حسين رياض منحنى ميدالية ذهبية والملكة فريدة طلبت تتصور معايا
فرحت لأنهم كرمونى قبل موتى واقتنصت جوائز فى وجود جانات التمثيل بالأدوار الثانية
قررت اعتزال الفن بعد وفاة علاء ولى الدين وهذه تفاصيل آخر مكالمة قبل وفاته
ليتها كانت شائعة مثل كل المرات السابقة التى انطلقت فيها شائعة وفاة الفنان الكبير حسن حسنى فنسرع لنتصل به ويأتينا صوته الأبوى المرح الحنون، يضحك ويسخر رغم انزعاجه لقلق الملايين من أبنائه وأحبابه فى مصر والعالم قائلا: «أيوه يازينب يابنتى دى المرة الكام اللى بيموتونى فيها، هما مستعجلين ليه أنا لسه ماأكلتش الكحك».
لكن للأسف لم ينطلق صوته مثل كل مرة ولم يرد على الهاتف، فرغ الأجل، وأصبحت الشائعة السخيفة حقيقة مرة بعد أن فقدنا أباً حنوناً وفناناً عظيما وعملاقا من عمالقة الفن وأساتذته، برحيل أبوالكوميديانات وغول التمثيل وحاصد الجوائز الفنان الكبير حسن حسنى الذى وافته المنية فى الساعات الأولى من صباح السبت عن عمر يناهز 89 عاما إثر أزمة قلبية مفاجئة.
مشوار الحفر فى الصخر
حسن حسنى العبقرى الطيب والشرير، القادر أن يضحكك ويبكيك أبو الكوميديانات وغول التراجيديا الذى حفر فى الصخر واستطاع اقتناص النجومية بالأدوار الثانية وأفاض على عشرات الممثلين الشباب من نهر إبداعه وفيض نجوميته.
لا تتمالك دموعك حين ترى انفعالات وجهه التى تتبدل بين الضحك والبكاء فى مشهد عبقرى من مسلسل رحيم وهو يقوم بدور الأب المسن أثناء قيام ابنه بمساعدته على الاستحمام، ولا تصدق أنه هو ذاته الفنان الكوميدى الذى أضحكنا فى عشرات الأعمال الكوميدية فحفظ الجميع إيفيهاته، وبنفس القدر من العبقرية استطاع أن يقدم أدوار الشر فيقنعك بأنه موظف مرتشى أو تاجر مخدرات أو رجل أعمال فاسد.
لم يكن طريقه سهلا ولم يظهر فى أدوار الجان أو البطل، وما أسهل أن يحصل الفنان على الشهرة والنجومية سريعا من خلال هذه الأدوار، ولم يعرفه الجمهور شابا، ولكن تأخرت نجوميته لظروف متعددة ورغم ذلك استطاع حسن حسنى خلال مشواره أن ينتزع النجومية ويلفت الانتباه ويجعل من الدور مهما صغر علامة مهمة فى العمل تستقر دائما فى وجدان وأذهان الجمهور، وهو ما جعله يحصد جوائز منافسا أبطال الأعمال التى شارك فيها.
حوار حصرى
كان الفنان الراحل أقل الفنانين ظهورا فى البرامج أو إجراء الحوارت الصحفية، ورغم ذلك اختص «انفراد» بأكثر من حوار وتصريح كشف خلالها الكثير من المعلومات والأسرار عن مسيرته وحياته، حيث تحدث إلينا وفتح قلبه وبيته لاستقبالنا بعد ساعات من تداول إحدى شائعات وفاته، واستقبلنا بروحه المرحة، وخفة ظله التى أمتعنا بها على الشاشة، وبتواضع المبدعين، وحنان الآباء الطيبين، وأجرينا معه أول حوار بعد عزوفه الدائم عن اللقاءات والحوارات الإعلامية.
تحدث الفنان حسن حسنى معنا عن بداياته، ليؤكد أن هناك الكثير من المعلومات المغلوطة المتداولة عنه والتى تتناقلها وسائل الإعلام دون تدقيق ومنها تاريخ ميلاده مؤكدا أنه من مواليد 19 يونيو 1936، وعشق الفن منذ طفولته، وشارك فى فرق التمثيل بالمدارس منذ كان طالبا فى الابتدائى وحصل على العديد من الميداليات، وجسد دور أنطونيو على المسرح المدرسى ومنحه الفنان الكبير حسين رياض الذى كان رئيسا للجنة التحكيم ميدالية ذهبية عن هذا الدور.
بدأ الفنان الكبير حياته الفنية فى الستينيات فى المسرح الذى صدر للفن عمالقة وعباقرة فى التمثيل، وتنقل بين مسرح الحكيم والمسرح القومى والحديث، ثم انضم لفرقة جلال الشرقاوى وعمل فيها ما يقرب من 10 سنوات.
وأشار الفنان الكبير خلال حواره معنا إلى أن من بين المعلومات المغلوطة المتداولة عنه أنه عمل بمسرح تحية كاريوكا وفايز حلاوة، مؤكدا أنه لم يعمل معهما.
