فقد المبعوث الأممى إلى ليبيا، مارتن كوبلر، أحد أهم سمات مبعوثى الأمم المتحدة إلى مناطق الصراع وهو الحيادية وتهيئة الأجواء لكافة الأطراف المتناحرة لنزع فتيل الأزمات السياسية التى تحدث فى بلدان العالم، وقد انحرف المبعوث الأممى بمسار العملية التفاوضية فى ليبى، ما أدى لارباك شديد للعملية السياسية وتعزيز الانقسام السياسى بين الأطراف ومحاولة توجيه العملية السياسية لطرف بعينه.
ولعل أبرز الخروقات التى قام بها المبعوث الأممى مارتن كوبلر هو نهجه فى تسيير الحوار السياسى الليبى من خلال غض الطرف عن الخروقات الفجة التى تتم من قبل القوى الليبية فقد التزم المبعوث الأممى الصمت فى ظل الخروقات العديدة التى حدثت للاتفاق السياسى من قبل المجلس الرئاسى الليبى ومجلس الدولة، فضلا عن مساسه بالسيادة الليبية من خلال تصريحاته المستفزة عن الجيش الوطنى الليبى برئاسة الفريق أول ركن خليفة حفتر.
ويدفع مارتن كوبلر بالعملية السياسية إلى حافة الهاوية عبر شق الصف الليبى واحداث انقسام بين الشرق والغرب الليبى وانحيازه للمجموعات التى تسيطر على العاصمة طرابلس من خلال تأييده لخروقات المجلس الرئاسى ومجلس الدولة، ويذكرنا نهج مارتن كوبلر فى ليبيا بنهج "بريمر" الذى قام بحل مؤسسات الدولة العراقية وفى مقدمتها مؤسسة الجيش التى كانت سببا رئيسيا فى انهيار الدولة العراقية، ويخشى المواطنين الليبيين من نهج كوبلر الذى يعد استنساخا جديدا للتجربة العراقية التى دفعت بالبلاد إلى مستنقع الإرهاب.
ولعل أبزر خروقات المبعوث الأممى إلى ليبيا مارتن كوبلر تأييده مباشرة المجلس الرئاسى برئاسة فائز السراج ومجلس الدولة لأعمالهما قبل إجراء التعديل الدستورى العاشر من قبل مجلس النواب الجهة الشرعية الوحيدة فى البلاد، وهو ما يعد مخالفة صارخة للمادة 12 من الأحكام الاضافية فى الاتفاق السياسى الموقع فى مدينة الصخيرات المغربية والتى تنص على أن تستمد المؤسسات المنبثقة عن هذا الاتفاق ( مجلس الرئاسى ومجلس الدولة ) شرعيتها من الاعلان الدستورى وملحقه المرفق فى هذا الاتفاق.
ولعل أغرب تصرف قام به مارتن كوبلر هو تأييده لعقد اجتماع مجلس الدولة فى طرابلس قبل التعديل الدستورى وهو ما يخالف المواد 65،12 من الأحكام الاضافية – والمادة الأولى من الملحق 3 بشأن مجلس الدولة، فضلا عن صمت البعثة الأممية عن قيام مجلس الدولة بإجراء التعديل الدستورى متعمدا وهو ما يعد اغتصاب لسلطة مجلس النواب الليبى الذى يمثل الجسم التشريعى الوحيد فى البلاد، إضافة لغض كوبلر الطرف عن انتخاب أحد النواب المقاطعين رئيسا لمجلس الدولة وهو النائب عبد الرحمن السويحلى وهو ما يضر بالاتفاق السياسى نفسه.
وخالفت البعثة الأممية الترتيبات الأمنية فى الاتفاق السياسى التى تقتضى خلو العاصمة طرابلس من التشكيلات المسلحة مى تصبح العاصمة آمنة ويمارس المجلس الرئاسى والحكومة المنبثقة عنه "حال تمريرها" ومجلس الدولة عملهم بحرية تامة وعدم ابتزازها من قبل قادة الميليشيات المسلحة، وتنفيذ الترتيبات الأمنية وخلو العاصمة من السلاح كانت أبرز دوافع مجلس النواب الليبى فى العملية السياسية للقضاء على الميلشيات وجمع السلاح من البلاد وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.
ويحاول مارتن كوبلر توجيه العملية السياسية فى اتجاهات تعارض مبدأ سيادة البرلمان الليبى وحرية ممارسة العمل السياسى، وذلك عبر تصريحاته التى تحمل طابع التهديد لمجلس النواب ورئيسه المستشار عقيلة صالح، فضلا عن تأييد بعثة الامم المتحدة للدعم فى ليبيا لبيان إعلامى صادر من نواب مؤيدين لحكومة السراج وهو ما يعد مخالفة واضحة للبعثة الأممية التى أقرت عبر الاتفاق السياسى أن تمرير الحكومة يتم تحت قبة مجلس النواب الليبى، إضافة لوصفه الجيش الليبى بأنه "جيش حفتر" وهى مخالفة صريحة للاتفاق السياسى الذى ينص على تفعيل المؤسسة العسكرية وتطويرها لمكافحة الإرهاب وليس هيكلة وتسريح الجيش الليبى كما فعل بريمر فى العراق.