حطت طائرة «المستير» الخاصة بالرئيس السادات وعليها وزير الخارجية المصرية محمد إبراهيم كامل فى جدة يوم 24 مايو، مثل هذا اليوم، 1978، حسبما يذكر «كامل» فى«مذكراته» «السلام الضائع»، وكان مع السفير أحمد ماهر «وزير الخارجية فيما بعد» وآخرين.
يؤكد «كامل» أنه بذل جهدا مع الرئيس السادات ليوافق على الزيارة، وأقنعه بأنه سيحاول مع السعودية اتخاذها موقف أكثر وضوحا فى تأييد الجهود المصرية من أجل السلام، وإعلان تأييدها لمبادرته التى بدأها بزيارة إسرائيل يوم 19 نوفمبر 1977، وتكثيف اتصالاتها مع أمريكا لتضغط على إسرائيل لاتخاذ مواقف إيجابية.
كن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية فى استقبال «كامل» بمطار جدة، وفى الساعة الرابعة من نفس اليوم اجتمعا نحو ساعتين بحضور أحمد ماهر.. يذكر «كامل» أن «الفيصل» تحدث عن وجوب العمل لوقف تدهور المعسكر العربى والعمل على استعادة التضامن العربى فى أسرع وقت، وهذا يقتضى اتخاذ خطوات لتصفية الخلافات الناشئة عن مبادرة السادات، وبالذات بين مصر وسوريا بوصفهما من دول المواجهة مع إسرائيل، وكشف الفيصل أنه بالاتصالات مع مختلف الأطراف تبين أنه فى سبيل التصالح وعقد مؤتمر قمة عربي، تتمسك جبهة الرفض وسوريا بالذات بأن يسبق الإعداد لعقد هذا المؤتمر إعلان الرئيس السادات فشل مبادرته، وتعهده بإنهاء الاتصالات مع إسرائيل.
يؤكد كامل، أن الفيصل كان يرى أنه حان الوقت لا ليعلن الرئيس السادات فشله كما كان يطلب الرئيس حافظ الأسد، وإنما ليعلن فقط إنهاء الاتصالات مع إسرائيل لعزوفها عن التجاوب مع السلام، وأكد أنه متى صدر هذا الإعلان من مصر فسينفتح الطريق إلى المصالحة العربية وانعقاد مؤتمر قمة عربى.
يكشف كامل، أنه أوضح للفيصل أن إعلان مصر إنهاء الاتصالات مع إسرائيل فى هذه المرحلة يضر ولاينفع، وتحدث عما يراه إيجابيات لمبادرة السادات، كالمظاهرات التى قامت فى إسرائيل، والتحول الذى حدث على صعيد الرأى العام العالمى، وبالذات الأمريكى، ويذكر كامل، أنه أوضح للفيصل أن الاتصالات بين مصر وإسرائيل مجمدة منذ مارس الماضى لموقف إسرائيل السلبى منذ بداية المبادرة.
يستطرد «كامل» فى الحديث حول هذه النقطة، وسيناريو المرحلة المقبلة، وفى النهاية أعطى وعدا للفيصل بأن استئناف المباحثات فى المستقبل سيكون مشروطا بتخلى إسرائيل عن الأرض والسيادة.. يتذكر كامل، أن الفيصل سأله عن المهلة الزمنية المناسبة قبل إعلان انتهاء المباحثات مع إسرائيل، فأجاب: «فى تقديرى لن تتجاوز شهرين أو ثلاثة على الأكثر».. يؤكد: «أبدى الأمير تفهما وتقبلا لما عرضته، وأكد أنه سيواصل على مستواه كوزير لخارجية السعودية اتصالاته بالدول العربية، وأن الملك خالد والأمير فهد ولى العهد ورئيس الوزراء سيقومان بالاتصالات النهائية مع الرؤساء والملوك العرب، وأنهما المدفعية الثقيلة للمملكة السعودية».. يذكر كامل أن التقى فى الساعة السابعة مساء مع الأمير فهد الذى قال له، أنه لا أمل يرجى من المفاوضات مع إسرائيل، وأنه وقد ثبت رفض الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع مبادرة السادات فلا داعى للاستمرار فى محادثات لن ينتج عنها إلا زيادة الريب والشكوك والتمزق العربى.
عاد كامل إلى القاهرة، ويؤكد أن الرئيس السادات عبر له عن سروره بنتائج الزيارة ونجاحه فى تأجيل ما يطلبه العرب من مصر، لكنه يسجل ملاحظة مهمة، فحين عاد إلى مكتبه فى وزارة الخارجية، وجد مذكرة سرية أعدها أسامة الباز أثناء غيابه، تتعلق بأن المشير الجمسى وزير الدفاع أبرق إلى نظيره الإسرائيلى وايزمان، مستعلما عما يتبع مع مجموعة عسكريين إسرائيليين موجودين فى مصر منذ وقف اجتماعات اللجنة العسكرية.. يكشف كامل، أن وايزمان اقتنص الفرصة ورد بأنه يقترح حضوره للتباحث حول هذه النقطة ومسائل أخري، إلا أن الخارجية المصرية ردت فى نفس اليوم «25 مايو» ببرقية فيها، أن المجموعة العسكرية الإسرائيلية لا تفعل شيئا فى الوقت الحاضر، وأبقيناها من قبيل المجاملة، ولاجدوى من اللقاءات ما لم يكن هناك جديد.
يعلق كامل متسائلا، أن إطلاعه على هذه المذكرة السرية ذكره بحضور وايزمان إلى القاهرة فى مارس 1978 أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب فى القاهرة دون علمه.. يؤكد: «لم أملك إلا أن أتساءل: هل كان طلب وايزمان الحضور إلى القاهرة أثناء وجودى فى السعودية، مجرد مصادفة أم أن إسرائيل ترقب وترصد تحركاتنا نحو اشقائنا العرب حتى تسارع بالعمل على تشويهه وتخريبه؟».