وسادت المؤتمرات متعددة الأطراف عبر زووم.
وفى ظل احتمالات أن كوفيد 19 لن ينتهى خلال الأشهر ال12 أو الـ 18 المقبلة، فإن السؤال تثار حول ما إذا كانت تلك الترتيات التى أطلقت عليها المجلة مصطلح "دبلوامسية زووم" ستصبح العادة الجديدة. فيمكن أن يكون لها ثأثير دائم على الكيفية التى تجرى بها العلاقات الدولية وربما يثبت أنها مجرد ظاهرة عارضة تتلاشى مع انتهاء الوباء.
وقد أسفرت دبلوماسية زووم عن عدة نتائج. ففى أوائل إبريل، نجح وزار الطاقة لدول الأوبك فى التوصل إلى قرار تاريخى لخفض إنتاج النفط بعد اجتماع عقدوه عبر الإنترنت. لكن فى المقابل لم تسفر اجتماعات قمم مجموعتى السبع والعشرين عبر الفيديو عن قرارات محددة. وربما يفسر البعض ذلك بالمصالح المتضاربة للدول، إلا أن أدوات الاجتماع عبر الإنترنت تعد وسائل معيبة للعمل الدبلوماسى.
ففى الأسابيع الأخيرة، ظهرت شكاوى عن الصعوبات والسلبيات المتعلقة بالدبلوماسية عن بعد. وتقول فورين بوليسى إنها تحدثت مع عدد من الدبلوماسيين الغربيين والإسرائيليين وفى الأمم المتحدة، الذى كانت لهم شكاوى مماثلة. وأشار البعض إلى أنه من الصعب إجراء مفاوضات حقيقية والانخراط فى نقاش حقيقى بدون تواصل بشرى ومحادثات جانبية وحتى القدرة على فهم لغة الجسد. وتصبح القدرة على بناء علاقات مهمة والحفاظ عليهم مهددة. وبالمثل، فإن الأمور اليومية يمكن البت بشأنها عن بعد على المستويات المنخفضة، لكن القرارات الكبرى صعبة بدون التواصل الشخصى بين القادة.
فعلى سبيل المثال، فى أى قمة متعددة الأطراف، فإن التفاصيا الأخيرة للاكثير من الاتفاقيات يتم التوصل إليها عادة من خلال الدبلوماسية الشخصية بين القادة، التى تتطلب مناقشات خاصة وغير رسمية على هامش القمة، وهذه الفرص من صعبها تكرارها على الإنترنت.
وتتابع فورين بوليسى قائلة إنه بشكل عام يوجد فرصة لسوء الفهم والتصور الخاطئ وتهديد أكبر بأن تحريف الحقائق سيتم دون أن يلحظه أحد. وبدون المحادثات الجانبية ولغة الجسد أو الشعور بديناميات الجانب الآخر بين المجموعات، فإن الدبلوماسيين سيعانون للوصول إلى فهم أعمق. كما أن العوائق التكنولوجية مثل القدرة على الاتصال واللغة والمنطقة الزمنية تجعل منصات الإنترنت مكانا غير موثوق فيه للمفاوضات الحساسة للوقت ، وتؤثر فى القدرة على التوصل إلى اتفاق على الجوهر.
وكذلك لن يعود هنا ما يسمى بـ off the record، أو بعيدا عن الدوائر الرسمية. حيث يدرك الدبلوماسيون الآن أن كل شىء يقولونه على منصة إلكترونية ربما يتم تسجيله بسهولة، مما يثنيهم عن الخروج عن الوضع الرسمى، ومن ثم تقويض جوهر العمل الدبلوماسى.