ولفت إلى أن هناك لبسا كان يحدث بينه وبين الفنان الراحل حسن حسين، قائلا: «الناس كانت بتتلخبط بسبب تشابه الأسماء بيننا وساعات يكتبوا عنى معلومات غلط بسبب هذا التشابه وينقلوا معلومات غلط».
سألناه عن سر عزوفه ورفضه إجراء أى حوارات صحفية أو تليفزيونية فأجاب بتواضع قائلا: «مابعملش حوارات لأنى باقول الناس بتشوفنى وأنا بامثل مش عاوز أزهقهم منى كمان بالحوارات واللقاءات».
مشوار الألف ميل
ظل الفنان العبقرى يعمل لسنوات طويلة فى المسرح قبل أن يعرفه الجمهور فى مسلسل أبنائى الأعزاء شكرا عام 1979، والذى أدى خلاله شخصية فتحى الموظف المرتشى، وبعدها شارك فى العديد من الأعمال الدرامية فى استوديوهات عجمان ودبى وعرضت فى دول الخليج، ثم بدأ يعمل فى العديد من الأدوار التليفزيونية.
وكانت بداية حسن حسنى فى السينما بمشاركته فى دور صغير بفيلم الكرنك عام 1975، ولكنه حصل على دور أكبر فى فيلم سواق الأتوبيس للمخرج عاطف الطيب عام 1982، وبعدها استعان به الطيب فى عدد من أفلامه، ومنها البرىء، البدروم، والهروب.
وبخطوات ثابتة واثقة وجهد سنوات طويلة استطاع الفنان الكبير أن يضيف إلى رصيده ويلفت الأنظار إليه مع كل دور يقوم به، ورغم تأخر نجوميته تمكن من اقتناص الجوائز والأضواء من جانات السينما بالأدوار الثانية، واستعان به كبار المخرجين فى العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية، وخاصة مع بداية التسعينيات التى استطاع خلالها اقتناص العديد من الجوائز منافسا كبار النجوم وأصحاب الأدوار الأولى والبطولات وجانات السينما.
وأبدع حسن حسنى فى التراجيديا بقدر إبداعه فى الكوميديا، فجسد دور «ركبة القرداتى» بفيلم سارق الفرح وهو دور مركب وشخصية صعبة، وقال عن هذا الدور: «أخدت عنه 5 جوائز منهم جائزة من إيطاليا».
كما حصد عددا من الجوائز عن فيلم دماء على الأسفلت، وكان بطله الفنان نور الشريف، قائلا: أخدت عن الفيلم ده عدد من الجوائز، ومنها جائزة أحسن ممثل سنة 93، واستلمها المخرج عاطف الطيب لأنى كنت مسافرا، وكان المعتاد أن الجائزة تروح للجانات، وكانت مفاجأة أنى أنا اللى أفوز بيها لأنى باعمل أدوار ثانية، وعندما أذيع اسمى ساد الصمت فى القاعة لمدة دقيقة وماحدش كان مصدق وبعدها اهتزت القاعة بالتصفيق».
وكشف الفنان الكبير أن الملكة فريدة طلبت التقاط صورة معه فى باريس عندما كان يشارك فى مسرحية إيزيس وأوزوريس مع فرقة المسرح القومى بطولة سميحة أيوب وعبدالله غيث، قائلا: «الملكة حضرت لمشاهدة المسرحية أثناء عرضها فى باريس وكان معها الكاتبة الصحفية آمال بكير وأثناء العرض قالت لها عاوزة أتصور مع الممثل ده ولم تكن تعرف اسمى لتأثرها بأدائى فى المسرحية».
وأضاف: «بعد انتهاء العرض دخلت الكاتبة الصحفية آمال بكير ومعها الملكة فريدة إلى الكواليس وصافحت أبطال العرض ومنهم أنا ولكنها طلبت التقاط صورة معى دون أبطال العرض».
كما حصل الفنان حسن حسنى على جائزة أحسن ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائى عن فيلم فارس المدينة، وقدم العديد من الأدوار المميزة فى أفلام «ليه يابنفسج، وفرحان ملازم آدم»، وغيرها عشرات الأعمال، حيث تجاوز عدد أفلامه 200 فيلم.
وتابع: «أخدت جوايز كتير وكلها عزيزة على قلبى وتكريمى فى مهرجان القاهرة السينمائى ونقابة المهن التمثيلية جعلنى فى غاية السعادة لأنهم كرمونى قبل ما أموت»
وأبدع العبقرى فى عشرات الأدوار الدرامية على شاشة التليفزيون، قدم خلالها شخصيات متعددة فى مسلسلات اجتماعية ودينية وتاريخية «حلم الجنوبى، أرابيسك، بوابة الحلوانى، أم كلثوم، سمارة، العار، عفاريت السيالة، أميرة فى عابدين، الأبطال، أيام المنيرة، ساعة ولد الهدى، المال والبنون، وداعا قرطبة، السبنسة، الكهف والوهم والحب، رأفت الهجان، رحيم، وغيرها من روائع الدراما». ويعرض له حاليا مسلسل أبو جبل.
