تقدم جمال عبدالناصر بوثيقة «الميثاق الوطنى» أمام «المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية» يوم 21 مايو 1962 فى جامعة القاهرة.. «راجع - ذات يوم 21 مايو 2020».
بدأت لجنة المائة فى عملها للرد على مشروع الميثاق الذى جاء نتيجة لقاءات ومناقشات طويلة، يذكر أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو»، أن عبد الناصر طلب من بعض زملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة السابقين إعداد مشروع للميثاق حسب ما يتصورون، واجتهد بعضهم فى صياغة أفكاره وتقديمها إليه مثل عبد اللطيف البغدادى، وجمع عبد الناصر هذه المشاريع، وأضاف إليها أفكاره ومناقشات اللجنة التحضيرية وعكف على دراستها وتبويبها وعهد إلى محمد حسنين هيكل بصياغتها.
كان الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين أحد الذى ساهموا فى هذا الإعداد، حسبما يؤكد فى شهادته للدكتور مصطفى عبد الغنى فى كتاب «المثقفون والثورة».. يذكر بهاء: «كلف عبد الناصر عددا من أقرب الناس إليه بأن يتصلوا بأسماء تم اختيارها لمهمة وضع تصور للعمل الوطنى الذى أنجب الميثاق، واتصل بى وقتها كمال الدين حسين وكان مسؤولا عن الاتحاد القومى، وأخبرنى بأن القيادة السياسية تعتز بانتسابنا إليها، وكان معى إحسان عبد القدوس وكمال الحناوى، وتقابلنا نحن الثلاثة مع كمال الدين حسين أكثر من مرة، وكان يتم طرح قضايا سياسية علينا، ونتناقش حولها، وكنت أول مرة أتعرف فيها على أحد السياسيين المشتغلين فى النظام بشكل مباشر».
يضيف بهاء: «تم استدعائى إلى بيت عبد الحكيم عامر، وكانت المرة الثانية التى التقى فيها مسؤولا سياسيا كبيرا على هذا المستوى، ووجدت عددا كبيرا أذكر منهم حسن عامر وعباس رضوان وكمال رفعت، وطرح على الحاضرين أنهم بصدد إعداد ميثاق، وطلب كل منا أن يتصل بالآخر»، يؤكد بهاء: تركنا عبدالحكيم مع بعض النقاط والملاحظات التى عرضها علينا، وظللنا نتناقش إلى ما بعد منتصف الليل، وتكرر استدعاء عبد الحكيم لى.. كنت أحيانا أجده بمفرده وأحيانا أجده مع شقيقه حسن عامر كمستمع أكثر منه مشاركا، كان يعيد معى مناقشة بعض القضايا التى سبق وأن طرحناها فى المرة السابقة، وكان أحيانا يطرح أسئلة أخرى ليعيد النظر فيها».
يتذكر بهاء: «كنت كثير الكلام، كثير الاقتراحات، أذكر أننى سمعت لأول مرة أن هناك فكرة ال 50% من المجالس الشعبية للعمال والفلاحين، وهو موضوع استغرقت فى نقاشه فترات طويلة لأنه كان غريبا تماما على، اندهشت وسألت عامر، ما هى الحكمة من تخصيص هذه النسبة الكبيرة للعمال والفلاحين، أجاب، لأن الثورة هاتخلص فى يوم من الأيام، وهاتبقى فيه انتخابات عادية، وهذه النسبة الكبيرة للعمال والفلاحين الذى يمثلون الثورة هم أصحاب المصالح الحقيقية..فى هذا الوقت نستطيع الحفاظ على الثورة الاجتماعية بدون حصار».
يؤكد بهاء: بصراحة عارضت الاقتراح بشدة حينئذ، وأخذ منا عدة جلسات طوية وساخنة، وقلت لعبد الحكيم عامر بالحرف الواحد: لا تؤاخذنى بصراحة إن العمال والفلاحين ليسوا مهيئين، ليكونوا أعضاء فى المجلس التشريعية، وبصراحة أكثر أن القابلين للرد والمناقشة والفهم هم الذين على درجة من التعليم والثقة بالنفس والاستقلال، وتستطيع أى حكومة أخرى أن تأتى وتحشد ماتشاء من العمال والفلاحين، إن هؤلاء سيستخدمون ككرباج على ظهر المثقفين، وأذكر أننى ضربت أمثلة كثيرة منها، أن أى واحد ديماجوجى مع أحسن النوايا يقف فيخطب فى مجموعة من العمال والفلاحين، ويستطيع أن يجرهم إلى مواقف صعبة».
يتذكر بهاء: تجادلنا فى هذا الموضوع كثيرا، ولم يشعرنى عبد الحكيم أن القرار نهائي، وعلى المستوى الشخصى فأنا لم أصدق أن يتحول إلى حقيقة، لكن عندما ألقى الرئيس جمال عبد الناصر قراره انتهى كل شىء، يعلق بهاء: أتصور أن الطريقة التى كتب بها الميثاق كانت تسبقها قناعات محددة، أعرف وقتها أن الرئيس طلب من أعضاء مجلس الثورة أن يتصلوا بعدد من المثقفين فى مصر، وأستطيع القول أن من أسهم فى كتابة الميثاق ومن صنع أفكاره قبل صياغته قرابة خمسمائة مثقف مصرى، كل مثقف قال رأيه كتابة أوشفاهة فى مجلس عام أو فى مكان مغلق، فى تقرير مكتوب أوشفاهى، كان توجه الرئيس عبد الناصر واضحا، سؤال المثقفين والسياسيين، فتجمعت لديه أفكارا وكتابات كثيرة، انتقى منها فيما يبدو ما يريد، ثم دفع بها فى نهاية الأمر إلى محمد حسنين هيكل ليكتبها فى صياغتها الأخيرة».