القشاش
وأطلق الكاتب الراحل موسى صبرى على الفنان حسن حسنى لقب القشاش لقدرته على أداء كل الشخصيات والأدوار الصعبة.
وعن أقرب الشخصيات التى قدمها من شخصيته الطبيعية قال: «أقرب دور لشخصيتى دورى فى فيلم ليلة سقوط بغداد، حسيت إن الشخصية شبهى فى الخوف على أولاده وكيفية تعامله معهم، والفيلم رغم أنه كوميدى لكن كان بيحمل رسالة وفكرة قوية وعميقة».
كما تألق النجم الكبير ابن المسرح فى عدد من المسرحيات الهامة التى حققت نجاحات مذهلة ومنها مسرحية على الرصيف مع سهير البابلى وحسن عابدين، ومسرحية اعقل يا مجنون مع الفنان محمد نجم، ثم انطلق فى مسرحيات عفرتو، جوز ولوز، حزمنى يا، وساعد فى هذه المسرحيات الكثير من الشباب الذين أصبحوا نجوما للكوميديا.
ويعتبر الفنان الكبير حسن حسنى الأب الروحى لكل فنانى الكوميديا من الجيل الحالى الذين ساندهم فى بداية حياتهم الفنية وحرصوا جميعا على الظهور بجواره ليمنحهم صك النجومية والخبرة والشهرة، ومنهم الفنان الراحل علاء ولى الدين فى أفلام «عبود على الحدود والناظر صلاح الدين»، والفنان محمد هنيدى الذى شاركه العديد من الأفلام والمسرحيات ومنها: «ياانا ياخالتى، عسكر فى المعسكر، مسرحية حزمنى يا وغيرها من أعمال»، والفنان أحمد حلمى فى «ميدو مشاكل»، وهانى رمزى فى فيلم «غبى منه فيه»، ومحمد سعد فى «اللمبى، واللى بالى بالك»، وحمادة هلال فى «عيال حبيبة» ورامز جلال فى «أحلام الفتى الطائش»، وغيرها عشرات الأعمال كان فيها الفنان حسن حسنى سندا لجيل كامل من الشباب الذين استندوا على كتفه فمنحهم من نجوميته وخبرته، وظلت الشخصيات الكوميدية التى قام بها راسخة فى أذهان الكبار والصغار، فهو «ضبش الحرامى» فى فيلم «غبى منه فيه»، والأستاذ سيد فى الناظر صلاح الدين، ووالد علاء ولى الدين فى فيلم «عبود على الحدود»، ووالد محمد هنيدى فى «عسكر فى المعسكر، وياانا ياخالتى»، ووالد أحمد حلمى فى ميدو مشاكل، وعم باخ فى «اللمبى».. وغيرها مئات الشخصيات التى أبدع فيها الفنان الكبير، الذى ضحك قائلا: «رامز جلال فضل يجيلى كل يوم علشان أمثل معاه فى أول أفلامه، وقاللى لازم تقف جنبى».
وحين سألناه عن أحب أبنائه من الوسط الفنى لقلبه قال: «كلهم حبايبى وبيسألوا عليا لكن كان المرحوم علاء ولى الدين أقربهم لقلبى، كان بيعشقنى وبعشقه، وباحس إنه ابنى الطيب النقى، مكانش فى حد فى طيبته واشتغلنا مع بعض كتير من بداياته، كانت صدمة كبيرة لما مات ودفنته، وأصبت بحالة اكتئاب شديدة، وقررت أعتزل الفن، قلت ابنى مات مش هامثل تانى».
وتابع: «سافرت خارج القاهرة لمدة 3 شهور علشان أبعد، لكن زمايل وأبناء كتير ألحوا عليا وأقنعونى بالعودة للعمل وقالوا لى ده حق الجمهور عليك».
يحكى عن آخر اتصال بينه وبين الفنان الراحل علاء ولى الدن قائلا: «كنا بنعمل مسرحية «لما بابا ينام»، وقبل العيد الكبير سافر علاء علشان يصور فيلم فى البرازيل، وكلمنى من هناك علشان يطمن عليا وعلى العرض، ورجع ليلة العيد وتوفى فجأة بعدما ذبح الأضحية، ولم يتم تصوير المسرحية ورفضنا حد ييجى مكانه ووقفنا العرض، كانت صدمتى بوفاته كبيرة».
وخلال الحوار كشف الفنان الكبير عن سر نجاحه فى كل ما قدمه من أدوار حين سألناه أيهما يفضل، الأدوار الكوميدية أم الأدوار التراجيدية، فأجاب قائلاً: «مابحبش التصنيف أنا بشوف الشخصية وبارمى حسن حسنى جواها وأتخيلها فبتطلع زى ما بتطلع بصورة طبيعية، سواء شخصية كوميدية أو تراجيدية».
رحم الله الفنان العلاق حسن حسنى الذى رحل بجسده، ولكنه سيبقى خالدا فى أذهان الملايين على مر الأجيال بما قدمه من إبداعات وروائع وما أهداه للفن من أبناء وتلاميذ.